قضايا وآراء

في حال المثقف العربي

وفي الوقت نفسه ارث حضاري ينتقل من جيل الى جيل ويعيد خلق وأنتاج القيم الثقافية والديمقراطية الحضارية ، التي يتحدد على أساسها الوعي والموقف الملتزم،سياسياً وفكرياً وأخلاقياً.

وما من شك أن الجبهة الثقافية هي الأهم في حياة الشعوب وفي حياة الأمة العربية لأجل بلورة وصياغة ملامح المستقبل المنظور، وطالما بقيت هذه الجبهة مشلولة وعاجزة فما من شيء سيتغير في الواقع العربي وستتواصل حالة التقهقر والأحباط والسقوط والانهزام التي تعيشها شعوبنا العربية من المحيط وحتى الخليج منذ انهيار وغياب المشروع القومي الوحدوي العربي بعد وفاة الزعيم العربي الخالد جمال عبد الناصر.

وفي واقع الأمر أن المثقف العربي أدمن حالة الانكسار واستأنس بها ، وبات يعاني حالة العزلة والاغتراب وانسداد الأفق وخيبة الأمل والرجاء من أحداث أي تغيير يذكر في البنية الاجتماعية العربية. كما أنه يعيش القلق الدائم والمرارة والألم والمأساة بكل جوانبها وتفاصيلها ويواجه أزمة حادة تصل درجة الجنون، ويحمل فكراً ثورياً مختلفاً ومغايراً لا يستطيع ممارسته بحرية تامة في ظل القمع المؤسساتي السلطوي وتضييق الخناق على حرية الفكر والابداع وحرية التعبير وتأميم الفكر واغتياله، وبالتالي فأن هذا المثقف أمام خيارات عديدة ، منها: اللحاق بركب السلطة والضرب بسيف الحاكم، أو الصمت والانكفاء على الذات، أو الهجرة القسرية، أو المواجهة ، وفي جميع هذه الخيارات فأنه الخاسر الوحيد وأن كان الخيار الأخير هو الخيار الأفضل حتى لو كلفه ذلك حياته.

المثقف العربي مطارد وملاحق ومطلوب للعدالة ويبحث عن وطن، ولن نطالبه بالصمت لأن قدره ودوره أن يكتب ويبدع ويدق جدران الخزان، حتى يستجيب السلطان صاغراً لحقيقة واحدة ، وهي أطلاق الحريات وتوسيع الهامش الديمقراطي. وما يميز المثقفون على طول وامتداد التاريخ الانساني قدرتهم على ممارسة الهموم الحضارية ـ أي التفكير المستقبلي فيما يحتاج اليه المجتمع والانسان لضمان المساهمة الثورية والفكرية الخلاقة تجاه أنفسهم، أولاً وتجاه شعبهم وتجاه الانسانية ثانياً. وبناءً على ذلك وأزاء الوضع العربي الراهن الذي يتسم بالبؤس الثقافي هناك حاجة حضارية الى استعادة دور المثقفين الحقيقي وتعميق المضمون الاجتماعي التقدمي وتصحيح الخلل في حركة الثقافة العربية . زد على ذلك خلق وابتداع وسائل فعالة ومؤثرة لنشر الثقافة الوطنية التقدمية الديمقراطية بين أوساط الناس، بما تعنيه هذه الثقافة من احترام للعقل وحرية الرأي والتعبير وتعددية المواقف والاراء، وكذلك صياغة استراتيجية ثقافية تتلاءم وتتوافق مع هموم وتطلعات الجماهير الشعبية وتعتمد على قدرات ومقومات هذه الجماهير في العطاء والتضحية والمواجهة والابداع.

وختاماً فأن المجتمعات والشعوب العربية تحتاج الى المثقف النقدي القادم من عمق وقلب الجماهير التي يحمل همها وعذابها وألمها الانساني ،وليس للمثقف النخبوي المقيم في "برج عاجي"، والسؤال: هل المثقف العربي قادر على تجاوز الحالة الر اهنة والخروج من عنق الزجاجة وتجسيد التحدي الحضاري المطالب به في زمن المحنة والانكسار والواقع التراجيدي ومناخات التشويه والتزييف الرامية الى تهميش الوعي العربي لصالح الخطاب الثقافي السلطوي؟!

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1247 السبت 05/12/2009)

 

 

في المثقف اليوم