قضايا وآراء

الإصلاح وإشكالية الإسلام

فلا الإصلاح يقبل أن يسبقه الإسلام، لئلا يلغى دوره، ولا الإسلام يرتضي أن يسبقه الإصلاح، ولعل جوهر المعضلة يكمن في هذا التضاد، الذي تحول بفعل الزمن إلى إشكالية قائمة أساساً بين الإصلاح من جهة والإسلام من جهة ثانية .

معظم الدراسات والأطروحات التي ناقشت بالفكرة وحللت بالبرهان، إمكانية إصلاح الإسلام، انتهى بها البحث إلى نتيجة سلبية وإلى الغرق في التنظير الفلسفي، والغوص لحد الضياع في أعماق المشكلة الرئيسية، ألا وهي الاكتفاء بالإشارة فقط إلى ضرورة إصلاح الإسلام، من دون التأكيد على كيفية حصول هذا الإصلاح، وأيضاً دون التدليل عليه، من خلال وضع الإبهام على لب المشكلة .

وفي هذا الصدد من عمق المشكلة، لسنا بحاجة إلى الوقوف عند رأي الإسلاميين ومواقفهم المتناقضة من الإصلاح، فالخلل الحاصل في حاضر الإسلام من وجهة نظرهم، لا يكمن في هياكل الإسلام وحسب، بل أن أكثرهم يعيده إلى جملة المخاطر السلبية التي تحيق بالإسلام، اقلها ما أتى من طريق الدسائس والمؤامرات، وما الإصلاح في هذا المقام، إلا واحداً من أشد المؤامرات فتكاً وتخريباً للجسد الإسلامي .

ذلك التصور المشبع بعوامل القلق والتوجس، لم يقلل من فاعلية الإصلاح، إنما استبعده بشكل نهائي من أي محاولات مستقبلية لتجديد الإسلام، فالأخير لا يحتاج إلى أي شكل من أشكال التجديد أو الإصلاح، والسبب الأساسي في معتقدات الإسلاميين، أن الإسلام يملك منظومة متكاملة تقيه شر التحريف والتحوير، معتمداً في منظومته هذه على القرآن ككتاب منزل من السماء لا لبس فيه، وبعيداً عن كل أشكال الهوى والعبث .

فحجة الإسلاميين وعلى اختلاف مشاربهم العقائدية، أنه لطالما حافظ الإسلام على منظومته الربانية من كل عبث أو هوى، فهو ليس بحاجة إلى الإصلاح، أي بعكس ما جرى للمسيحية أبان فترة الإصلاح الديني على يد مارتن لوثر وغيره من المصلحين، الذين ما وجدوا أمامهم سوى جسداً مسيحياً متهالكاً بفعل استبداد رجال الكنيسة .

وما يزيد من إشكالية الإسلام تعقيداً، انقسامه بين فرق وملل ونحل، حيث ترى كل فرقة في صورة نفسها الكمال والخلاص، وما عداها من فرق، تسبح في الضلال الذي يرقى أحياناً لمرتبة الشرك، ومثلما يعقد هذا الانقسام من إمكانية الإصلاح، نظراً لتعثر الاتفاق على آلية واحدة توحد الجهود نحو البدء في إصلاح ما يمكن إصلاحه، فإنه في المقابل يستدعي الإصلاح ويسهل له إمكانيات العمل على خلفية ذلك التشظي، حتى لو وجدنا أنفسنا أمام إصلاحات متعددة، لكل فرقة إصلاحها الذي تنافس فيه وتنازع الفرق الأخرى في ما يشبه السباق نحو الأفضل .

إلا أن واقع الحال، ليس قائماً على تلك الصورة، التي شرعنا في رسمها كأحد السبل الممكنة أمام الإصلاح، إنما نحن أمام نكوص لا سابق له في تاريخ الإسلام المعاصر، فكلما توسعت دوائر التشظي، كلما ازداد معها النكوص والتقهقر، ولعل المشكلة ليست في الإصلاح بقدر ما هي في الإسلام نفسه، فقواعد الإصلاح يمكن تعديلها بين حين وآخر، لتتماشى مع متطلبات كل عصر، أما قواعد الإسلام فيستحيل الاقتراب منها، ليس لدى فرقة بعينها، بل لدى كل الفرق، وهنا تكمن المشكلة، ومعها يكمن الحل، إذا ما فتشنا عنه .

هذا يقودنا إلى السؤال التالي : هل الإسلام بحاجة إلى الإصلاح أم التجديد ؟ وقد يسأل البعض، ما الفرق بين الإصلاح والتجديد ؟ الجواب أن الإسلام بحاجة إلى الاثنين معاً، ولا بأس في أن يسبق أحدهما الآخر .

إن إصلاح العقل في الإسلام هو الأساس، وليس النص بأرثوذكسيته، أي بحرفيته لئلا يفتح أبواب الجدل بما لا تحمد عقباه، وإصلاح العقل يتأتى بتحريره أولاً وقبل كل شيء من الخرافات الاجتماعية التي لبست مع الزمن لباس الدين، وتحريره تالياً من عقدتي الوهم والخوف من الدنيا والآخرة، فمن دون هذه العقد سنجد أنفسنا أمام عقل ملؤه الابتكار، ومعهما سنجد عقلاً، لا نقول عنه سوى أنه مستهلك للحضارة الحديثة، رغم أنه يدعيها في ماضي أجداده الغابر .

وإصلاح العقل هذا، سيؤدي بدوره إلى تجديد خطاب ومنهج الإسلام، وبالتالي تخليصه من كل رواسب التطرف الباعث على الغرق في الماضي تارة، وعلى الصراع تارة أخرى .

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1257 الثلاثاء 15/12/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم