قضايا وآراء

النّسوية وفلسفة التّعليم

الذين استحضروا الفلسفة النسوية في أعمالهم. فقد لاحظت نتيجة تفكرها في الأبحاث التي أجرتها في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات غياب المرأة في هذا الميدان كليا سواء من حيث المساهمة أم من حيث الموضوعات المطروحة والتجارب المعتبرة، تقول مارتن:

"سواء أنظرنا إلى النساء بوصفهن فاعلات أم موضوعات للفكر التربوي، فلن نجد في هذا النطاق مكانا للمرأة مطلقا: لقد تم تجاهل أعمال النساء الفلسفية في التعليم، وأهملت إلى حد كبير الأعمال التي قام بها نساء ورجال حول تعليم النساء ودورهن بصفتهن مربيات للنشء. ناهيك عن أن تعريف التعليم ونطاق التربية ذاته كما يرد ضمنا في النصوص المعتبرة أو الكلاسيكية في فلسفة التعليم يستثني النساء." (مارتن، 1999, ص150)

لكن العقدين اللذين تليا ملاحظة مارتن شهدا تغيرا كبيرا تمثل في تأثير أفكارها النسوية أكثر فأكثر في فلاسفة التعليم. وهذا أمر قد يفسر جزئيا بوجود زيادة مثيرة في عدد فلاسفة التعليم من النساء في هذا الوقت.

 ومع أنه ليس من المفاجئ بشكل عام أن تنخرط النساء في هذا المجال أكثر من الرجال إلا أن بعض النقد وبعض الأفكار النسوية العميقة التي لفت هؤلاء النظر إليها هي اليوم محل نقاش جدي ومتوازن على نطاق واسع، بل إننا نجد أحيانا قيام عدد من فلاسفة التعليم بغض النظر عن جنسهم باعتناق هذه الأفكار. إذ يصعب على فيلسوف تعليم في أقل تقدير كتابة شيء مقنع اليوم في مواضيع التطور الأخلاقي أو التعليم الأخلاقي دون أخذ إسهام كارول جيليجانCarol Gilligan (1982) بالاعتبار؛ أو عدم الإشارة إلى سوزان أوكين    Moller Okin 1989  في مسائل تعليمية كفكرتي العدالة والعائلة.

صحيح أن العديد من الدارسين والدارسات النسويات قدم أعمالا مهمة-بعضهم يعدّها ثورية- ضمن المجالات الأكاديمية (Nussbaum، 1997) لكن من الخطأ افتراض وجود نظرية نسوية موحّدة يشترك فيها كل المؤمنين والمؤمنات بالحركة النسوية؛ ذلك أن الباحثات النسويات ينتمين إلى توجهات نظرية مختلفة: من الليبرالية إلى ما بعد البنيوية poststructural. وقد اقترح بعضهم في محاولة للقبض على هذا التنوع الفكري الكلام على "نسويات" بدلا من الكلام على "نسوية" واحدة بصيغة المفرد. وحتى فلاسفة التعليم الذين ينتمون إلى توجهات مختلفة تأثّروا بعناصر من هنا وهناك من النسوية لا بنسق واحد منها.

وعلى الرغم من هذا التنوع، فإن فلاسفة التعليم الذين يعتنقون مواقف نسوية يتبنّون فكرة مارتن التي رأت فيها أن الفشل في مقاربة أفكار الإناث وتجاربهن وكذلك الذكور، لن يجعل تحليل الظواهر التربوية ناقصا فحسب بل ومشوّها. وقد قامت مارتن بنفسها باستعادة أو إعادة إحياء أعمال هامّة من الناحية التاريخية في الفلسفة التربوية كتبها أو كتبت عن النساء.

 ونجد في السنوات الأخيرة بعض المنشورات الأكثر تأثيرا في الحقل مكتوبة على يد نساء  وقد اصطبغت بالفكر النسوي. فكتاب نيل نودينغ كارينج: "نظرة أنثوية إلى الأخلاق والتعليم الأخلاقي" الذي فضل استعمال "أنثوي" feminine على "نسوي" feminist  هو بالمناسبة من بين أكثر الأعمال المنشورة المستشهد بها على نطاق واسع. ولهذا فإن ملاحظة مارتن الثانية حول فلسفة التعليم قبل 1980 التي أشارت فيها إلى أن عددا قليلا من تجارب النساء والبنات استحقّ الانتباه العلمي صارت اليوم جزءا من الماضي.

لقد بتنا نرى فلاسفة التعليم الذين تأثّروا بالفكر النسوي اليوم يضمنون البنات والنساء في تحليلاتهم بشكل مستمر. لقد تحدّى المؤمنون بمساواة الجنسين أو النسوية ما كان ذات يوم أمرا مسلما به أو حكمة تقليدية تقضي بالفصل بين مجال سياسي عام، ومجال خاصّ متميّز ومنفصل. ولهذا نستطيع أن نفهم-إذا ما وضعنا هذه البصيرة النسوية في الحسبان- لماذا شكّكت الفيلسوفة التربوية ماري ليتش leechفي إصلاحات مقترحة في تعليم المعلّمين وفي مهنة التعليم ما لم تأخذ تلك المقترحات وذلك الإصلاح بعين الاعتبار أنّ أغلبية أولئك الذين يدخلون هذا الحقل هن من النساء اللواتي لمسؤولياتهن خارج المدرسة تداعيات على عملهن في المدرسة (والعكس صحيح).

وهي ترى أنّ تطوير تدريب المعلّم أو المعلمة وممارسة التعليم  يتطلّب تفكيرا في البعد الجندري في حياة المعلمين والمعلمات المتوقّع التحاقهم أو التحاقهن بسلك التعليم أو حتى من سبق لهم الانخراط فيه أصلا.

 لقد كان للنسوية أيضا تأثير كبير في كيفية نظر فلاسفة التعليم إلى علم أصول التعليم وعلاقة المعلّم بالطالب بشكل أعم. فقد دأب المؤمنون بهذه الفلسفة ولمدة طويلة على انتقاد ما اعتبروه أشكالا أبوية من القوّة والسلطة. ولهذا وجدنا أن أحد الأسئلة المهمة التي تم طرحها ومناقشتها بقوة هي كيف أو في الحقيقة هل يمكن أن نسوغ سلطة المعلّم(لوك، 1996). في حين راح مؤلفون آخرون يركزون على الجنس أو ارتباط المقاربات ذات الصلة بالنوع الاجتماعي بمعرفة نتائجها في التعليم (بيلنكي، 1986). كما غدت المضايقات أو التحرش الجنسي في تجلياته المختلفة مصدر اهتمام عند بعض فلاسفة التعليم أيضا (رايس، 1996). بالإضافة إلى ذلك، فقد أثارت الثقافة النسوية تحليلات فلسفية عن أنواع العلاقات والممارسات التي  أهملها  فلاسفة التعليم في الماضي عموما. فذهبت سارة روديك Ruddick إلى أنّ التربية تشكّل نوعا من الممارسة المدفوعة بالبقاء، والنمو، والقبول الاجتماعي (روديك، 1989). فالانخراط في ممارسة التربية كما ترى روديك يعزز تبني بعض المواقف الميتافيزيقية، والقدرات المعرفية، والمفاهيم القيمة. وعليه فإن التربية من منظور روديك ذات أهمية تربوية عميقة.

لقد مال معظم الأدب الذي نشره رواد أو رائدات النسوية في الستّينات وحتى عهد قريب جدا إلى التركيز على تجارب واهتمامات البيض (ونساء وبنات الطبقة المتوسطة عموما) وترافق مع هذا التركيز افتراض مسبق مفاده أن جميع النساء والبنات في أغلب الأحيان يعشن التجارب ذاتها ولهن الاهتمامات ذاتها. على أننا بتنا نرى خلال العقد الماضي، قيام عدد متزايد من المؤمنين بالنسوية بإظهار حسّاسية أعظم حيال الاختلافات بين النساء سواء في النوع، أو الثقافة، أو التوجه الجنسي، وغيرها من العوامل. وبتنا نرى في فلسفة التعليم أيضا، تقديرا متزايدا لمثل هذه الاختلافات ونتائجها على النظرية والممارسة التربوية. ولقد ساهمت أعمال نسوية آسيوية وإفريقية وأخرى جاءت من أقوام أخرى ملونة في نقد الصفة العالميّة المزعومة لبعض النظريات التربوية والأخلاقية(تومسن، 1998).

 لقد حاولت في العرض السابق أن أقدم عيّنة على بعض أنواع المواضيع والنظرات التي تبنّاها فلاسفة تعليم متأثرين بالفلسفة النسوية. والحقيقة أنّ نظرة شاملة في هذه القضية تحتاج إلى مجلد كامل مما يشير إلى مدى وعمق الملاحظات التي نبهت إليها مارتن حول قلة الانتباه إلى الجنس في من أعمال فلاسفة التعليم.

References       

Belenky, M. F. et al. (1986). Women's Ways of Knowing: The Development of Self, Voice and Mind. New York: Basic Books.

Burbules, N. C. (Forthcoming). Purposes and Ideas of Education: Perspectives from the Philosophy. In Bob Moon, Miriam Ben-Peretz, and Sally Brown (Eds.), Routledge International Companion to Education. New York: Routledge.

Gilligan, C. (1982). In a Different Voice: Psychological Theory and Women's Development. Cambridge: Harvard University Press.

Geismar, K and Nicoleau, G. (Eds.), (1993). Teaching for Change:\ Addressing Issues of Difference in the College Classroom. Cambridge: Harvard Educational Review, 1993.

Luke, C. (1996). Feminist Pedagogy Theory: Reflections on Power and Authority. Educational Theory 46, 3: 283-302.

Noddings, N. (1984). Caring: A Feminine Approach to Ethics and Moral Education. Berkeley: University of California Press.

Noddings, N. (1995) Philosophy of Education. Boulder: Westview, 1995.

Martin, J. R. Excluding Women from the Educational Realm. Harvard Educational Review 52: 133-48.

Martin, J. R. (1985). Reclaiming a Conversation: The Ideal of the Educated Woman. New Haven: Yale University Press.

Martin, J. R. (1999). Women, Schools, and Cultural Wealth. In Titone, Connie and Maloney, Karen E. (Eds.), Women's Philosophy of Education: Thinking Through our Mothers. Upper Saddle River, New Jersey: Merrill, 149-177.

Nussbaum, M. C. (1997). Cultivating Humanity: A Classical Defense of Reform in Liberal Education. Cambridge: Harvard University Press.

Okin, S. M. (1989). Justice, Gender, and the Family. New York: Basic Books.

Rice, S. (1996). The “Discovery” and Evaluation of Sexual Harassment as an Educational Issue. Initiatives 57, 2: 1-14.

Ruddick, S. (1989). Maternal Thinking: Toward a Politics of Peace. New York: Ballantine.

Thompson, A. (1998). Not the Color Purple: Black Feminist Lessons for Education Caring. Harvard Educational Review 68, 4: 522-554.

Titone, Connie and Maloney, Karen E. (Eds.). 1999. Women's Philosophy of Education: Thinking Through our Mothers. Upper Saddle River, New Jersey: Merrill.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1289 السبت 16/01/2010)

 

 

في المثقف اليوم