قضايا وآراء

هي كاتبة...!

التي تعجزُ ذاكرتهِ الاحتفاظ بها دونما محفز يستفزها ويطلق لها عنان الاستذكار ومن هنا كانت حاجة الإنسان للكتابة عميقة ومحورية ولعبت دوراً هاماً في نقل مسارات الحياة من بدائيتها الاولى الى ماهي ألان عليه، فمن ينكر انهُ لو أقلام العلماء والمفكرين وما تركوه من علوم تطورت وطوُرت لما نهضت الحضارة الإنسانية وقامت وتواصلت عبر حفظها التجارب العلمية من خلال توثيقها كتابياً، فالكتابة فعل أنساني يأتي لتلبية حاجة نفسية، وإذا كانت الآداب هي من ضمن اهتمامات الإنسان منذُ ان عرف التدوين فوثق شعرهُ الذي مثل خلجات روحه التي تسعى النفس البشرية للاكتشاف، فصارت الكتابة فناً من فنونهِ التي أتقنها ليوصل أفكاره وأحلامه الى الأخر وليعبر عن انفعالاتهِ وأزماته النفسية، وهكذا تطورت الكتابة وتطورت العلوم وتطورت الحياة شيئاً فشيئاً، وبما ان امة العرب امة شعر فإنها شهدت ومنذ عصور ماقبل الإسلام ولادة شعراء كبار وتعزز تواجد الشعراء بعد الإسلام، وهكذا ظل الشعر سيد الآداب العربية ويمثل طليعتها واهتمِ بهِ العرب كثيراً وطوروه على طول مسيرتهِ لأنه فن ارتبط بالغة وارتبطت اللغة بالمقدس، ولكنهُ(أي الشعر) ظل ذكورياً بامتياز، فالمرأة العربية لم تكن حاضرة على خارطة الشعر بما يمثلُ حجمها وتواجدها ورغم ذلك يحتفظ لنا تاريخ الشعر بشاعرات عربيات أجدنَ الشعر وكتبنَ روائع خالدة، ولكنهن ظللن حالات نادرة اذا ما نظرنا الى ساحة الشعر العربي الحافلة بالشعر وبالأسماء الكبيرة للشعراء العرب، وبما ان الحداثة التي شهدها العالم في مختلف مجالات الحياة وثورة العلم التي غيرت مجرى الحياة بفعل وسائل الاتصال التي سهلت عملية التواصل الحضاري والعلمي والثقافي بين شعوب الأرض فظهر التأثير متبادلاً بين الأمم واستطاعت التجارب الأممية من الزحف باتجاه تجارب أمم أخرى وتأثرت وأثرت بها، ولذا برزت فنون أدبية لم تكن معروفة بشكل واضح وجلي في عالمنا العربي مثل القصة القصيرة والرواية حيثُ صدرت أول رواية عربية عام 1914 وهي رواية زينب لمحمد حسنين هيكل، وحتى المقال الصحفي بشكلهِ الحالي وفنونهِ وأساليبه كان نتاجاً لتأثر الصحافة العربية بالصحافة الغربية، لاشك ان ظهور الصحافة في الوطن العربي أثر بشكل كبير في تطوير الآداب العربية ودفعها الى الإمام وانفتاحها وانتشارها، فالأدب مادة الصحافة الدسمة، ولذا ظهرت أسماء أدبية كبيرة من خلال الصحافة وعرفها العالم العربي من خلال ما تنشرهُ من نتاج أدبي في الصحف العربية المختلفة، وللعلم لا ادعي ان العرب لم يعرفوا القصة والرواية سابقاً ولكنها لم تكن تخرج عن نطاق الحكايا والنوادر التي تزخر بها كتب الأدب العربي القديم، ولكنني عنيت التطور التقني والفني والجمالي والبنية السردية لهذه الأنواع الأدبية ان جاز التعبير، اعتقد ان الحديث أخذني بعيداً عن عنوان مقالي الذي أحاول من خلاله إثارة موضوعة حساسة وهامة هي قضية الكاتبات العربيات اليوم واقصد الاديبات بالتحديد فمع كثرة الأقلام النسوية في عالمنا العربي إلا ان المتتبع للمشهد الثقافي العربي بشكل عام سيجد بصمات ذكورية طاغية مع انخفاض البصمات النسوية، ورغم انني سأوجه بعض النقد عن سبب تفريقي بين الأنواع الأدبية وتسمياتها والأسس المعيارية التي يمكن ان نسمي فيها او نقسم الى أدب رجالي ونسوي، إلا انني ساترك الإجابة عليه مؤقتاً لما سيرد في مقالي، ان ظاهرة غياب المرأة بشكل كبير في الوسط الثقافي عموماً والأدبي خاصة يثير أسئلة عدة منها، لماذا لانجد حضور المرأة الأديبة حضوراً فاعلاً ومؤثراً كحضور الأديب العربي؟، هل تنظر المرأة العربية الى الأدب باعتباره احد أهم النوافذ التي يمكن لها التعبير عن ذاتها وقضاياها الهامة والتغيير من خلاله؟ أم لا زالت النظرة الى الأدب باعتباره وسيلة للتسلية والترف الفكري؟، هل تحاول المرأة العربية الولوج الى داخل عوالم الأدب لكن ثمة من يعتم عليها او يحاول احتكار الوسط الأدبي بكل تفاصيله ويمنعها؟، ثم السؤال الأبرز والاهم هل ان الوسط الأدبي العربي يحتفي بأسماء أدبية نسوية لأنها نسوية فقط أم لأنها تمتلك موهبة وإبداع وقدرة في نقل هموم وتطلعات وأحلام الإنسان العربي وخاصة المرأة العربية؟ الإجابة عن هذه الأسئلة ليست سهلة وتحتاج الى دراسة معمقة لاكتشاف سر هذا الغياب وعدم التواصل من قبل المرأة العربية مع الأدب باعتباره حاجة أساسية ومهمة في بلورة صورة للواقع الذي تعيشه الشعوب العربية ومن ثم التمرد على هذا الواقع والثورة عليه، ولكنني أؤكد وبجزم ان احد أهم أسباب غياب المرأة العربية هو عدم تمكن المرأة العربية من الحصول على فرصة كافية للتعليم في الكثير من البلدان العربية، وانعدام الإستراتيجية العربية للتعليم والنهوض الثقافي وخصوصاً لهذه الشريحة، وكذلك الأعراف والقيود الاجتماعية والقبائلية المنتشرة بين الشعوب العربية، وكذلك التفسير الخاطئ للدين كل هذه تمنع المرأة من الانخراط في الوسط التعليمي فضلاً الثقافي، والنظرة السائدة في بعض المجتمعات العربية للوسط الثقافي باعتباره وسطاً معقداً ومثالياً وغياب الجدوى الفعلية منه ومن تنظيره المستمر، فالمثقف العربي الراهن لم يكن صاحب موقف تغيري وإصلاحي بصورة مؤثرة، كذلك وأقولها بصراحة الاحتفاء اللامبرر ببعض الأسماء النسوية وتضخيمها على حساب منتجها الأدبي، مما يمنع ويعرقل ولادة أقلام أدبية نسوية جديدة تتمتع بخطاب أدبي رصين وثقافة موسوعية تمكنها من معالجة قضايا المرأة العربية المعاصرة والتعبير عن إرادتها في العيش بكرامة ومساواتها في مجالات التعليم والتوظيف والإدارة وغيرها من مجالات الحياة المتعددة،ولهذا فان غياب المرأة الكاتبة او لنقل محدودية تواجدها في مفاصل المشهد الثقافي تعد مشكلة تواجه الوسط الثقافي والأدبي العربي برمتهِ مادامت شريحة واسعة ومهمة مغيبة او غائبة عن المشاركة في رسم ملامح هذا المشهد .

 

حيدر قاسم الحجامي

كاتب وصحفي عراقي

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1269 الاحد 27/12/2009)

 

 

في المثقف اليوم