قضايا وآراء

سايكلوجية الابداع .. قرآة في نصوص الشاعرة هناء شوقي

تكون رذاذا ..

اكون عاصفة ..)

هناء شوقي

.

صوتا لناقوس عالي الايقاع.. هاذا ما يريده الشاعر.. والا فان الشعر يفقد حرارته.. وبالتالي لا يجد اذنا صاغية بل على العكس تعتبره النفس صوتا ناشزا منفرا .. لم يمتلك اثارة ..وتاثيراته السايكلوجية الباطنية ..والظاهرية ..ولذا فان مسارات القصيدة التي اندمجت فيها ذات الشاعر فكرا واحساسا ..وتالقا..وصدقا..اندمجت مع النص ..والمتلقي ..ومع الهم الجمعي والفردي ..وبذلك  يمتلك الشاعر ناصية خلق ابداعي لها ايقاعاتها النفسية بهارمونيه متصاعدة..

والشاعرة المبدعة ( هناء شوقي )..لها من  خصوصيتها المتميزة بالعمق الفكري وسلاسة النفاذ الى بواطن ذات المتلقي ..لتصبح كلمات نصوصها مهاميز سيرورة..وصيرورة ..تتماهي مع انعكاسات  التواتر النفسي ..والارهاصات الدفينة المنغرسة في وجدان القارئ ..الذي يجد روحه تحلق لا شعوريا في فضاءات كلمات الشاعرة (هناء شوقي) ..لتحلق في اللامحدود من عالم تزدحم فيه الاضواء.. والالوان ..بصورة غرائبية تمتلك مقومات الشد النفسي ..المتوامض بااشراقات ..تجعل من فرح المتلقي ..او حزنه .. او تأملاته..او تطلعاته ..مجسما بابعاده التأثيرية وتكويناته السايكلوجية امتدادا تواصليا عميقا بين الشاعرة ..وجمهورها ..

ومن الملاحظ عند الشاعرة ..ان الرمز يمتلك ديناميكية خاصة ..ومثقل في المعاني .. وبحق رمز رائع تتوصل  اليه شاعرة...يصدر عن مرتكزات ذهنية ..ذات خلفية ثقافية واسعة ..لنتأمل قي هذا المقطع ونرى الرمز كيف يضئ

في الصورة الشعرية لتبهر المتلقي ..

(انا النار

عروس اللهب..

باقتي شعلة ..

وبريق عيناي حريق ..

وسط الطريق..

التراجع خطيئة الرجولة

والتتابع خطيئة العرف..

فدثرني بماؤك

لالد من ناري

دخانك ..)

( قصيدة انا النار)

 

والشئ الذي لا يمكن التغاضي عنه او انكاره او انتقاصه هو تلك الروح المتسامية ..والنفس الصاعدة للشاعرة الفلسطينية (هناء شوقي ) وكأننا فيها وهي تستغرق لجتها الشاعرية  لدرجة تكاد تصل الى استغراق (النرفانا) ..وان نصوصها لا تخلو من البؤر التأملية ..لان التأمل هو التركيز على تلك البؤر المعينة والمحددة .. والغير متشعبة لتمسك في المتلقي وتحرك فيه مرتكزاته الذهنية من خلال عالم التذكر ..وعالم التفكر ..وعالم الخيال .. ويكون شريكا معها في النص ..  وبروح شفافة نجدها ترسل كلماتها :

(انتزعت الرغبة مني رسالاتي ..

فأنتشرت الذات با ارض البقاع ..)

( قصيدة قانعة)

 

انها تخاطبنا بتلك الروح الشاملة..الابداعية..وتستجمع كل انوار نفسها لتصب تلك الانوار الموحدة في نص متوحد يحمل في ثناياه ..توقد المشاعر وصدقها ..وتخلصها من براثن الانكسار وصيرورات الانكفاء .. والتشرنق .. او الاختباء خلف جدران الوهم والتضليل فتطل علينا (هناء).. الشاعرة .. والانسانة..  من خلف ركامات الهم ..ولاستلاب الممنهج لتقف بعزة وكبرياء ..

تطلق لهب الكلمات النابضة با لحياة الصاعدة ..المتنامية..

(سأنساب للاعالي  ..

آهب ..أشرئب..

أنا ..النار ..)

( قصيدة انا النار)

 

ومثل كل مرة لا تجد الشاعرة الفلسطينية (هناء شوقي) ..غير الصعود وسيلة للتعبير عن نفسها المكللة بعنفوان الارتقاء وانزياحات السمو..مترصدة كل صغيرة وكبيرة ..تبث الحياة بالحصى وتلون وتؤطر ضجيج الاطفال .. وخفقات اجنحة الطيور..بأطر نفسية يقظة..واعدة منسلخة من الرتابة والجمود..وتوقظ في الحروف تلك الايحا ءات النفسية المتلاحقة عطاء ورغبة جامحة في مقارعة ظلمات الحياة ورتا بتها المضنية .. فلننظر الى هذا المقطع  ..

(ضجيج اطفال ..

وحصى

وحمام يطير

فزعا ..

يذوي بالاعالي

انتشارا )

قصيدة غادة وقسيم)

 

وبنفس تلك المفاهيم  النفسية المشرقة صفاء واغتسل الذات .. بنقاء الذات .. وبتهالات صدق الكلمات ..وارتشاحات العطاء النفسي التواصلي تتجدد روح الشاعرة(هناء شوقي) بافق فيه غيمة بيضاء تداعب الاحلام ..وتظلل النفوس ..وتغسلها بايماءة  .. بنظرة رشيقة ..با ابسامة ملونة بالامل ..بالانس الطري البكر العذب ..

(وغيمتي في الافق ..

تغسلني..

لآتيك..

محملة بقناطير

الأنس ..)

( قصيدة غادة وقسيم) .

 

لو لم تكن الشاعرة( هناء شوقي) في موطنها وبا لقرب من الاقربون لقنا انها شخصية نوستلاجية .

.فهي تجمع الماضي والحاضر والشجن والحنين وتجمع الحب بكل انواعه بنفس مسلحة بالصدق .

.والعطاء..المرججه بالصبر الممتزج بالثوثب ..والتطلع الرومانسي لتختلط الكلمات بنسق له سحره

وعجائبيته..حينما تنجح الشاعرة في مزج سحر العيون ..وبريق السيف ..ورهافهته ..والشهادة

..والحب ..والارض .. وعباءة الجد..

(بعين سهاد ولبيبة وعيني ريما ..

يا شام الارض

بعباءة جدي وسيف عدوان اقتفيت اثر السنينا

جئتك بالشهادة والحب من ارض فلسطينا)

(قصيدة ياشام الارض)

 

الشاعرة جعلت من الصدق محرابا لها في مشاعرها .. ونزعاتها النفسية ..بنمط بعيد عن دفن

المشاعر .. او الانضواء تحت مفاهيم ضبابية..او مدلولات نفسية رمادية..لذا اختارت الايجاز

(المثمر) في عطائه لتقول :

(وعدنا

عدنا

كما بالامس كنا ..)

( قصيدة بالامس كنا)

 

وبقدر لما للشاعرة الفلسطينية (هناء شوقي)..من تشظيات ذاتية رسمت حافاتها الحادة الاقدار

..فكتبت على نفسها ارثا ثقيلا من الهم المفروض والضنى المتكالب ..الزاحف الجاثم على

الصدور.. والذي يطوف في المدن..بوقاحة ..ووحشية وازدراء لكل ماهو انساني ..او رحوم

فيرتفع صوت الشاعرة حادا  ..مرهفا واضحا ..بلا مجاملات ..يحذر من الكارثة..القائمة

المتجددة..القادمة ..:

(من ورق كان

يبتهل للسماء

يبتلع الموت

فيختنق ومن جديد يخلق )

(قصيدة يامدينة)

 

وبنسق متصاعد ..وبنفس متحدية .. واعدة ..برشاقة ورهافة وصلابة تليق بالنفوس المتماسكة

..فتستل هناء شوقي ببشارة المطر ..يداعب روحها المحلقة باجنحة التحدي ..بعيدا عن التداعي

والاضمحلال :

(بشراك مطر

ياغزير اللهفة..

يا غيمة بجوف غيمة ..)

(قصيدة بشراك مطر)

والهم الاكبر والجرح النازف ..النازف..ذلك الوطن المقيد ..المبتلى بالموت ..اليومي..الموت

الجسدي ..والمعنوي المفروض عليه بلا ذنب ..فتشهق (هناء شوقي) بصوت جريح ..وروح تنز

الما ..ونفس حاصرت بنيتها الشروخ..فتشهق بكلمتها الذبيحة..:

 

(الارض والوطن

اقتيدوا بحبل من رسن ..)

(  قصيدة حصة الاسد)

 

والحياة بكل مكوناتها  وقدرية بعض احداثها لم تكن في نظر (هناء شوقي) شيئا عبثيا رخيص الثمن

بقدر ماهي ميدانا لصراع مشروع  قد تخذل فيه ولكن ارادة انتصار الذات ..وتسلق الطموح

..بعنفوان ..مواصلين السير ..كاسبين او خاسرين..لا يهم ..ان يكون .. المسار خاليا ..او تحتشد فيه

هموما .. او تتبارى فيه آهات الام مع خطواتنا ..:

(فالام اقوى من القلم ..

والنحيب يختزن الصدر ..)

( قصيدة خالية المسار)

 

ولا يفوت الشاعرة ان ترصد كل صغيرة وكبيرة وتقتنص ..صوت بلبل شادي وتغمس ذلك الصوت

مع وجدانها المرهف بالدمع والآسى وترفض ان تترك شذى الزهور وقطيرات الندى ان تتلاشى

بعيدا عن موسيقى اشعارها ..لذا فانها تبحث في تلك اللحظات (السعيدة) روحا تنبض بالحركة .

.وكانك تراها كائنات  حلسية اسطورية مكونة من الحروف والكلمات المتدفقة من مقاطع قصائدها

(وشرفتي تغتنم صوت البلبل الشادي

وشذى الزهور

وندى تقطر من غربة فؤادي)

(قصيدة هنيئا لكم)

 

وهي الصادقة باحاسيسها المتوهجة  للابداع..تجد (هناء شوقي) نفسها بين خيارين لا ثالث لهما

هما (هناء)الشاعرة ..و(هناء) المرأة.. وبتماسك نفسي رائع متوازن تطلق العنان لمشاعرها الحقيقية ان تجمع

بلغة شاعرية هائمة بالخيال المتنامي تصاعدا ..ولكن باسلوب  يتناغم مع العقل  ومعطيات الواقع المعقول ..:

(بكيت بسري

----------

كنت اتنزه بغفله مني

حلق الحرف من حنجرتي

وطار بين ضفتي اوراقي ..)

(قصيدة اهواك وما ادراك)

 

ان ابرز ما يميز قصيدة النثر لا تنطبق عليها احكام النماذج الشعرية الاخرى العمودي ..والحر

التفعيلة..بستطاعت الانسان ان يقول هذه قصيدة العمودي جيدة او غير جيدة كذلك ينطبق هذا القول

على قصيدة التفعيلة اما قصيدة النثر الحديثة فهي سيف ذو حدين اما ان تكون قصيدة نثر اولا تكون

 

وذلك لدقة قوانينها ومعاييرها .. فهي لا تتقبل الترهل ..ولا الحكم والمواعض ..وان تكون خاتمتها

لا تعبر عن حقيقة ما ..ويجب ان تكون متماسكة ومتكاملة في الفكرة والاسلوب ..وبذلك تكون لها

القابلية لتوليد شعور خاص ..وهو الشعر الذي عبر عنه بورخيس الذي يوجد فيه شعور لا نفهمه

بين ماهو حسي وماهو عاطفي فان الشاعرة المبدعة( هناء شوقي) شحذت طاقلتها الشعورية

والاشعورية ونسجت لنا نصوص تداخلت فيها كل مقومات النضج والتاثير وتراصت فيها بتماسك

رائع شفاف البنية ..والفكر..والجمالية ..والشاعرية..وعمق المشاعر وصدقها ..وستطاعت ان ترسم

للمتلقي صورا نابضة في نصوص لها مذاقها المتميز في ضمير وروح المتلقي لتفرز بالتالي حالات

الانبهار والدهشة ..

فالشاعرة المبدعة (هناء شوقي) رغم الظروف  الصعبة المحيطة في وطنها فلسطين  ..وبروحها

المتحدية ..ونفسها الطامحة ..كتبت .. قالت ..انشدت ..ونثرت تفاءل روحها كلمات يانعة بجمالها ..

صلبة في مدلولاتها ..فهي (العاشقة الاف مستحيل) ..وهي التي تتربص بالزمان والمكان ..وتجدد

اتجاهات بوصلة الحياة ..مرة ..تلو مرة .. المرة ولو في (كل الف عام)( هناء شوقي) المرأة

.الشاعرة ..الانسانة .

 

خزعل طاهر المفرجي

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1281 الجمعة 08/01/2010)

 

 

في المثقف اليوم