قضايا وآراء

من ريادات علي الوردي: هل حرّف أفلاطون أفكار سقراط؟

husan sarmakطرح المفكر العراقي الراحل د. علي الوردي وجهة النظر الصادمة والفذّة هذه في بداية الخمسينات من القرن الماضي وذلك في كتابيه: "وعاظ السلاطين" و"مهزلة العقل الابشري"، وهي وجهة نظر فريدة يقول فيها أنه قد اجتمعت لديه من القرائن التاريخية ما جعله يرى أن التعاليم التي نسبها أفلاطون إلى سقراط هي ليست آراء الأخير، بل هي آراء أفلاطون الخاصة به، والتي تختلف تماما عن تعاليم سقراط، وباختصار :

1- كان سقراط فقيرا وشعبيا في حين كان أفلاطون نبيلا وثريا ومن اصحاب العبيد وكان يكره العامة والديمقراطية كرها شديدا ويدعو إلى سحق النظام الديمقراطي القائم ويبشر بحكم الأقلية من أرباب العقل "العالي" .. وأقام معبدا كرّسه لآلهات الشعر .. في حين أن سقراط كان يعلّم الناس في الأسواق، ويُنكر الآلهة القديمة .

2- كان سقراط دميم الخلقة إلى أبعد الحدود .. في حين كان أفلاطون جميلا أنيقا وفوق ذلك يعتقد بأن جمال الخلقة دليل على جمال الخُلُق .. فماذا يقول عن سقراط الدميم  .

3- كان الفلاسفة قبل سقراط منهمكين بالعالم "الأعلى" والحقائق الكونية، وأهملوا العالم الأسفل . وجاء سقراط فأنزل الفلسفة من السماء إلى الأرض . .. أما أفلاطون فقد أرجع الفلسفة إلى البحث في السماء مرة أخرى، وابتكر " عالم المُثُل " التي سُمّيت باسمه بعد ذلك، ولكنه نسبها وقتها لسقراط .

4- كان أفلاطون مصابا بالإنحراف الجنسي، وكان يعاشر تلاميذه معاشرة الغلمان، ولم يتزوج طوال حياته، في حين كان سقراط ذا زوجة وثلاثة أطفال، وكان يتحمل بذاءة زوجته بصبر عظيم .

ويكمل الوردي اكتشافه الفريد هذا بالقول أن أفلاطون كان فيثاغوريا أكثر منه سقراطيا . وقد حرّف مباديء سقراط لكي يجعلها أكثر ملائمة للمباديء التي كان المذهب الفيثاغوري يدعو إليها . وحين يطرح جانبا من شعائر المذهب الفيثاغوري يقدم ملاحظة مهمة، وهو تشابه هذه المشاعر شبها عجيبا مع شعائر النحلة اليزيدية في عصرنا . ويرى أن من الممكن أن هذا المذهب قد غالى في عقائده ومشاعره بعد موت زعيمه فيثاغور كما غالت النحلة اليزيدية بعد موت شيخها عدي بن مسافر الأموي .

ثم يقدم الوردي القرائن التي تشير إلى وجود الترابط الفكري بين تعاليم فيثاغور وتعاليم أفلاطون :

1- كان فيثاغور يحتقر الواقع الذي يعيش فيه، ويرى أن على الفيلسوف الحقيقي أن يتسامى على الاهتمام بهذا العالم الواطيء . ولهذا أسس مدرسة صوفية يعيش فيها التلاميذ مع أساتذتهم معا بعيدا عن الناس . وعلى غراره أسس أفلاطون " أكاديمية " يعيش فيها مع تلاميذه لسنوات عديدة، وقد يكون انحرافه الجنسي عاملا في هذا الاعتكاف .

2- كان فيثاغور أول من وضع لفظ فلسفة، وعدّ نفسه فيلسوفا، وليس حكيما، لأن الحكمة لا تضاف إلا إلى الآلهة . ومن الغريب أن أفلاطون ينسب هذا القول إلى سقراط، وذلك نكاية بـ " السوفسطائيين "، فكلمة " السوفسطائي " في اللغة الإغريقية معناها " الحكيم " . أما كلمة " فيلسوف " فمعناها " محب الحكمة " . وبهذا وصم أفلاطون السوفسطائيين بوصمة الغرور باعتبار أنهم سمّوا أنفسهم " حكماء " وهي سمة من سمات الآلهة .

3- كان فيثاغور يؤمن بعالم " المُثُل " ويرى أن المُثُل عبارة عن أعداد موجودة في العالم الآخر .. وجاء أفلاطون فسار في هذا الإتجاه خطوة أبعد حيث جعل " المُثُل " أفكارا مطلقة، والأفكار المطلقة تشابه الأعداد . وفي آخر حياته اعترف بأن المُثُل هي أعداد .

4- كان فيثاغور رياضيا بارعا، وله نظرية هندسية باسمه، وكان أفلاطون مولعا بالرياضيات حتى أنه كتب على باب أكاديميته : " لا يدخلها إلا من كان رياضيا " .

ويستنتج الوردي أن منطق أفلاطون الذي عرف فيما بعد باسم تلميذه أرسطوطاليس هو أقرب إلى مفهوم المعادلات الرياضية منه إلى مفهوم العلاقات الاجتماعية . فنستطيع أن نستخلص من هذا أن المنطق السوفسطائي كان اجتماعيا، بينما كان منطق أفلاطون رياضيا . وشتان بين منطق الأرقام ومنطق البشر .

 

في المثقف اليوم