تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

قضايا وآراء

قراءة جديدة ليوليوس قيصر

عناني ومن اخراج الفنان سامح بسيوني الحكم والسلطة التي اشتغل عليها المخرج حلّقت عالياً في فضاء العرض بل عمد من خلالها الى وضعنا في قلب الحدث وبعده الدرامي فنياً وفكرياً مما خلق رؤيا جديدة زاوجها بين التاريخ والواقع المعاش موظفاً استلاب حقوق الانسان محاولاً الامساك بالحياة والوجود والكون عبر حوارات ظلت تطارده وهي تتقافز في مخيلته لفترة طويلة مما دفعته شخصيات المسرحية التاريخية ورؤآه وافكاره ان يردد  كل عبد يستطيع أن يفسخ العقد  وهو بالتالي يلجأ الى التعامل مع النصوص المسرحية العالمية التي يتم اعدادها للعرض المسرحي موضحاً هذا الاستلاب يعود الى منابعه الأولى موضحاً ومن خلال أدواته أن الحكام على مر العصور وكذلك المحكمون هم في سلة واحدة يتنافسون جميعاً للوصول الى أغراضهم وشهواتهم وعروشهم وهم متشابهون بعضهم البعض فجاء مشهد المؤامرة الذي حاكه  كاسيوس  أن يشرك  بروتوس  في مؤامرته بالاطاحة ب قيصر  لأن  بروتوس كان محترماً ومحببا الى قلب الشعب الروماني . وهكذا يسهل القضاء على قوة قيصر فيما اذا انضم  بروتوس  الى حفلته التآمرية  لكن صعوبة كيف يضمه اليه ضد  قيصر  خاصة وأن  بروتوس  كان رجلاًً شريفاً لا يعرف الخيانة سوى أنه يقف أيام المحن لمصلحة البلاد عامة .والمعروف أن مسرحية  يوليوس قيصر مسرحية تراجيدية للكاتب الإنجليزي  وليم شكسبير  إستمد موضوعها وحوادثها من حياة  يوليوس قيصر وماركوس أنطونيوس  و كاليورينا  زوجة قيصر و مارك أنطونيو  صديق حميم لقيصر  فجاء المخرج  بسيوني وهو يتناول همومنا وهموم وطنه برؤية انسانية شفافة بالرغم من البعد التاريخي الذي يفصل زمنشكسبير وبسيوني جسد العلل والآفات التي تفسد مجتمعنا وثمارها اليانعة .وأن الشكل المسرحي الذي قدمه الينا وهو يعيد الينا هذه الرائعة ويجسد من خلالها حياة الناس وأوضاعهم ويسخر كما سخر  شكسبير  من الحكام الذين يتقاتلون قي سبيل العرش .وهو يخوض غمار التجريب الذي إستهواه ليعيد تقديم نفسه بمسرحية  يوليوس قيصر  من خلال اشتغاله كمخرج ومؤلف ثاني على إبراز أبعاد المشهد الصوري أو البصري الذي يعمد من خلاله على إيجاد التماس بين الفضائين المسرحي والحياتي برؤية ولغة صورية تتناسبان والحالة المسرحية القائمة . مستعيناً بقصائد الشاعر  مصطفى سليم  مسجلاً موقفاً سياسياً لنفسه من خلال رؤيته للواقع المعاش الآن وهو معني بالمسؤولية لكونه كائن لا يستطيع أن يتخلى عن ذاته ويتحول الى مجرد هامش في دفتر السلع المطروحة الآن  في عالمنا العربي .هذه الاشعار التي لحنها  كريم عرفة  والتي تتسق في دلالاتها مع سياق العرض المسرحي ومع طبيعة مواقف حركة الاحداث مما جعلها اشبه بدار استراحة للمشاهد ومن خلالها كسر المخرج مناخ رائعة شكسبير مستحضراً المعارك التي درارت  بين شخصيات العرض للوصول الى هدفه المنشود هو وزملائه من الفنانيين المبدعين الا وهو  فلتسقط الخونه / وذلك الإنسان  الذي اصبح إلها ً / وهو يوصل صوته المبحوح في زمن الطرشان .لأننا في تقديري نمر بمنعطف الخوف والخنوع ولانستطيع  أن نرفع أصواتنا وأن زماننا يعصف بكل شيء عن طريق القتل / القوة / البطش بالإنسان  / وهاهو  بروتوس  فتلقى قواته أخيرا الهزيمة على أيدي  أنطونيو  ورجاله فينتحر بأن يأمر خادمه أن يمسك له السيف في حين يهوي هو على السيف وهو بهذا يعطي درسا ً لكل المتسلطين في زماننا . يقول  رولان بارت  ليس شخص الاخر ها ما  يلزمني  بل أنه المكان عن اي مكان يتحدث؟ يجيب في النص نفسه بأنه النقطة التي تهوي إليها رجلاً المعلق من رقبته .انها النقطة التي تقطع فيها الانفاس .انها مباشرة تحت أرجل متدلية .اين تجد هذه العبارة ؟ من يقرأ يجدها مكدسة بين سطور تعلن الجنون ثم العظمة ثم هما معاً . وتنتهي بمشنقة  ولأن ما كان من حدث يدور كله في الظلام يساعد على الخيال والتخيل وإستحضار جيوش من اقاصي الدنيا وتحريكها بعتادها واحذيتها الخشنة فوق الرمال المتحركة .ولهذا جاءت عناصر العرض الفنية من ديكور  عمرو حسن  وازياء هبه طنطاوي  وإضاءة  إبراهيم الفرن  مكملة لجماليات العرض حيث لجأ المخرج إلى التجريد فيما يتعلق ببناء البيئة المكانية وهنا يمكن القول أن المكان يمثل أي جغرافيا في هذا العالم المترامي من خلال مفرداته المتمثلة في الكرسي وبقية التفاصيل  الأخرى التي وظفها المخرج في بناء سينوغرافيا العرض والتي كان للممثل النصيب الأكبر في دفع ديناميكيتها حيث وظف المخرج جميع المعارك التي جمعت بين بروتوس وأنطونيو توظيفا ً جماليا ًإلى جانب اللوحات الراقصة التي عبرت عن حالة الحزن والثورة من خلال الإيحاء والرمز مدعما ً إشتغالاته بإستخدامات الفنية للإضاءة المسرحية التي سلكت طرق العزل عبر البقع الضوئية ، كما تم إستخدام (البارتشنات) التي رُسم َعليها وجوه تمثل (قيصر) في إشارة لإنتشار وسيطرة السلطة ،  فضلاً عن الممثلين  منهم  عادل الهكومي  يارا فاروق  زياد يوسف وغيرهم .

 

 قاسم ماضي – القاهرة

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1263 الاثنين 21/12/2009)

 

 

في المثقف اليوم