قضايا وآراء

البالغون الفتح في كربلاء وحيثيات المتن التاريخي

الفعل الحياتي الخالد وهذا يعني ان سيرورة معنى الصراع بقيت مفعـّلة بين الرقي والدنو وبين الخيروالشر والمرتكز التاريخي لاحداث الطف أصبح يشكل مسخا لاعداء الثورة الحسينية فسعوا الى تزييف الواقع التاريخي بالكثير من التمويهات والتحريفات لزحزحة هذا اليقين عبر العديد من الوسائل التمويهية والتحريفية والتي هي اس الاعلام الاموي لتنفيذ المرسوم القصدي في طمس الحقائق لتشويه معالم الواقعة المقدسة ...

 

ومن هذه المقاربة الموجزة لمحتوى مشروع (البالغون الفتح في كربلاء) للباحث القدير الحاج عبد الامير القريشي .. علينا ان ننظر الى الموروث بما حمل من معاناة تراكمت عليه اجيالا للنهوض به من تلك الركامات التي تنوعت هي الاخرى بين شتات سير متفرقة واهمال لبعض الرموز وبين تكرار معان وتناقضات كثيرة مع قلة التراجم فهناك مناهج متنوعة ورؤى مختلفة تفرض احيانا ماهو سائد بحكم اليقيني وهناك نهج عاطفي زج بانحرافات ربما غفل عنها اصحابها فأساءت ..

 

فنجد ان مساحة الانتشار البحثي لجهد الحاج عبد الامير القريشي اتسع داخل النظم الموروثة وخاصة تلك الاشكاليات فكان البحث عبارة عن اختراقات فنية اراد بها المؤلف أن يشاكس التاريخ ليهدم هذه التراكامات الهائلة من الصياغات المنحرفة التي ضببت لنا الكثير من الاحداث والرموز الايجابية ورفعت شأن السلبي منها بشتى الوسائل فتناول اغلب هذه الاشكاليات ومنها اشكالية المنذر بن الجارود بعدما حاول الكثير من المؤرخين ان يبررجريمته بتسليم رسول الحسين (سليمان بن رزين) الذي بعثه الحسين الى كبار أهل البصرة وسلمه أبن الجارود الى زوج ابنته الطاغية ابن زياد يزعم انه خاف ان يكون الكتاب دسيسا من أبن زياد ..فسعى القريشي الى تخليص سليمان أبن رزين من أشكالية الخلط الواردة بينه وبين شخصية أخرى ومن ثم راح يعري تاريخ أبن الجارود ليصل الى نتيجة ان ماحصل كان مجرد خيانة لاتقبل أي تبريرىونال ابن جارود مكافئة ابن زياد على خيانته ..

 

ثم ذهب القريشي الى موقف آخر هو موقف النعمان بن البشير الذي قال عنه الطبري كان متماسكا يحب العافية ويراه الدينيوري رجلا يغتنم السلامة وفي بعض الاخبار الواردة انه كان يميل الى محبة أهل البيت لكونه قال إن اكون من المستضعفين من طاعة الله أحب الي أن اكون من الاعزين في معصية الله) فيكشف لنا الحاج القريشي تاريخ هذا الرجل المعادي لفكر اهل البيت وقد حارب الامام علي في يومي الجمل وصفين ويعلن البغضاء له جهارا لكنه كان يتبنى سياسة معاوية فيتحاشى المواجهة لكونها ليست لصالح الحكم الاموي وموقفه في الكوفة كان مجرد معالجة سياسية لا علاقة لها بالتقوى ثم يعرج الحاج القريشي الى بعض الاشكاليات الموضعية كالاختلاف الوارد في نسب ام مسلم بن عقيل ويكشف خور المؤرخين لكونهم غفلوا عن حقائق كبيرة مع تحفظهم على امور تافهة لايقام لها وزن ويستعرض باستنباط تقديري للتقييم الامثل حيث لم نجد أي غمز تاريخي نحو هذه المسألة والا تعرض لها أبن زياد وهو الذي أختلق الشوائب ليحط من قدر مسلم بن عقيل وبعدها تعرض الحاج القريشي ليعض المتناقضات الواردة والتي شكلت افتراءات واضحة منها ان تكليف مسلم بالسفارة كما يرى البعض الخائب كان اضطرارا من الحسين لاعتراض بني هاشم على خروجه وفي حقيقة الامر كما جاء في البحث ان ابن عباس كان كفيفا أو ضعيف بصر يقاد وكذلك كان عبد الله بن جعفر ومحمد بن الحنفية كان يعاني وعكة شديدة ..

 

وثمة مداخلة جريئة أطلقها الحاج القريشي حين كشف عن مساعي الاعلام الاموي في فبر كة مشهد اغتيال ابن زياد في دار هاني بن عروة عند زيارته المزعومة لشريك ليظهر الاعلام نكوص مسلم وتحميله مسؤولية ماجرى للحسين عليه السلام وارتكزت تلك المداخلة على حقيقة بحثية تضمنت تمحيص مفردة (قد استبطاك الامير) التي قيلت له والنظر في القيمة الاستدلاية سترفع معنى الزيارة القريبة فامتلك القريشي الباحث احتمالية الادهاش والامتاع والافاة عن طريق استقراء الغاية المقصودة لضلال التحريف مثلا رفض هاني لتسليم مسلم الذي فسروه لصالح العرف العشائري فقط دون ان يتركوا ولو منفذا واحدا لايمانه بمحبة اهل البيت عليهم السلام والدفاع عنهم تضحية وجودا ورفض القيم الاموية ..

 

 ويداخل الحاج القريشي مسالة اخرىتحتاج الى جرأة ودقة كبيرين وهي قضية بقاء مسلم وحده والذي فسر بخيانة الجميع والابتعاد عنه وتركه وحيدا وهو يمتلك خيرة اهل الكوفة لكن المتامل في التاريخ يستطيع ان يصل الى ان هناك امرا ما جعل هؤلاء القادة يتفرقون عنه ضمن خطة رسمها لهم مسلم كي يضمنوا الفرصة للالتحاق بالحسين عليه السلام وهذا ماحصل بعد ذلك واما لتفر يق الناس عنه فيراه الحاج القريشي سببه عدم استكمال الاعداد الروحي ..ومثل هذه التصورات تشكل الحصيلة البحثية والا مانفع اعادة المدونات دون هذه الرؤى التي ابتعدت عن الافتراضية العشوائية لكنها تشكلت عبر معنى بحثي استدلالي مثلا كما الذي تداخل به الحاج القريشي مع ابن طاووس الذي رسم لنا مشهد الطفل الرضيع وكأن الحسين (ع) حمله ليطلب له الماء وقد انطلى الموضوع على الكثيرين منا بعذر اكمل الحجة وفي حقيقة الامر كان النشهد موثرا لاب يودع رضيعه في آخر لحظات العمر لاغير وفي مداخلة اخرى كشف الباحث التلاعبات اللفظية التي حرفها أو قام بتحريف معناها  الاعلام الاموي عند توديع العباس لاخوته (حتى ارثكم) وكان العباس (ع) يدفع اخوته للموت طمعا في الارث وفي حقيقة الامر فان ولد العباس لم يكن الوريث لهم حتى بعد وفاة أم البنين (ع) ونجد السيد الباحث يبحث في التناقضات الموروثة في المكان الذي يحتوي مثوى الرأس الشريف فقد اختلقوا له عدة اماكن يدعون وجود الراس فيها وكذلك التناقضات الموجودة في بعض الامور التاريخية كأسم أبي بكر بن علي وفي نسب امه ايضا كما راح يشاكس موضوعة زواج القاسم أذ يرى ان ظرف المعركة لم يكن يسمح لمثل هذه الامور وفي مرقد عون بن عبد الله فهو يرى البعض انه دفن في حومة الشهداء والبعض الآخر يرى أنه دفن في موقعه الحالي لأن خاله الحسين ارسله لاستشارة المسيب بن نجبة فاعترضوه ..

 

كما رد على بعض التحريفات الواردة كالشك في موقع ضريح حبيب بن مظاهر الاسدي أذ أكد الحاج عبر عدة مصادر بحثية إن الموقع صحيح ولا غبار عليه .. شهدت هذه المداخلات جرأة كبيرة تعبر عن ثقة عالية بالنفس وسعة أطلاع ومثابرة جادة برزت في نواحي بحثية كثيرة عن كتلك التي في موضوع مسلم بن عوسجة ومعقل اذ شكك البعض في قابلية الحذر وثمة تحليلات جريئة في البحوث التضادية في مقتل الصائدي والتحاق الحر الرياحي واغرب مداخلة هي اعتراضه على عثمانية زهير بن القين وفي موضوع الخلط الحاصل في بعض الاسماء الواردة في التاريخ .. وبذلك استطاع الحاج القريشي تقديم كتاب كنا باشد الحاجة اليه

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1271 الثلاثاء 29/12/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم