قضايا وآراء

ديوانها الأول أصبح موضوعا لأطروحة جامعية ..!!!

وأغاني فيروز(أنا منك،حيث أنت مني) وما أبلغها من عبارة تطلقها شاعرة ينتظرها فجر شهرة، تودع فيه غسق ليل شتائي مرير!

إنها " وفاء دلأٌ " .. سهم شعري، إنطلق دون معونة من أحد، سوى من موهبة وكدح وإعتداد بالنفس ... لم تستعجل الانتشار ولم تسعى اليه، لكنه جاءها على بساط التجلي ومن حيث لاتعرف.

** كيف؟

تجيبني: لقد بقيت أنتظر مشهدنا الشعري، طويلا، حتى تيقنت إنه شبيه بالرّيح يتساوى فيه صوت المهلّهل وصوت المولّول، وفي ذات مساء وانا في حومة التفكير والتأمل بالذين يطرحون السلام عليّ وقلوبهم تناصبني الخصام والحسد، إتصل بيّ،هاتفيا شخص، قال إنه حصل على عنواني من ديوان شعر لي اشتراه من احدى المكتبات في اليمن،ذاكرا إنه طالب دراسات عليا في جامعة صنعاء، كلية تربية " صعدة" وإنه يستأذنني ليكون ديواني" امرأة...إلا قيلا " موضوعة إطروحته للتخرج... كان ذلك في العام 2006.

وسعدت بذلك .... ومرّ زمن، ليس بالقصير، وإذا بطرد يصلني من اليمن .. وعندما فتحته وجدت  فيه كلمات تحية وشكر ونصا لإطروحة الطالب اليماني "علي أحمد الرازحي" عن ديواني المذكور..

قرأت الإطروحة باندهاش ومودة ..لقد جذّرت تلك الإطروحة اشعاري وفككت مضامينها بشكل أكاديمي راق .

لقد أفرحني ذلك الإفق الاكاديمي وبه تحققت أحلامي بالخروج من محليّتي السورية، رغم إعتزازي الكبيربها الى الفضاء العربي، حيث توالت عليّ الدعوات من اقطار الوطن العربي للمشاركة في الفعاليات الادبية والشعرية، كان اخرها قبل اسابيع في تونس حيث ساهمت مع عدد من المفكرين والمبدعين في مهرجان ( الرواية والشعر) وحصلت على شهادة من وزارة الثقافة التونسية .

 

إهتمامات ثقافية متعددة

وللشاعرة" وفاء دلأٌ " إهتمامات ثقافية متعددة  وأول كتاب  لها حمل عنوان " قلوب متشردة وعيون حزينة" عام 2000 يتضمن مقالاتها المنشورة  ولها مجموعة قصصية للاطفال بعنوان " اجمل ما في الوجود " عن إتحاد الكتاب العرب ومجموعة اخرى بعنوان " زينة الدنيا " عن وزارة الثقافة السورية  واول مجموعة شعرية لها حملت عنوان " امرأة... إلاقليلا " عام 2004 والثانية حملت اسم " رذاذ الجمر "..

والقارىّ للمجموعة الاخيرة يلاحظ إن الشاعرة راوحت في نصوصها بين الطول والقصار وإلتزمت الشائع من التشكيل البصري لقصيدة التفعيلة ولم تخرج منه إلا قليلا  حيث إختارت وسط الصفحة فضاء لإبتناء بصرية القصيدة والتعويل على الإيقاع اللفظي الذي شابكت فيه بين الموزون وهو الغالب، وغير الموزون،فحضرت قصيدة الشطرين ( توخت هندسة الشطر في أدائها البصري )الى جوار قصيدة التفعيلة وهي الغالبة وقصيدة النثر، واغتنى رصيدها من البحور مقارنة بـمجموعتها الاولى

" امرأة.. إلاقليلا" فاذا هو متدارك، ووافر، ورجز، ومتقارب وكامل.

في هذه المجموعة تحس إن كلمة " الأنا " تأتي في صورة أنثى مكلومة تئن تحت وطأة جرحها وتبحث عن إستعادة التوازن والأمان وتتقدم عبر الإنكسار والإنتصار، تحاول أن تصنع من ضعفها المزعوم ( أنثى) والطارىّ ( مخذولة) قوة تحققها عبر تخطي أمس الوهم والخديعة  وتتعالى على الخيبة  وتكبر على اللوعة بالشعر والانسان والوطن، وعلى القضايا الصغيرة بالقضايا الكبيرة .

بغــــــداد والطيور!

قصائد هذه المجموعة بشّرت بانثى تعلو على همومها النسوية فهي القائلة في قصيدة "التوأمان"  :

( فالطيور التي حملت دمعة

من نواظر بغداد

قد رسمت

فوق خد دمشق الأسى

والنخيل الذي

قد تيبس فيه الرطب

صار يبكي له

في حقول دمشق العنب)

وفي رأى الناقد والكاتب العراقي الدكتور علي العبيدي فان قصائد هذه المجموعة شكلت نقلة الى الامام في مجهود " وفاء دلأٌ " الشعري والنجاحات في صناعتها الشعرية تمثلت في قوة خلق الصورة الشعرية، المعبأة بالمعاني  وكتبت هذه المرة في شعر التفعيلة الى جانب قصائد قريض على الكامل والمتقارب.

وفي العودة الى مجموعتها الاولى " إمرأة.. إلا قليلا"  لاحظنا، إن الشاعرة إعتمدت في صياغة قصائدها على اسلوبين هما : التكرار والجمل القصيرة.

كان التكرار واضحا في قصائد المجموعة وعليه إعتمدت الشاعرة في بث فكرتها وصوغ تجربتها، سيما تكرار الفواصل.. حتى ليبدو لك إن الشاعرة تتكىّ عليها لتنطلق مرة اخرى  وكأن القصيدة تأخذ نفسا عند هذه الفاصلة .. وهذا اللون من التكرار يخدم دون شك،غرضا أساسيا في النص الشعري ويجعله النقطة المحورية والاساسية التي تتمحور حولها  القصيدة كما يساعد هذا الاسلوب في فتح آفاق جديدة للتجربة الوجدانية ويساعد في تنظيم الافعال  وايضا في خلق نوع من التواشج بين الابيات في إطارها البنائي.

وإغلب قصائد هذه المجموعة يكثر فيها التكرار.. ففي قصيدة " "امرأة.. إلاقليلا"  تكرر: (إني امرأة، وكن، وكن لي) وفي قصيدة " سكوتي نشيد "كانت الفاصلة (سكوتي نشيد) والقصيدة مقسّمة الى خمسة مقاطع، يبدأ كل نقطع بـ " سكوتي نشيد " إلا المقطع الثاني فبدأ بـ"سكوتي وجود عنيد".....االخ . إن الشاعرة أرادت كما يبدو أن تركز على أساس الفكرة وأصل القضية بهذا الاسلوب، فالفاصلة  المكررة،عندها تعبر عن البؤرة التي تحاول الشاعرة أن تفرّع بقية النص عليها.

وفي اسلوب الجمل القصيرة الذي إستخدمته في قصائد المجموعة، حاولت الشاعرة إيصال فكرتها وهي (ظلم) الرجل وتهميشه لها، لكن إحساسها الشعوري يرى إن الزمن يذهب بسرعة والشرح والإسهاب في طرح الفكرة لايسمح به الزمن، فالعصر الراهن، عصر سرعة لذلك ظهرت جملها قصيرة جدا، وهذا يدل على قلق وتأزم نفسي، وجداني، وطلب للعجلة في البت في قضيتها!!

لقد ظهرت معظم القصائد بجمل قصيرة الى حد إن السطر قد لايحمل سوى كلمة واحدة، عدا قصيدتين هما " لو يسألونك من أكون" و "أوراق الحنين " اللتين طالت أسطرهما قليلا ... خذ، مثلا من قصيدة " حين أراك " :

(حين أراك

ينبجس الحلم

يذوب البنفسج

وينتصر الحزن)

 

وعلى هذا المنوال تظهر بقية القصائد،وقد أكسب هذاالإسلوب، قصائد المجموعة،إيقاعا سحريا، وموسيقى سريعة متلاحقة، لكنها لاهثة، متسارعة  النبض!

وما ميّز المجموعة،اللغة، حيث صيغت القصائد بلغة سهلة، ذات فرو ناعم الملمس، فهي لم تحمل الغموض الذي يحمله الشعر العربي الحديث ولعل سبب شغف الشاعرة في إيصال الفكرة الى ذهن المتلقي واضحة غير ضبابية ولولا ان الصور الخلاقة التي رسمتها الشاعرة صنعت من نفسها سياجا يحيط الألفاظ بروعته وجماله لكانت اللغة غير ذلك.

ونلحظ ان لغة الشاعرة ترتقي في بعض القصائد الى مصاف من الرقي والابداع كما في " صرخة في الزمن الصعب " :

(لبست ثوبي الأسود

لبست البحر وشاحا

وبخطوات ثقيلة صعدت

الدرب الى حزن

في اقاصي الندم

خائفة من إرتطام وجهي

بلفحة من ريح القدر الأسود)

إن القارىّ لشعر " وفاء دلأٌ " يستشعر، ان لاقداسة في الحب إن لم تزرع الأمال في روابيه وتجني الشهد من رياضه وتبسط في ظلّه أجنحة الحنان  وإن الحياة حركة دائبة، تمتص أذيال السكون... إنها ضجيج من أخذ وعطاء، تقتنص من النجوم بريقها ومن الفضاء رعوده وهدوءه .. وهي القائلة :

(أنا وردة النهي والنفي

أنا ــ والمدى في يدي ــ

سؤال العصور

أنا قيثارة الكلمات.. تعزف غنوة النارنج

وسط حدائق الدنيا..

أنا جمرة المعنى، وبوح النار

من شفتي يرسم لوحة من أرجوان

وأنا اندلاع العطر

في هذا الزمان

دمي أية للندى.. والبراءة طفل

على شرفتي يغني

أنا زهرة الثلج والزرقة الحالمة).

 

[email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1261 السبت 19/12/2009)

 

 

في المثقف اليوم