قضايا وآراء

الجزائر بين الاستقرار في ظل المرميطة والدربوكة وبين خريف الرد المدّمر...

inas najlawi"الجزائر إلى أين؟" رحل الشهيد بوضياف ومازال السؤال يبحث عن جواب وسفينة الوطن تتقاذفها أمواج صراع الأجنحة، والربابين (جمع ربان) يستمرون في المغامرة بالتجديف في اتجاهات متعاكسة على زعم أن فوبيا التسعينات كفيلة بسد ثقوب السفينة وأن سياسة الإلهاء قادرة على تغطية التصدعات في أساسات الجمهورية الجزائرية. لكن إلى متى؟!

أكسبت العشرية السوداء الجزائر مناعة ضد ربيع صهيون، إلا أنها لم تسلم من توابعه. وكان من أثر نجاح التجربة على تونس أن سال لعاب المستعمر القديم وحنّ إلى إعادة التواجد عسكريا في إفريقيا. لم يتوانى ساركوزي في تلبية نداء ليبيا "الثائرة" فحرك أساطيل الناتو وفرض حظرا جويا شل حركة العقيد المجنون وقضى عليه، ثم استصدر خليفته هولاند تصريحا من الجزائر لاستعمال أجوائها بغية قصف شمال مالي. وفي ظل توزع السلاح على مراهقي الربيع "العربي" وانتشاره عبر الحدود وتسلل الخلايا الإرهابية النائمة و"غفلة" الاستخبارات الجزائرية، وقعت حادثة تيقنتورين.

ويعد ذاك الهجوم الإرهابي على منشئة نفطية إستراتيجية حدثا مفصليا في تاريخ جزائر العهدة الثالثة. ورغم الغموض الذي شاب العملية (التي لم تكن ارتجالية بالمرة) وانعدام التغطية التلفزية وانحسار الاهتمام الإعلامي بمجرد إعلان الجيش الجزائري إنهاء الأزمة بتدخل أحادي الجانب، إلا أن المعالجة العسكرية لا تعني بالضرورة نهاية القصة. وإن كانت القاعدة البترولية قد سلمت من التفجير، فإن أجهزة الاستخبارات الفرنسية والجزائرية لم تسلم من الزلزال وان كان بدرجات متفاوتة نظرا للفرق الشاسع بين البلدين. لم يكن خبر تغيير طاقم الاستخبارات في فرنسا محسوسا في بلد سمته التداول على المناصب، أما في الجزائر فتلقفه الجزائريون كمعجزة من السماء نظرا لارتباط اسم "الدي ار اس" بالأسطورة و"الجنرال توفيق" بالغول الخالد الذي لا يهزم.

 

الانقلاب الأول:

استشعر بعض الجنرالات الخطر من تنامي شعبية بوتفليقة فاستغلوا مدير حملته بن فليس للإطاحة به، لكن محاولة الانقلاب تلك باءت بالفشل ونجح بوتفليقة في اقتناص عهدة رئاسية ثانية في حين اضطر الفريق العماري إلى الاستقالة والانسحاب من المشهد. ومرت العهدة الثانية بسلام. إلا أن مرور الرئيس إلى عهدة ثالثة أعاد دق ناقوس الخطر وكانت النتيجة إزاحة رجلي الثقة في جهاز الرئيس باغتيال علي تونسي المدير العام للأمن الوطني في 2010 وبعدها مباشرة سلب زرهوني حقيبة الداخلية.  

ثم جاء "الربيع العربي" و واجهته الجزائر بإنهاك المواطن في حرب اجتماعية-اقتصادية ضد الارتفاع المفاجئ-المتعمد لأسعار السلع الأساسية. ودام الكر والفر بين عناصر الشعب الغاضبة وقوات الشرطة لأشهر تمكنت فيها الدولة من استنزاف طاقة الشعب (كي لا توجه لأغراض سياسية) وانتهت الحرب كالمعتاد بشراء السلم الاجتماعي.

ولتفادي شبح "الربيع" كان لزاما على الرئاسة و المخابرات أن تتركا النزاعات الجانبية وتتحدا لحماية الجزائر من خطر الفوضى. إلا أن الأطماع الأمريكو-فرنسية في المنطقة أعادت بث الشقاق بين معسكري الحكم في الجزائر.

 

 

الانقلاب الثاني:  

بعد استمرار مسلسل القاعدة والحرب على الإرهاب في جبال تورابورا المقفرة عقدا من الزمن، اقتضت الإستراتيجية العسكرية الأمريكية تسليط الضوء على بقعة توتر جديدة وليس أفضل من شبه دولة مالي بعد أن حولت الماكينة الإعلامية بلعور إلى بن لادن 2.

ولتفادي سخط الرأي العام الداخلي سواء في أمريكا أو فرنسا (لا ننسى أن تدخل ساركوزي العسكري في ليبيا ساهم بشكل كبير في إسقاطه في انتخابات الرئاسة)، سعى الشريكان إلى استفزاز الجيش الجزائري لتوريطه في حرب على مالي من خلال تدبير عدة عمليات استخباراتية موقعة من حركة الجهاد والتوحيد (وغيرها من الحركات الإرهابية التي تم تصنيعها في شمال مالي) على غرار اختطاف ثلاث أوروبيين في مخيمات اللاجئين الصحراويين بتندوف، تفجير مقر للدرك الوطني في تمنراست، واختطاف الطاقم الدبلوماسي الجزائري في مدينة غاو في إقليم الازواد في ربيع 2012.

لكن القيادة الجزائرية تعاملت مع الأزمة بحكمة فامتنعت من جهة عن التفاوض مع الإرهاب ودفع الفدية، ومن الجهة الأخرى رفضت الانجرار وراء المخطط الأمريكوفرنسي لتوريط الجيش الجزائري في حرب إقليمية وتحويل البلاد إلى باكستان افريقية.

حينها قرر الغرب إعادة اللعب على وتر الصراعات الهرمية في الدولة الجزائرية والاستفراد بجناح الرئاسة لإقناعها بضرورة الانضمام إلى الفريق الداعي للحرب على مالي، وتحولت المرادية إلى قبلة لأهم المسئولين الغربيين كقائد القوات الأمريكية بإفريقيا "أفريكوم" و هيلاري كلينتون وحتى الرئيس الفرنسي هولاند. وكانت نتيجة تلك المساعي أن انقلبت الخارجية الجزائرية جذريا في تصريحاتها من الرفض المطلق للتدخل العسكري الغربي في الساحل إلى مباركة "تطهير شمال مالي من الإرهاب" وفتح الأجواء الجزائرية لمرور المقاتلات الفرنسية. وحين يتعلق الأمر بالشمال الإفريقي لا تنتظر القوات الفرنسية كثيرا موافقة مجلس الأمن لأن بقاء إفريقيا كمستعمرة فرانكفونية هو اكبر ضمان لاستمرار مصالح فرنسا الاقتصادية والتجارية في المنطقة.

ولم يتأخر الرد على انحياز الرئاسة لصالح أمريكا وفرنسا على حساب الثوابت الوطنية، فكانت عملية تيقنتورين. أدارت المخابرات الجزائرية والقوات الخاصة هجوم عين أميناس تماما كما يحدث في الأفلام الهوليودية، وظهرت الرئاسة مرتبكة جاهلة لما يجري على ارض "المعركة"، حتى أن المؤتمر الصحفي للوزير الأول تأخر لأيام.

ومازالت الرئاسة تتلقى الضربات تلو الأخرى، فلم تهدأ زوبعة عين أميناس حتى ثارت مظاهرات البطالين في ولايات الجنوب وعمت تفاصيل فضيحة سوناطراك 2 والأوتوروت الجرائد.

بات المشهد بعد موقعة عين اميناس كالتالي: أمريكا (اللاعب الجديد في المعادلة الجزائرية) تقف بكل ثقلها في صف الرئيس، أما فرنسا فتمسك بالطرفين في محاولة إحداث التوازن بين الرئاسة والمخابرات، لكن التحقيقات التي باشرتها أجهزة المخابرات أفضت إلى الإطاحة بشكيب خليل (رجل أمريكا الأول في قطاع المحروقات الجزائرية)، وامتدت دائرة الاتهام لتشمل محيط الرئيس العائلي؛ الأمر الذي لم يقدر على احتماله فوقع مريضا ونقل على جناح السرعة إلى فال دوغراس.

انتشى الفريق الثاني بفرحة شغور منصب الرئاسة، وعلى الطرف الآخر سهلّ التواجد في مستشفى عسكري فرنسي لشقيق الرئيس حرية التنقل والتفاوض مع الحلفاء الغربيين.

 

الانقلاب الثالث:

في عز حر نهار رمضان، حطت طائرة الرئيس في مطار بوفاريك. وكان من مصلحة فرنسا أن يعود خاصة بعد أن شرعت أمريكا في التخلاط في شمال إفريقيا لتوريط المخابرات الجزائرية في مجزرة الشعانبي التي حملت بصمات السي اي اي.

عودة الرئيس التي بدت في أولها "باهتة" كانت إيذانا بإعادة الهيكلة داخل أعلى هرم السلطة في الجزائر. ظهر شقيق الرئيس بعد أيام من العودة في جنازة اللواء المتقاعد صنهاجي متحديا الجنرالات، ثم بدأ الضرب بتجهيز ملف اتهامات ضد صحفي بارز كرس جريدتيه طوال فترة غياب الرئيس لمتابعة ملفه الصحي وتحقيق السبق الصحفي اعتمادا على مصادر مطلعة اعتبرتها الرئاسة معادية.

وانتظر فريق الرئاسة حلول الدخول المدرسي و الاجتماعي لتنفيذ انقلابهم بأخف الأضرار لامتصاص ردة فعل الشعب. وكما جرت العادة لم يكن ضروريا اطلاع سلال الذي صرح على هامش افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان بأن طاقمه الحكومي باق ولا تغيير في الآفاق!

بتاريخ 11سبتمبر2013، أعلن التلفزيون الجزائري قيام رئيس الجمهورية بـ"انقلاب" حكومي مسّ وزارات السيادة واستحداث منصب نائب وزير الدفاع الذي حظي به الفريق قايد صالح، وقد كان الوحيد الذي ظهر مع الرئيس برفقة وزيره الأول في المستشفى الفرنسي. و رافق ذلك -حسب الصحافة- تجريد جهاز الأمن والاستعلامات من مصلحة الضبطية القضائية وأمن الجيش ومصلحة الإعلام والتوجيه وإلحاقها بقيادة أركان الجيش.

بغض النظر عن "لماذا وكيف فعل الرئيس ما فعل"، ما يستوقف حقا القارئ الجزائر هو طريقة نقل المعلومة والتهويل الصحفي الذي قدم الخبر على شاكلة: التغيير الراديكالي ونهاية الدي آر آس؛ حل جهاز المخابرات وإزاحة مديره الجنرال توفيق!

 

الصحافة الجزائرية؛ شريكة أم ضحية؟

في نزاعات السلطة غالبا ما يتم توظيف آلة الإعلام المقروء والسمعي والبصري لتمرير المعلومات المغالطة ونشر الشائعات وإدارة الحرب النفسية على غرار دعاية غوبلز، صاحب شعار "اكذب حتى يصدقك الناس".

تسعى الصحافة الجزائرية إلى إقناع الغاشي بأن ما لم تحققه البدلة الرسمية نجحت فيه البيجامة وإيهامه بأن الرئيس انتقل من مرحلة الدفن الإعلامي والسياسي إلى إعادة بسط السيطرة وإحكام القبضة بشكل مطلق. غاب الرئيس ثلاث أشهر ثم اعتكف في حجرته في إقامته الرئاسية ثلاث أشهر أخرى وحين أطل، أنهى أسطورة الدي آر آس بجرة قلم!

في عز قوته ومعه زرهوني وتونسي لم يستطع الرئيس تحييد المخابرات وإبعادها عن السياسة، فكيف نصدق أنه نجح أخيرا في مسعاه حين أعياه المرض وأفقده القدرة على الحركة والكلام؟! وحين كنا ننتظر انسحابه من الحياة السياسية، فاجأنا بتشكيل لوبي حكم حديدي! وكيف يرضى الجيش أن يبتر أطرافه ويستبدلها بكرسي متحرك؟! وهل هناك فعلا صراع أجنحة في الجزائر ولماذا خرج إلى العلن في هذا التوقيت بالذات أم أنها مجرد فرقعات إعلامية لشل عقول الشعب المطحون وتمرير مخططات جهنمية؟!

يريدنا الإعلام أن نصدق بأن المخابرات فقدت القدرة على "الاستعلام" بفعل قرارات الرئيس الأخيرة، رغم أن صميم عملها هو التجسس وجمع المعلومات. ويصورها لنا كجهاز مركزي يسقط ويفقد كل فعاليته إذا ما استهدف رأسه، لكن ماذا بشأن الشبكات الموازية الموزعة على النقابات وكل مؤسسات الدولة؟! وكيف تمكن بومدين من بسط سطوته لو كان الأمن العسكري مركزيا؟! ألم يصوروا لنا على مدى 20سنة أن الهيكلة التنظيمية لجهاز الدي آر آس ضاربة في عمق الدولة الجزائرية كشبكة أخطبوطية ولا سبيل لاستئصالها بمجرد قرار رئاسي؟!

في غمرة حماسة الصحافة الجزائرية لتوجيه الحرب (الوهمية) التي تدور رحاها بين سرايا الحكم، أغفلت تدارك التناقض الذي وقعت فيه أو بالأحرى أوقعتها فيه الجهات التي تزودها بمعلومات متضاربة.

وعلى سبيل المثال، أسهبت جريدة واسعة التوزيع (في عدد 22سبتمبر) في الخوض في صحة الجنرال توفيق وتعافيه من مرض في الكليتين واستئناف نشاطه واجتماعه برئيس الجمهورية، ما أفضى إلى التغييرات الأخيرة والتي تمت بالاتفاق. حين قراءة تلك الأسطر، خالجني اعتقاد بأن الجنرال توفيق شخصية إعلامية تطل يوميا عبر نشرة الثامنة وتغرق الصحفيين بالتصريحات لدرجة أننا صرنا نعرف كل شاردة و واردة عن تفاصيل حياتها و تحركاتها!

وعلى صعيد آخر، كشفت جريدة ثانية (في نفس اليوم) عن عزم رئيس حركة مجتمع السلم تنظيم لقاءات تجمع بين عدد من ممثلي السفارات الأجنبية في الجزائر وبعض وجوه الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحلة، ونيته السفر إلى قطر لأجل الالتقاء بزعيم الحزب المحظور عباسي مدني "لمناقشة الوضع الراهن بالجزائر"!

وبذلك يتشتت القارئ بين صحف تطمئن باستمرار الاستقرار في ظل المرميطة والدربوكة، وصحف أخرى تلّمح إلى خريف رد مخابراتي مدمر بتجميع إسلاميي الجزائر وبقايا الفيس ضد حزب الرئيس؟!

وفي كل الأحوال، فإن الانفتاح الإعلامي حوّٙل الجرائد الوطنية والخاصة إلى أدوات تخدم أجنحة السلطة (لهثا وراء الريع الإشهاري) وشركاء في إرباك الرأي العام وفي نفس الوقت ضحايا لإغراق السوق الإعلامية بمعلومات و روايات اختلط فيها الصدق بالكذب.

 

قراءة هادئة لواقعة الانقلاب الأخيرة:

السياسة تحكمها المصالح الآنية لا الصداقات الدائمة، والتاريخ يشهد أن الغرب لا يعول على الرجل المريض بل يستغل وهنه لتحقيق أهدافه. وليس من الغريب أن تساهم القوى الكبرى في تأجيج الصراع بدعم الطرفين المتنازعين كل على حدى (كما حدث في السيناريو المصري)، كأن تمنح الرئاسة حق التصرف ورفع سقف المواجهة والتحدي وفي نفس الوقت تعطي للمخابرات حق الرد.

لكن هذا الطرح مستبعد لأن اللاعبين الكبار على الساحة الجزائرية ليس في صالحهم الإضرار باستقرار البلاد، خاصة وأن تقريرا اقتصاديا أمريكيا حول الطاقة (صدر في افريل 2013) بعنوان "تنمية الغاز الصخري" كشف أن مقدرات الجزائر من الغاز الصخري يفوق ما تتوفر عليه الولايات المتحدة، وهو الأمر الذي يسيل لعاب فرنسا لوضع اليد على أحواض الغاز الصخري من الجنوب الشرقي انطلاقا من عين اميناس إلى الهضاب العليا و وصولا إلى الجنوب الغربي، وبذلك تحصل على فرصة للسيطرة على الاتحاد الأوروبي اقتصاديا وتوجيه سياساته. كما يمثل هذا الاكتشاف فرصة سانحة لأمريكا لضرب الغاز الروسي في مقتل ومعروف أن روسيا هي الممون الرئيسي لدول الاتحاد الأوروبي بتلك المادة الحيوية.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن سوناطراك قد تعاقدت مع شركة إيني الايطالية لتطوير واستغلال الغاز الصخري "شيست". ولا يعرف بعد مصير تلك الاتفاقية مع تنامي فضائح الرشاوي والعمولات التي تطارد "سابيام" إحدى فروع الشركة الأم "إيني" في قضية سوناطراك 2؟

والأجدر أن ما روج له كزلزال في بنية الدولة العميقة ليس في الواقع سوى إعادة ترتيب للبيت الداخلي فرضتها معطيات داخلية وخارجية.

فقد كان من تداعيات العشرية السوداء وانشغال الجيش في مكافحة الإرهاب أن تكدست سلطات رهيبة في قبضة جهاز الأمن والاستعلام إلى أن صار دولة تهدد الدولة وأصبح سكين ابتزاز مسلط على رقاب الجميع سواء بسبب القوة الباطشة التي يحوزها أو الملفات التي عمل لعقود على تجميعها وكذلك تركة الأمن العسكري من أرشيف. ولا شك في أن تحريك ملف شكيب خليل أثار التوجس لدى قيادة الأركان، فضباط الجيش يخضعون لرقابة الدي آر آس تماما كما يحدث مع الوزراء. و يرجح انه جرى الاتفاق بين إدارة المخابرات وقيادة الأركان والرئاسة على إعادة تحديد الأدوار وتقاسم السلطات التي اكتسبتها المخابرات منذ92 وإعادة ما للجيش إلى الجيش (اي حق مراقبة ومحاسبة ضباطه بنفسه وحق الحصول المباشر على المعلومة لتسريع تحرك قوات الجيش). وعلى الجانب السياسي، أدى صعود رجال الأعمال إلى قمة الأحزاب "الكبرى" وانتقال السلطة الظاهرية للوبي المال إلى تراخي الدولة الأمنية، فكان ضروريا أن تتقلص صلاحيات المخابرات الخاصة بمراقبة وتعقب الثروات لأن رأس المال جبان.

وعلى الصعيد الخارجي، شهدت فرنسا في 10أفريل2013 تعيين الدبلوماسي برنارد باجولي مديرا لجهاز المخابرات الفرنسية الخارجية، وقد كان باجولي الذي يتقن العربية سفيرا في عدة دول عربية منها الجزائر كما شغل منصب رئيس الاستخبارات الفرنسية الداخلية حتى عام 2011.

ولا شك في أن التغييرات الأخيرة في الجزائر لم تحدث بمعزل عن توصية من هذا الدبلوماسي الإستخباراتي في الشؤون الجزائرية في إطار الحرص الأمريكو فرنسي على فصل السلطات في الجزائر لتفادي الصدامات والرغبة في التعامل مع قيادات مخابراتية وأمنية جزائرية أكثر مرونة وسلاسة. وقد ارتأت فرنسا مسايرة المسعى الأمريكي في التغيير كي لا تخسر موقعها في الجزائر بعد دخول اليانكي على الخط، وأيضا لأن دفعة لاكوست الشهيرة غيّب عناصرها التقاعد وملك الموت.

أما الاحتمال الأضعف، فيتمثل في أن المخابرات قررت من تلقاء نفسها الانزواء المرحلي والانسحاب الطوعي إما للتنصل مما هو قادم وإما لمنح الخصم فرصة التجمع (كل الطاقم الحكومي ورئيس حزب "الأغلبية" موالين للرئيس) بغية الإجهاز عليهم بضربة واحدة.

لكن تبقى هذه الفرضية بلا أساس، والأرجح -كما ذكر آنفا- أن حديث الصحافة عن حرب تكسير عظام بين المعسكرين ليس سوى إنذار كاذب وأن ما يصور كزلزال سياسي ماهو إلا تحريك أحجار على رقعة شطرنج الوطن لمواكبة مستجدات المرحلة وبناء توازنات جديدة تحددها التحالفات الدولية المتغيرة.

ما يجري هذه الأيام لا يخرج عن سياق التطور الطبيعي للنمو اللاطبيعي لسلطات المخابرات، فإما أن يعاد توزيع الصلاحيات وإما أن يفترس ذلك الجهاز ما تبقى من الدولة. لكن المؤسف، أن التغيير لم يأت بدافع الحفاظ على بقايا الجمهورية وإنما لحماية شخصيات بعينها من كشف المستور. وهكذا وجدنا أنفسنا نخرج من عباءة المخابرات "المتسخة" لندخل رسميا في برنوس المافيا السياسية والاقتصادية، والشعب مازال مفعولا به.

 

الجزائر إلى متى؟!

لم يظهر الشارع الجزائري تأثرا كبيرا بتسونامي قرارات بوتفليقة الأخيرة، ما يعني أن المشهد السريالي الجزائري المبهم سوف ينتهي سريعا مع انطلاق الحشد لموقعة واغادوغو ومطالبة الرئيس بنقل الأنصار لمؤازرة الفريق الوطني ضد فريق بوركينافاسو في إطار تصفيات كأس العالم 2014.

أما أنصار الرئيس فقد شرعوا في رفع لافتات "رابعة" راجين فخامته الترشح لعهدة رابعة أو تمديد فترة الرئاسة لسنتين وكل الظروف مهيأة لذلك، فنحن في زمن "العمّارات" و "الطيبات" وأقصد هنا عمار غول وعمارة بن يونس وعمار سعيداني، ضف إلى ذلك الطيب لوح على رأس العدالة والطيب بلعيز وزيرا للداخلية.

وهنا نتساءل "الجزائر إلى متى؟"، إلى متى سيستمر التلاعب في أساسات الدولة والتعويل على الصفقات والضمانات الخفية دون مراعاة موجة "الربيع" التي ضربت المنطقة العربية ومازالت الجزائر في مرمى أهدافها؟ والى متى سيستمر تكريس الفساد وتحصين المفسدين والاستماتة على الكرسي؟

الجزائر إلى متى في ظل استقالة الشعب من مواطنته ولامبالاته؟ إلى متى الجزائر في كنف مرميطة سلال ودربوكة مناعي؟!

وأخيرا، فقد ارتبط تاريخ 11سبتمبر2001 بأكبر كذبة أمريكية على العالم، فهل يكون 11سبتمبر2013 حقيقة بوتفليقية فصلت نهائيا بين المخابرات والجيش وأعلنت ميلاد الجزائر "السعيدة"؟! الأيام المقبلة كفيلة بالإجابة...

 

بقلم: إيناس نجلاوي – خنشلة

أستاذة بجامعة تبسة - الجزائر

 
 

في المثقف اليوم