قضايا وآراء
إعلام دولة .. وليس حكومة!
في ظل الانظمة الديمقراطية، لا وجود للاعلام الحكومي الموجه الموجود لدى الانظمة الشمولية، بل هناك ما يعرف بالبث العام او إعلام الدولة، والدولة مفهوم أشمل وأكبر من الحكومة . هذا الاعلام ليس للحكومة وليس من مهامه ان يطبّل لها ويزين أخطاءها ويعتم على مكامن قصورها . بل هو عين المواطن، يرصد الاداء ويقوّمه بما يقوي الحكومة ويساعدها على تقديم الافضل .
البث العام أو إعلام الدولة، يمّول من المال العام . في الديمقراطيات الغربية، يموّل هذا الاعلام من الخزينة التي تأتي أموالها من الضرائب المجباة من الناس. لذلك يقال ان المواطن هو الذي يموّل هذا الاعلام، وبالتلالي هو صاحبه . الحكومة في النظام الديمقراطي هي هيئة منتدبة من الشعب لادارة أموره وتوزيع موارده بعدالة . في دولنا النفطية يأتي تمويل الخزينة العامة من الموارد الطبيعية وفي مقدمتها النفط . هو ثروة يملكها الشعب وليست الحكومة، فالاخيرة مهمتها إدارة هذه الثروة .بالتالي فان تمويل البث العام (إعلام الدولة) يتم من الخزينة التي هي أموال الشعب . هنا أيضا نكون أمام تمويل شعبي لإعلام الدولة التي يشكل المواطن عنصرا رئيسيا فيها وهو صاحب التمويل . فالدولة في علم السياسية هي مجموع الشعب والارض والسلطة والسيادة .
عندما غادرنا، في العراق، النظام الشمولي باتجاه نظام ديمقراطي، كان يجب ان يشمل هذا التغيير كافة الجواب الاخرى، وأولها الثقافة السياسية المتعلقة بمنهج الادارة، والاقتصاد وباقي القطاعات . لكن التغيير كان مفاجئا ولم يقترن بحلول ثقافة الديمقراطية لكي تطبق آلياتها بشكل سليم، فكان الارتباك في أكثر من مكان، بينها الموقف من الاعلام العام الذي أن يفترض أن يتغير الى إعلام دولة ووطن بدل إعلام حكومة ونظام .
تأسست شبكة الاعلام العراقي لتكون إعلام الدولة بدل إعلام النظام أو الحكومة، الا ان تغييرا كبيرا في المضمون لم يطرأ على عملها بسبب عدم تغير العقلية العامة لكل من المسؤول والسياسي فضلا عن الثقافة السياسة العامة التي يشكل العاملون في هذه الشبكة جزء منهم . النتيجة كانت ان قنوات الشبكة ومنشوراتها إستمرت في منهج تزيين العمل الحكومي والتقيّد بما يريده المسؤولون، وإستبعاد ما ومن لا يريده هؤلاء المسؤولون . لا يقع اللوم هنا على إدارة الشبكة ولا على العاملين فيها، بل على الثقافة الشمولية المسيطرة على الجميع بلا إستثناء، والتي ما زالت تنبذ المعارض السياسي وتعتبره خارج الصف الوطني .
ونحن نتحدث عن الاصلاح السياسي اليوم، لابد وان يشمل ذلك إصلاح النظرة الى الاعلام المموّل من مال المواطنين . هو إعلام الدولة بمعناها الواسع . لكل المواطنين – الا الخارجين على القانون – حق فيه . عليه واجب دعمها بدءاً من مهمة بناء وعي مدني سليم لمواطنيها، وهذا لا يتم الّا بالموضوعية والمهنية مع الالتزام بالمسؤولية الوطنية