قضايا وآراء

من شر البلية ما أضحك!(1)

hamid taoulostلقد صدق من قال "إن من شر البلية ما يضحك"، ومن أكثر البلاوي اضحاكا، ما أصبحنا نشاهده اليوم من تغيير مواقف الكثير من الشخصيات العامة، بتغير مواقعهم، وخروج العديد منهم عن قواعد الثبات على المبدأ الذي كانوا عليه وقتما كانوا في سدة المنصب، فتغيروا بمجرد ما أصبحوا خارجه، وحادوا عما كانوا يؤمنون بأنه الصواب، وغدا من كان رفيق دربهم في موقع الأمس، خصماً وعدوا لدودا، في موقع اليوم ..

وإن اضحك ما اضحكني في هذه البلوى أن يكون المتغيرون المتلونون ممن أوقروا آذاننا بادعاء أنهم جنود وحماة مرجعية الثبات على الدين والعقيدة، الذين لن يسمحوا لأي احد المساس بعنوانها ورموزها و" اللي كيموتو على الكلمة التي هي الرجل، ولو بقطع الراس"، كما يقول المغاربة الذين يحترمون كل من يثبت عليها كموقف وأيديولوجيا راسخة، ولا يحيد عنها مهما كانت الوقائع والأحداث، خاصة إذا كانت وفق المصلحة عامة والوطنية، التي يجب فيها، الثبات على مبدئها، والصلابة وعدم التنازل عنها، ورفض أي شكل من أشكال المساومات وأنصاف الحلول فيها .

ولنا في صمود وثبات رسولنا الله صلى الله عليه وسلم -الذي ضل صامدًا أمام الإغراءات والعروض، ولم ينثنِ ولم يتراجع أمام التحديات وأساليب التهديد والترهيب التي مارسها إزاءه المشركون، فلم يساوم قط في دينه، وهو في أحرج المواقف واصعبها في مكة وهو محاصر بدعوته، وأصحابه القلائل يُتخطفون ويُؤذون في الله أشد الإيذاء، وهم صابرون محتسبون لا يبدلون ولا يتبدلون - القدوة والنموذج المثالي الذي يجب أن يحتدى به في الثبات على المبدأ ..

وبعيدا عن الأنبياء وصحابتهم الذين يمكن ان يقول قائل أنهم أشخاص مميزون ومختارون ...، نأخذ مثالا آخر عن التضحية بالنفس في سبيل المبدأ، وهو سقراط الذي أصدرت في حقه حكومة أثينا حكما يخيّره ما بين الموت أو النفي، عقابا له على دروسه ومحاضراته التي كانت تثير الشكوك في نفوس تلاميذه وتحرّضهم على احتقار الآلهة والتمرّد عليها، وقد رفض سقراط النفي في النهاية وفضّل عليه الموت بتناول السم. فأين هؤلاء الأشخاص الذين تبدلت رؤاهم ومواقفهم 180 درجة، بدأً من قطع الطرق، التي كانت أمراً حراما، يستوجب فضه بالقوة والقانون خلال فترة حكم مرسي .. مروراً بالشجب والتعلق على عمليات مشاركة السيدات والبنات فى المظاهرات بسؤالهم المقيت " إيه اللى خلّاهم يروحوا هناك " وصولاً إلى رفض شعار "يسقط حكم العسكر"، أو التظاهر أمام المنشآت العسكرية !! والذين أصبحوا بعد تبدل الأحوال، لا يكتفون بقطع الطرقات فقط، بل يخربونها ويقتلون مستعمليها، ويدفعون بالنساء إلى مقدمات مظاهراتهم متاجرين بهن وبدمائهن، وأصبح الجيش أو "العسكر" كما يحلوا لهم تسميته، من ألد الأعداء الذي تجب محاربته .. أينهم من تعاليم الإسلام وسيرة رسوله، ومن نموذج تضحية سقراط ومقولة شي جيفارا : "الطريق مظلم وحالك فإذا لم تحترق أنت وأنا فمن سينير الطريق" وما يستلهم منها كنموذج التضحية بالنفس ؟

ومن تلك البلاوي الشريرة المضحكة المبكية معا، على كثرتها، بلوى الصورة التي تداولها رواد "الفايسبوك" بشكل كبير لرئيس الحكومة المغربية والرجل الثاني في المغرب السيد بنكيران وهو يرفع كفه ملوحا بعلامة رابعة، وسط شباب حزبه بمناسبة مؤتمر شبيبة حزبه الذي ارتدى بعض المشاركين فيه قمصانا موحدة تحمل شارة "رابعة العدوية" ذات الخلفية الصفراء، لون الاستعداد والتأهب، التي تولى الاتراك تصميمها لتكون إشارة جديدة لجماعة الإخوان، والتي كتبوا لفظة "رابعة" بالحروف اللاتينية بهذا الشكل R4BIA، تحت الأصابع الأربعة السوداء، بدلا من كتابتها بالأنجليزية على شكل  raba’a، أو على شكل rab3a كما تكتب باللغة الفيسبوكية المستحدثة، وذلك حتى تؤدي معناها الحقيقي الذي وجدت من أجله، والذي يعني ان الجيش الحر للإخوان مستعد : Ready for Brotherhood Independent Army ..

وبصرف النظر عن صحة ما يزعمه البعض من ارتباط هذه الإشارة بالماسونية من عدمه، والذي كثُرَ الكلام عنه في الآونة الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، فقد لقيت حركة السيد رئيس الحكومة -الذي بإمكان أي كان أن يتهمه بأي شيء إلا الغباء، حيث أجمع الكثيرون على فطنته الخارقة وذكائه الحاد - ردود أفعال متباينة، واتخذت الكثير من الشبهة والعلاقة الملتبسة والمليئة بالأسئلة والتناقض مع الموقف الرسمي للمغرب والذي عبر عنه ملك البلاد محمد السادس حين هنأ الرئيس المصري المؤقت الذي تم تعيينه بعد عزل مرسي، والذي أكدته الحكومة المغربية التي يرأسها بنكيران على لسان وزير خارجيتها السيد سعد الدين العثماني .

حقا إنها بلوى مثيرة للاستغراب يلجأ فيها ممثل دولة لاتخاذ صورة شخصية خاصة له، تخدم مصالحه وشعبيته على حساب مختلف توجهات الدولة والشعب الذي يمثله .

صحيح أنه من حق أي كان أن يتّسق مع قناعاته، ولكن على تلك القناعات أيضاً ألا تسير عكس اتجاه قناعة الجماعة التي يمثلها والزاخرة بالاختلاف الذي يصنع المشهد العام في صورته الكلية.

لكن هناك، ومع الأسف، من يعيش رهين قناعته، ولا يرى الحياة إلا من زاوية واحدة وبلون واحد، معتقداً أن لا شيء أكثر عظمة من أفكاره، فيرغم الغير على اعتناقها عنوة ويخنق كل الأصوات المخالفة لترنيمته النشاز والمغايرة لتصوراته، بالعنف والترهيب الذي يصل - احيانا كثيرة - حد القتل الذي، لا يمتنع عنه إلاّ عجزاً أو خوفاً، لأنه لا يؤمن بالديموقراطية والحرية وبقية المفاهيم الحداثية للحرية، كما حدث مع شهداء الرأي أمثال آيت الجيد بنعيسى من المغرب، وشكري بلعيد من تونس، وهادي المهدي منالعراق، وخالد سعيد وفرج فودة  من مصر، وناجي العلي من فلسطين، وعلي شريعتي في ايران، دون أن ننسى الحلاج وابن المقفع من بلاد العرب، وسقراط وغاليلو من بلاد الغرب ..

واضحك ما اضحكني من البلاوي التي تعصر القلب ألما ومرارة تلك التي تفضح التخلف الكلي لحركات الاسلامية المغربية بأحزابهم ومنظماتهم، و"برودة" واحتشام مساهمة من شارك فيها منهم من الإسلاموين -الذين طالما زغردوا بأنهم هم القنطرة الأولى والصلبة لنقل المجتمع نحو الرخاء والنماء الاقتصادي والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية , وتحقيق الحرية الحقيقية بمختلف تمظهراتها - عن مناصرة القضايا الوطنية والشعبية، وعلى رأسها الاحتجاج على العفو/الخطأ الذي حضي به "كالفان" المغتصب الاسباني، وتبنيهم لقضايا خارجية لا تمت لمشاكل المغاربة بأية صلة، كخروجهم للاحتجاج بجنون وهستريا مروعة، على ما يحدث في مصر ضد ما يعتبرونه آخر قبيلة مدافعة عن الإسلام،

ما دفع بمعظم المغاربة للتساؤل عن المجوز الذي دفع كل قوى الإسلام السياسي إلى ان يقف وقفة حازمة نحو قضايا الخارج –عادلة كانت أو غبر عادلة لا يهم- ويتخاذل في الوقت نفسه تجاه التعدي على القضايا الوطنية، ومواجهة تلك الفوضى المناقضة لمفهوم الدولة، باستياء عارم، وحنق جارف، إلى درجة دفعت ببعض السياسيين إلى اتهام تلك الجماعات التي تقدم قضايا الغير على قضايا المغرب والمغاربة، بخيانة الوطن والولاء لأجندات عواصم أجنبية، كما جاء في القنبلة التي فجرها عزيز بن عزوز القيادي في حزب الأصالة والمعاصرة على الهواء مباشرة أثناء تدخله في برنامج "مباشرة معكم" الذي تبثه القناة الثانية، والتي اتهم فيها بنكيران وحزبه بخيانة الوطن والولاء لأجندات عواصم أجنبية، وحدد الجهة التي يدينون لها بالتبعية في "أنقرة" عاصمة تركيا .

سأكتفي بهته البلاوي التي ابتلينا بها، والتي اطلب الله أن يقي بلادنا مهنا ويحفظها من فتنها المفبركة والغير الصالحة لوطننا الحبيب والمحسود على استقراره عليه والسلام وإلى اللقاء مع بلاوي أخرى في مقالات قادة بحول الله

 

حميد طولست

 

في المثقف اليوم