قضايا وآراء

أهمية الخيال الاجتماعي

raheem alsaidiيرتبط مفهوم المجتمع بمفردة الإنسان فهو لا ينفك عنها، وأهمية الخيال الاجتماعي أيضا لا تبتعد عن عبقرية خيال الإنسان، لكنه يختلف من زاوية ان الخيال الفردي يبدو أكثر تميزا من الخيال الاجتماعي فهو مقنن وأنيق ومبدع يعطي الأفكار الملهمة كما لاحظنا على مر التاريخ، فقيادة الأفكار لا تبتعد عن يده، واستذكار الأعمال الفردية التي تقترب وتنتمي إلى الخيال تؤكد لنا عظمة الإنسان فالحروب التي تقاد وبناء المدن يخطط لها الإنسان والبناءات الضخمة والمتميزة والاختراعات والتشكيلات والرسومات والمنحوتات وغير ذلك هو ناتج للفرد وبالقياس إلى الخيال الجمعي أو الاجتماعي فان التفرد يلاصق جهة الفرد لا الجماعة حتى على مستوى الأنبياء والأولياء، اما ما يفعله الخيال الجمعي فهو الانقياد إلى خيال الإفراد فالعلاقة بين اللوحة والمشاهد هو علاقة قيادة بين الذات (الناس أو الفرد) والموضوع (اللوحة) أي انها علاقة للخيال بين التابع أو المتبوع بين المخطط للخيال وبين الساعي إلى التخيل وهنا تكمن التبعية .

وربما تكمن أهمية الخيال في المجتمع في زوايا منها :

1. العمل على تحسين البنية المادية للمجتمعات بفعل الأفكار الخيالية المهمة التي تنتجها الشعوب كل على حده وتلاقح هذه الأفكار واستنساخها لكي تستخدم لكافة الشعوب، وهي توزع إلى أفكار لا غنى عنها وأخرى كمالية ينتهي مفعولها بين فترة وأخرى .

2. التخيل الواعي في المجتمع يساعد على تحضير المستقبل للأمم المختلفة الطموحات، فما الأمم المتعددة الماضية والحاضرة إلا ثمرة تخيل مستقبلي دار في ذهن احدهم وتحول إلى حقيقة يدافع عنها ويموت من اجلها الجنود وتقتل المجتمعات أو تعيش بطريقة سليمة .

3. تمتهن المجتمعات التفكير الاستراتيجي الافتراضي (تخيل المشكلة وتقديم الحلول) لتذليل العقبات ولتخفيف حدة الأزمات والمعوقات التي تعصف بالمجتمعات .

4. الخيال من أهم عناصر فرضيات العلم والقوانين والتعليم وغير ذلك من العلوم وهذه العناصر بمجملها تعد الضرورة القصوى لبناء المجتمعات .

5. الجانب المعيشي يعمل على تكوين مجموعة من التصورات والابتكارات لتوفير تكاليف الحياة بما فيها عوامل تحسين الجانب التجاري والصناعي ويتفاوت ابتكار الأفكار بحسب تأثر الفرد أو الجماعة بالبيئة والوراثة .

6. ونلاحظ أهمية الخيال في الجانب الاجتماعي والاقتصادي أيضا فنحن لا يمكن لنا التوصل إلى فهم العالم الاقتصادي الذي أشعلت شرارته المجتمعات الصناعية المعاصرة إلا من خلال ممارسة الخيال على ثلاث أصعدة وهي التاريخية والانثروبولوجية والنقدية .

7. ان الكثير من العلاقات الاجتماعية صنعتها البيئة والوراثة وكلاهما يؤثر على تصورات وتخيلات الإنسان، ولهذا فان بإمكاننا فهم التنوع الحاصل في العادات والتقاليد والملبس والغذاء والتصرف وغيرها من السلوك أو ناتج السلوك الذي يستند على تصور خيالي خطط له وتطور على مر الزمان البعيد والقريب، فيتضح لنا لماذا يختلف سلوك الإنسان المتوحش عن المتمدن أو سلوك القبائل المنعزلة عن المجتمع المدني أو ملبس ومأكل الدولة الفلانية عن الأخرى، وتلك الإشارة لا تعني بالضبط ان لا دور للعقل أو المعرفة أو التعلم بل تحاول القول ان للتصورات التي فرضتها البيئة أو الوراثة الدور الأكبر في تخطيط السومريين وتفكرهم لتأسيس الكتابة وفق تخيلات مستمرة ترتبط من دون شك بالعقل، وهكذا مع الفلك البابلي والأهرامات المصرية، ولنقل أيضا بالضرورة التي تسوق الفرد أو المجتمع لتخطيط نموذج ليلبس أو ليسكن أو لتقام معه العلاقة الاجتماعية أو ليتخذ إلها – كما عند بعض الموهومين – ناهيك عن تصورات أسطورية وأخرى متعلقة بتفسير ما بعد الظواهر المقلقة والمهولة، وهذه الأفكار المهمة يمكن ان ترجع إلى زاويتين اجتماعيتين تؤكد على ضرورة فهم التمييز بين كل من الخيال في المدينة والخيال الريفي .

 

من كتابي المخطوط فلسفة الخيال

د.رحيم الساعدي

 

في المثقف اليوم