قضايا وآراء

ومن شرّ البليّة ما أضحك !. (2)

hamid taoulostكثيراً ما نتوقف عند المواقف المثيرة فينا لمشاعر الأسى، ونذرف من أجلها، أحيانا، الدموع، ونطلق آهات الآلام والتحسر، وقد نتوقف أمام المواقف التي تبعث على السخرية، فنضحك بملء أفواهنا، وربما نقهقه بأصوات مسموعة مجلجلة، بسبب عبثيتها أو تناقضاتها . كما ما نتوقف عند مواقف عبثية تجمع بمكر بين النقيضين، المأساوي والكوميدي، فنتحير بين ما تثيره من آهات الأسى، وما تبعثه من ضحكات السخرية، ولا نعرف بأيهما نأخذ؟ إلا أننا، وفي غالبية الأحوال ما نغلب السخرية والضحك من كل ما يحيط بنا من بلاوي ومواقف خروج الكثيرين منا عن المتوقع والمعتاد، وشذوذهم عن كل القواعد والأعراف المألوفة، وتجاوزهم لجميع الخطوط الطبيعية المعتادة، حال مرور بعضهم - ولا أستثني من ذلك أحدا من المسؤولين إلى عامة الناس - ببعض المواقف غير المألوفة، والتي نشرت نماذج منها في الجزء الأول من مقالتي المعنونة بـ "ومن شر البلية ما أضحك " والذي يطابق كل ما يُصاغ ويُعتمل في حياة أمتنا التي أصبحت مثاراً للهزئ والسخرية، والتي سأعرض في هذا الجزء الثاني بعض النماذج الأكثر مأساة وسخرية، والتي يقال عنها " ان المواقف الساخرة غالباً ما تخفي وراءها الكثير من الأحزان"، حتى تتكون لدينا صورة صافية، وفكرة غير مشوشة عن تصرفات بعض من تضعف نفوسهم أمام الوسوسا الشيطانية، التي تزين للمرء شر عمله، وتصور له الحق باطلا، والباطل حقا، فيصدق فيه القول الفصيح: "شر البلية ما يضحك " والقول الدارجة: "الْهَمْ إلى كثر كيضحك " .. ومن المواقف شرا وسخرية من هذه الأمة التي ضحكت من جهلها الأمم، ما شاهدناه وسمعناه عن الموقف الإنساني المشرف والبادرة الطيبة التي اتخذها بابا الفاتيكان، والتي أبت عليه إنسانيته وضميره الحي، إلا أن يقف إلى جانب الشعب السوري المسلم في محنته، ويطالب رؤساء الدول وقادة العالم وزعماء الأمم بتبني الحلول السياسية، بدل استعمال القوة العسكرية، ودفع به كبر قلبه الى دعوة مسيحيي العالم للصوم والصلاة لأجل الشعب السوري . بينما نجد في مقابل ذلك، أن بعض متحجري قلوب، وعديمي الضمائر، وعمي البصيرة، ومعدومي الإنسانية  ممن يقحمون أنفسهم في زمرة مشايخنا الأفاضل، وفقهاء ديننا وعلمائه الأجلاء، وهم منهم براء، يدعون إلى القتل والنسف باسم الله والجهاد في سبيله  ويطالبون يدعون بتدخل امريكا بضرب هذا الشعب المنكوب .

ومن باب الشر المضحك أيضا، في عالمنا العربي الإسلامي، والذي أثار العجب والاستغراب، منظر أولئك المتحمسين الذين يدعون الدفاع عن الإسلام، والجهاد في سبيل الله، والقتال من أجل تحرير القدس، وهم منشغلون عن ذلك بإرهاب بلاد الله الآمنة، وترويع خلقه المسلم المؤمن البريء من كل مسوغ شرعي أو ذنب قانوني، يبيح محاربته . ومنهمكين في إظهار الفتوة والبسالة بالتعرض للفنانات مصريات، بالسب والإهانة والذي يصل مع بعضهن حد استعمال الأيدي بالضرب، عملا بالمثل المشهور، كما حدث في المغرب لشرين عبد الوهاب  التي لم تقترف جرما أثناء احيائها إحدى سهرات مهرجان تطوان، غير اعتزازها بوطنيتها أمام شعب صديق  لم يرضي طغمة من متطرفي إسلامويي المغرب، وما تعرض له الفنانين والإعلاميين المصريين: الفنانه عبير صبرى، والمخرج محمد امين، والمخرج احمد عاطف، وعبد الجليل حسن المستشار الاعلامى للشركة العربية للسينما، واسماء يوسف موفد التلفزيون المصرى المذيعه بقناه نايل سينما، والموزعة ومهندسة الديكور غادة جاد الحق، من اعتداء لفظى وبدنى مخزي، من انصار الإخوان بمهرجان "مالمو" للأفلام العربية بالسويد فى دورته الثالثة،  وذلك باسم نصرة الدين، وتحرير المسجد الأقصى الذي تخلت عنه جل الجماعات الجهادية التي تتبجح بتحريره، وانشغلت عن قضية أولى القبلتين في الإسلام وأكثر معالمه قدسية عند جميع المسلمين بقضايا سياسية بحت، وتركته عرضة لانتهاكات واستباحات باقتحامات متكررة من طرف مجموعة من المتطرفين اليهود خلال فترات زمنية وجيزة، وبتشجيع من الحكومة الإسرائيلية -بدعوى أداء الشعائر الدينية بمناسبة رأس السنة العبرية - استعدادا للاقتحام الكبير والنهائي الذي سيتم به وتهويد الحرم القدسي الشريف، وسلخه عن هويته الإسلامية وإقامة الحجر الأساس للهيكل المزعوم، الحلم اليهودي الكبير، لا بالخزي ولا بالعار..

والأشد عجبا من كل هذا وذاك، والذي يعد من أفضع الشرور المضحكة المبكية في نفس الآن، هو تلك المبررات الواهية للجماعات الجهادية عن تقاعسها عن نصرة المسجد القصى وتضاؤل ردود أفعالهم المتواطئة نحو تكرار اقتحامه السافرة  وما تلقاه، مع الأسف الشديد، من صدا وتفاعل كبيرين عند الكثير من الناس، وخاصة العامة منهم، الذين يتبعون كقطعان الغنم، ويأخذون بكل الأقوال، دون التبصر فيها وفي مضمونها ومحتواها حتى وان كانت وتحلل للحرام وتحرمه الحلال وتخالف شرع الله وفطرة الانسان، والغريب أن وذلك يحدث في زمن لا وصاية فيه لأحد على الآخر مهما بلغت درجة ثقافته وذكائه وحتى خبثه .

وسأكتفي بهذا القدر من بلاوي أمتي المضحكة المبكية في نفس الحين، وإلى اللقاء بحول الله وقوته في مقالة أخرى في نفس الاتجاه ونفس التوجه .. 

 

حميد طولست

 

في المثقف اليوم