تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

قضايا وآراء

الروائي المغربي رشيد الجلولي يصدر الجزءالأول من روايته الخوف

وهي من منشورات بلاغات بالقصر الكبير - المغرب ضمن سلسلة نصوص إبداعية.

 

تقع  الرواية في 224 صفحة، تضم 50 فصلا، بغلاف معبر  بلوحة "الفيلسوف" للرسام العالمي رامبراند. وقد خص الدكتور عبدالجبار العلمي هذه الرواية بمقدمة رصد فيها معالم رواية الخوف بقوله: "إن المؤلف يود أن يقول لنا هنا إن الإنسانية مند قابيل وهابيل لم تتوقف يوما عن إشعال فتيل الحروب المدمرة. فكأنها إنما خلقت من أجل التطاحن والصراع والحروب الفتاكة. إن الرواية بوصفها للحرب بكثير من التفاصيل إنما تقدم إدانة مرة للواقع المعاصر الملئ بالحروب، وسيادة مبدأ القوة الغابوي ....لقد تمكن المؤلف ان يحشرنا في أجواء الحرب ويمالا نفوسنا بالخوف .الخوف من قتل الإنسان للإنسان."

 

تدور أحداث العمل الروائي وفق منهج  سردي يتداخل فيه الرمزي والأسطوري بالواقعي والخيالي، والغرائبي والعادي اليومي. حيث تتم الإشارة إلى أماكن بأسماءها المعروفة كمدينتي  القصر الكبير والعرائش. وأحيانا أخرى يعمد الكاتب إلى عدم تحديدها، فتصبح هلامية تتناغم مع المناخ العام للرواية التي تمتلئ بالأجواء الغرائبية. أما الزمن الروائي للرواية فغير محدد يجعل القارئ يشاغب في الأسئلة عن الزمن الذي يمر به كل حدث من أحداثها .

 

و لعل العنوان الشامل  الذي اختاره الكاتب لروايته "الخوف، فان امتاز بشدة اختزاله،فهو يحمل في طياته معاني وأضداد في العمق محتملة التأويل والتفسير والملاحظة، فهو في الحقيقة اسم لغريزة إنسانية وحيوانية قبل كل شي، هذا الاختيار، بقدرما يثير الدهشة لدى المتلقي،فانه يبدأ في اللحظة الأولى بولوج عمق الرواية. فمنذ الفقرة الأولى يجد القارئ نفسه في عالم تنضح جوانبه بالحرب والتوحش وبانحدار الانسان من البشاعة الوجودية التي يصعب تخيلها .في عالم تبدلت فيه موازين القوى الحضارية،فصارت الحضارة العربية هي المتحكمة في مسيرة البشرية .

 

كما تلامس الرواية الواقع الحقيقي بل تشخصه في صوت شخصيات بعضها واقعي :عيسى الشخصية الرئيسية في الرواية /ليلى زوجته/ابتسام ابنه/الخالة مسعودة، وبعض أخر ألهمه رشيد الجلولي  من عالمه المتخيل الرمزي بمرجعيات جمالية متعددة  كسفيان الداودي الحاكم الدكتاتور . ليجعل المتلقي جزء من فضاءات زمنية متخيلة يعيش أحداثها وأمكنتها .

 

و هذه  النمطية الكتابية التي نقش من خلالها  رشيد الجلولي عمله الأول، ذات أبعاد تأويلية مختزنة لمفاهيم وأبعاد متخيلة تمزج بين الواقع والمتخيل دون ان يشعر المتلقي بهذا الاختلاف الواقعي الذي يترك المتلقي يشاكس بالأسئلة عبر الإجابة المتعددة التأويل والاحتمال،فالقارئ مثلا لن يدري ما الحرب التي يقصدها رشيد الجلولي في هذا العمل،أهي الحرب العالمية الأولى أم حرب اجتياح العراق أم حرب أخرى استعملت فيها كذلك الأسلحة الحديثة المتطورة. مما جعل النمط الذي انساقت معه الرواية يطغى عليه السحر اللغوي والتأويل الجمالي الفاتن والمنساق مع الفرضيات المتعددة التأويل على نحو ما نجد في روايات أمريكا اللاتينية على شاكلة كتابات غابريل ماركيز باولو كويلو وخورخي لويز بورخيز.

 

رواية “الخوف ” صورة مصغرة لواقع تأثر بنظريات تصادم الحضارات في ظل التغيرات الفكرية التي طرأت على الساحة العالمية وانعكاساتها على الذات تدميراً واغتيالا للفكر والعقل. هذه السياقات الجهنمية التي فشلت في قتل البطل وضعته أمام خيارين :الأول تتلاعب به القوى المادية والعسكرية دون ابداء أي رد فعل، والثاني يعبر عن الغضب كدليل على أن البطل لازالت فيه بقايا أحاسيس وحياة، وإن كان الكاتب قد انتصر للخيار الأخير حيث نجح بتحالف مع أحد السقائين في اشعال حرب غير مسبوقة لكنه لم يجعل من العنف والنار أفقين ضروريين من أجل الخلاص من الاستعباد .

 

إن رواية الخوف هي رواية جامحة تنفتح على كل المعارف الانسانية حيث يتقاطع فيها الشعري بالفلسفي والسياسي من خلال توظيف ايحاءات  بلاغية مكنته من توظيف الاستعارات والتشبيهات والإنزياحات،  وقد نجحت في جعل المتلقي يعيد التفكير في علاقة الانسان بالسلطة، ويجعل يسائل أكثر من الآخر،سواء كان الكون أو الانسان أو الموت، باستبداله بالحب .

 

ولعل الرواية مقاربة لرؤية لجذور المشكلة الإشكالية التي أدت إلى التطرف الفكري وإلى اختلال موازين القوى في جميع المجالات المبتلية بفوضى الوجدان، وهي دعوة لحوار الثقافات كبديل لصدام الحضارات. وتجيب الرواية عن التساؤلات المطروحة التي تدور حول مفهوم الحرب  والخوف وكيفية التخلص من فكرة “أنت لست معي إذن أنت ضدي”.

 

إن رواية الخوف في جزءها الأول،هي رواية من أجل الانتصار للحب في صيرورة صراع الانسان مع المجهول الكبير الذي هو الانسان بالدرجة الأولى،و الكون بالدرجة الثانية،إنها إرادة الحياة ضد إرادة الموت .

 

أنس الفيلالي

شاعر وباحث

من المغرب

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1277 الاثنين 04/01/2010)

 

 

في المثقف اليوم