قضايا وآراء

الحب بين السمو والاتضاع

المسروق (الحب) فالحب يبقى في السماء، ويبقى لله وحده، وكما يبين زيف العملة بمقابلتها بالعملة الصحيحة، يتبين زيف حبنا إذا قابلناه بحقيق حب الله (عز وجل).

إن الله (المحبوب) لا تنفد لذته، ولا يوصل إلى قرار فيه، ولا ينتهي حبه عند حد، ولا يتحول من حال إلى حال، وأعظم ما في حبه أنه يشترك فيه العقل والروح، فيتكامل الإنسان في حبه المتكامل لله، وان أعظم غايات الدين والعبادات هو تحقيق السمو إلى درجة (تصفير الجسد)، والتخلص بشكل كامل من قيوده الشهوانية، وبهذا يتحول الإنسان الى صورة مصغرة من الله وتجل من تجلياته، فتتحقق الغاية من خلق الإنسان والبرهان على صدقه وكذب الشيطان. فالحب الإلهي حب مفتوح على الزمن المطلق، وحبل يربط الأرض بالسماء، وطريق مختصر للسعادة والنجاح بلا إضافات أو إضاعات، إلا انه ليس باليسير ويحتاج إلى تمارين روحية وجسدية، وعمل دائب وإصرار ومحاولات بعد الفشل والانقطاع إلى التحقيق والمراهنة الأبدية عليه، والصبر الشاق والشاهق حتى تتذلل العقبات في النفس وليس خارجه، فقوانين الحياة تبقى على حالها لا يتخطاها (محب الله) إلا بالثقة الحقيقية بالله وليس بالثقة المصرح بها.

ان الحب الالهي هو الحب لمن يبحث عنه في (الوجه الحسن) و(القد اللدن)، وفي أماكن أخرى أصغر من أن تعدُ بالحب بلهَ منحه وإعطاءه، على أن هذا الحب ليس (عاجياً) او (سماوياً)، بل هو الاصلح للأرض وبه تصلح الارض، وينعكس على كل شيء فيها فتتحول الى بيئة صالحة لكل طيب، فينتعش كل شيء وتزول العقبات والاخطاء من كل الموجودات التي نعانيها اليوم، فلو افترضنا سيادة (الحب) على الارض لرأيناها بموجوداتها ولكن بالكمال في كل شيء، ولا نجد أخطاءً وستزول عن الإنسان تبعات عدم وجوده كالحوادث والامراض والعقبات وغير ذلك.

فأين يكون من ذلك، الإنسان الذي يبتلى أو يبتلي نفسه بحب الإنسان؟ يعليه حتى التصنيم والعبادة او يكاد، انه مثل ثري ماله زائف كله، او لاعب في غير ساحة الكرة، فهو مقطوع عن السماء، محصور في نقطة صغيرة على الارض الواسعة، يستنزف نفسه للآخر بلا طائل، وهو مخدوع لأنه لا يمارس الحب كما يظن ويعلن، وهذا الحب خارج القوانين، اختباري، تجريبي، انفلاتي وغير شرعي حتى يرتبط بقوانين الحب الالهي ويتبعها ويمنح فيها (الاعتماد).

فايُّ اتضاع حين تهبط بنفسك من هذا السمو الخلاق إلى مستوى القاع، فتضيع في زحمة هذا التخلخل القيم الرفيعة كلها، مقحماً نفسك في ذات لا ترتفع عن مستوى ذاتك، لتقرر أن تعيش بهذه الضحالة وبهذه الفوضى وبهذا المجهول وبهذا الممنوع. إن لك ذلك ولكن لا تلقي من يدك الله، وإذا كان لابد من إفراغ إحدى يديك فافرغ الأخرى. لقد أراد لك الله الجليل أن تعيش الحب الإنساني، وجعل ذلك من آياته الكبيرة، الا انه حب يحافظ على حبه، ليحافظ  بالتالي على سموك، ولأنه أثير لديه أنت، أثير لديه أن يعرف حقيقة حبك، لانَّ حبك يؤشرك لديه، فان كنت سامياً فحبك سامٍ، وان كنت وضيعاً منحت حبك اتضاعك.. فالحب بطاقة تعريفك، وبطاقة دخولك إلى عالم الله، عالم الحب الأوسع الذي يلونه بل يكونه الحب.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1265 الاربعاء 23/12/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم