قضايا وآراء

محنة اللاجئين .. النازحين .. المهجرين

khadom almosawiما يحصل يفوق التصور .. ارقام مليونية تصفع الوجوه، تتعلق بأرواح وحيوات بشرية. وقائعها مهولة، حولتها منظمات وجهات رسمية وأهلية وفضائيات العار الرسمي العربي الى اخبار تتبادلها، بالأرقام والاجتماعات والدعوات ولقطات مكررة ومبرمجة لإشغال فراغاتها الزمنية. المحنة اكبر منها. من يعش الحالة يعرف معناها ولا يرضى بان يتفرج عليها، او ينتظر طويلا لحل لها، مع ما يعتصره من الم وما يعانيه من اذى وما يكابده من قسوة متعددة المصادر والتداعيات. ما حصل ليس نهايات.. له بدايات لا بد من العودة اليها ومعرفة الاسباب قبل الانتهاء من ترتيب الارقام والأعداد. مع الاسئلة عنها تتوالد اسئلة. من هم اللاجئون والنازحون؟ ومن هم المهجرون والمهاجرون؟، ما تعريفهم قانونيا وأخلاقيا؟ هل ينفع كل ذلك؟ لماذا؟، اين الضمير الانساني؟، القانون والأعراف والشعارات البراقة؟.

اليوم يجري الحديث عن لاجئين سوريين ومصريين وليبين وتونسيين، وغيرهم؟ وسبقهم الحديث عن الفلسطينيين واللبنانيين والصوماليين والعراقيين واليمنيين والجزائريين والمغاربة والارتيريين، وغيرهم. لاجئون ونازحون في العالم العربي ومنه. ابواب الجحيم او (النعيم لبعضهم!) والبحار التي تحيط بهذا العالم وجيرانه من شماله من الاوربيين او البعيدين عنه خلف المحيطات، اخذت حصتها منهم وكأنه قدر عليهم. لماذا حصل ما حصل؟. ولماذا استمر طيلة تلك/ هذه الفترة، وماذا بعد؟.

ملايين من اللاجئين والنازحين والمهجرين من هذا العالم العربي تتشدق بهم وسائل اعلام المنظمات الدولية وتوابعها من مؤسسات العار الناطقة باللغة العربية والمرادفة لغيرها وأمراء الصحراء والحرب والإرهاب وتجار فتاوى جهاد النكاح وستر القاصرات. متاجرة ومزايدات وأكاذيب ومبالغات. ارقام مفتوحة وأعداد متصاعدة وتناقضات مخادعة.. متناسية الوقائع على الارض، يوميات مخيمات اللجوء، سفن التهريب، مافيات متعددة الجنسيات..  وكل يوم تتفاقم المحنة وتتصاعد الكارثة وتتزايد المأساة.

مسؤول في الامم المتحدة اعلن في حديث لوكالة اعلام امريكية (3/9/2013) "أن سبعة ملايين سوري نزحوا عن بيوتهم بسبب الصراع المسلح الدائر في وطنهم، وأن خمسة ملايين منهم نزحوا بعيدا عن مناطق سكناهم داخل حدود وطنهم، في حين لجأ مليونا سوري إلى دول الجوار.

وان المساعدات الدولية المقدمة لهؤلاء النازحين أو اللاجئين لا تعادل "نقطة في بحر" مما يحتاجونه من المتطلبات الأساسية للحياة". وقبلها اعلنوا ارقاما اخرى عن النازحين واللاجئين العراقيين، او الصوماليين او السودانيين وغيرهم.

المفوض السامي لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، (وكالات 5/9/2013) دعا إلى حل سياسي عاجل للأزمة السورية من أجل وقف ارتفاع عدد اللاجئين السوريين المتدفقين خارج البلاد. وحث غوتيريس، دول الجوار السوري على العمل سويا من أجل توسيع المساعدات الدولية لاحتواء أزمة اللاجئين في بقية المناطق، حسب تصريحاته خلال اجتماع بوزراء خارجية تركيا والعراق والأردن ولبنان. اضاف غوتيريس: "إننا أمام انزلاق كارثي للنزاع السوري في ظل استخدام الأسلحة الكيماوية، لذلك، نحن ندعو المجتمع الدولي بكل قوة لتجاوز الخلافات العالقة بما يسهم بالتوصل إلى وقف المواجهات". ودعا إلى إيقاف جميع العمليات التي تقف وراء تدفق اللاجئين، مؤكدا على أن "الحاجة عاجلة لحل سياسي من شأنه إيقاف حلقة الرعب".

هكذا يجري الاحصاء والعد، وتقسيم المواطنين الى لاجئين ونازحين ومعهم المهجرين الى ابعد من بلدهم وحدودها الجغرافية، وبدأت عواصم الاستعمار وأخواتها التي اشتركت في زرع الكوارث في العالم العربي تتفرج وتعطف وتفتح فرصا لأعداد منهم، كملاجئ وملاف ومناف.

صحيفة خليجية من تلك الوسائل المشار اليها آنفا تتساءل عن الملايين من الدولارات التي خصصت من المانحين في مؤتمراتهم. كتبت (31/1/2013): "بلغ حجم ما تعهد به "المانحون" في مؤتمر الكويت للشعب السوري  نحو 1.5 مليار دولار. رقم لو أضيف له ما تعهد به هؤلاء المانحون سابقاً للشعب السوري، لوجدنا أنفسنا أمام رقم كبير وكبير جدا، قادر على أن يغطي كل تلك الاحتياجات التي بات السوري، سواء أكان داخل وطنه أم لاجئا، بأمس الحاجة إليها، وما كنا قد شاهدنا الحالة المزرية التي وصل إليها الآلاف منهم ممن يسكنون مخيم الزعتري الأردني أو بعض المخيمات في شمال العراق أو تركيا أو لبنان"!.

عن الملايين من الدولارات وبهدوء من يتهرب من مسؤوليته وأصحابه وأسياده نقلت الصحيفة: "يتساءل اللاجئون والنازحون السوريون، ومعهم الكثير من المراقبين حول العالم، أين تذهب هذه التعهدات؟ وأين تذهب هذه الأموال؟ ولماذا حتى الساعة نجد أن هناك مأساة بمعنى الكلمة تتجسد يوميا في مخيمات اللاجئين، رغم كل تلك الأموال التي تتدفق إلى السوريين في مثل هذه المؤتمرات؟. الغريب أن هذه المؤتمرات - التي توالت في عدة عواصم عالمية- فشلت حتى الساعة في أن تجد لها طريقاً على أرض الواقع، وبقيت المنح والأرقام التي تعلن عنها مجرد منح وأرقام، من وجهة نظر الكثير، خاصة أنه ليست هناك أية شفافية في آلية صرف مثل هذه المساعدات، وكيفية إيصالها لمستحقيها".

لم تتوقف منظمات الامم المتحدة او وكالاتها او مسؤولوها، ولا وسائل اعلام الغرب وتوابعها باللغات الاخرى، عن حملات البكاء على اللاجئين والنازحين. ولما تزل في متاهتها تسعى الى التغني بعجزها عن اداء "رسالتها الانسانية" كما تزعم. وما تهتم به اكثر وتروجه نسب الاطفال والنساء من اللاجئين والنازحين، ولكن لا يهمها كيف يعيشون وكيف يواجهون حياتهم كل يوم؟!. كارثة إنسانية، مأساة، وحتى ابادة جماعية، وجرائم حرب، اوصاف ترددها آلات الاعلام وصقور الحكومات الغربية ولكن ما نفعها امام صخرة الواقع الصلبة، الظروف القاسية؟!

محنة اللاجئين والنازحين والمهاجرين في العالم العربي وفي خارجه مستمرة ومتواصلة. وكابوسها يتشعب والخداع والدجل والنهب والتحايل والتكاذب كذلك. لا احد يقدر المعاناة، الكارثة كما هي في وقائعها ويومياتها وآلامها. متى ينتفض الضمير ومحاكمته في الحد الادنى بعد كل ما نراه امام الأعين على فضائيات العار الرسمي، في العالم العربي؟!.

 

كاظم الموسوي

 

في المثقف اليوم