قضايا وآراء

البشرية : وأكذوبة العقلانيات ومهزلات الديكور - قراطيات (1)

 

تجليات العقل الغربي في الحضارة العضوانية المعاصرة؟

 صمت كبار آلهات أعالي الأولمب الجدد لهذاالعالم المتحضردهرا… وبعد لأي، نطقوا كفرا، وعندها تمخض جبل مؤتمر كوبنهاغن الأخيرمن شهرديسمبرلعام 2009، فولدفأرا، حيث أسفرهذاالتجمع البالزاكي لكبارقادة العالم المتحضربمنظريهم ومستشاريهم، عن فشلهم الذريع المثير للسخرية والحيرة والتساؤلات، في شأن ايجاد الحلول المصيرية لصيانة الكرة الأرضية ومآل البشرالصحي والوجودي في هذا الكون المترنح السكران، الذي أصبح أكثرهشاشة، وأكثرخطورة على ساكنيه عن أي وقت مضي، فارتعب عندئد العقلانيون واللاعقلانيون والمتمردون والفوضويون والمثاليون والمهرجون، وكأن الكل أصيب بالعته والبله

 كماتخارس كل آلاهات العقل المزعومين - غرباوشرقا - من فلاسفة ومنظرين وأخلاقيين ومصلحين، من الذين طالما ردودوا الأطروحات الورردية والوهمية القديمة لأحسن العوالم meilleur des mondes التي بشر بهاأنبياء الأنوارالألمانيين، والاجتماعيين التنويريين الفرنسيين، والاقتصاديين النفعيين–الماديين الأنغلوساكسونيين، أوالبراغماتيين الانتقائيين اللاأخلاقيين الأمريكيين، منذصبيحة القرن التاسع عشر(قرن الايديولوجيات بحق، وعصرالفلسفة بامتياز) حيث أصبح لأطروحات أحسن العوالم سدنتها وفقهاؤها ابان واشعاع الكانطية والهيغلية، حتى فترة الثورة البولشفية عام 1917، وأعيدترميم هذه الطروحات من دعاة ما أطلق عليه ب الكانطية والهيغلية الجديدتين Néo - KntismeوNéo - Héglisme، بعيد ما مابعد مهزلة الحرب العبثية الكبرى اللاعقلانية ما بين كبريات أقدم الديمقراطيات الغربية عام 1938، التي لم تفلح تلك التنظيرات الوردية الملهمة للفلاسفة الليبراليين والأنارشيين(الفوضويين) والمثاليين على السواء، ومن سائرالمفكرين والمبدعين الصادقين منهم والكاذبين، في عقلنة هذا الغرب التنويري وكبح جماح همجيته وهستراته البشعة سواء في حروبه الكولونيالية المقيتة، أو قبيل الاعداد لحربيه العبثيتين المدمرتين الكبريين(14 و38) اللتان خلفتاعلىالرقعةالأوربيةالمتحضرة والديموقراطية حتىالنخاع، وفي أقل من نصف قرن، أزيد من مائة مليون من القتلي، وملايين من الجرحى والمعطوبين، والأرامل واليتامى ناهيك عن التدمير الحضاري، ومخلفات الرعب الانساني..، ولقد حدث هذابالأمس القريب، حتىأواسط أربعينات القرن الماضي

 أمااليوم، فان السيناريوالمعد، غربيا، يبدوأشد قتامة، حيث يشهدالعالم غلياناهائلا باحتمال نهوض كافة الحضارات المضطهدة ضد حضارة الرجل الأبيض - حتى من داخل هذه الحضارة الغربية نفسها كما توضح جيدا تلك الحشودالهائلة من الشباب المناهضين كلما اجتمع هؤلاء الكبار في عواصم العالم الطبرى - حيث سيكون الصراع طويلا ومرعبا، ويعتقد تماما بأن حضارة الرجل الأبيض ستخسره على المدى البعيد، وسيكون هذاعصرا وسيطا جديداللمستضعفين في الأرض كما تنبأ بذلك Romain Roland في تسعينيات القرن الماضي..، وسيكون الصراع أكثرشراسة، لاصرارالغرب على تكرارنفس أخطائه التاريخية، بفرض أطروحاته وفلسفاته ورؤاه بالقصف والتدمير، قصداجتياح ما تبقى من اليابسةاستكمالا للحلم( الهيليني - الروماني - التوراتي) القديم، وتلبية لنداء العالم الفسيح الذي لاينقطع لآلهات الأولمب في عليائها، واستجابة لغرمزات وتعاويد كهنة اليهودية الأوائل في معابدهم،

 فالغرب قدأوصد - منذ بدايته - كل الآفاق الجديدة للبشرية، وأحكم الرتاج على كل الامكانيات للتلاقح أوالتقابس، أوالتلاحم الحضاري للشعوب والأمم والحضارات والثقافات، أوامكانية الحوارالندي مع الآخرين، حيث أسند الغرب الى نفسه كونه أم البشرية الأولي، ومنقبة الانسانية العظمى، بخلق أول الانشطارات الكونية الأولى في التاريخ الانساني، كمااصطلح على تسميتها، أبوالفلسفة الألمانية نتشه حيث درج الغرب على تلفيق مسوغات تحقيق هذياناته منذ سقراطه وأفلاطونه، مما دفع نتشه الى التمرد على هذه الغطرسة الهيلينية، وتعالي فلاسفتها النرجيسيين في عدميته حين قال بان سقراط يمثل بداية الانحطاط للبشرية مع تلميذه أفلاطون، وأرسطوالذين أفسدوا خلال2500 سنة التاريخ الفكري للبشرية ب فلسفة الكائن التي تعتبرأساس كل الهمينات الغربية لاحقا، ثم عاشت البشرية تتناتج هذا الانشطارالهيليني عبرحروب الغرب الصليبية التي يصفها المؤرخون والأنثروبولوجيون الأوروبيون بأنها من أكبرالمغامرات بشاعة وجنونا وغرابة يمكن أن يتصورها العقل البشري التي لطخت طهارة الصليب بدماء قوم المسيح عليه السلام في بيت المقدس وما يزالون منذ القرن الثاني عشرالميلادي الى اليوم عبرالتوليفة الجديدة ل مجموعة بروكسل - اسرائيل الولايات المتحدة

 أما اليوم، فلا مراء في أننا كلما أوغلنا بتفكيرنا في فجاج القضايا المعاصرة المطروحة على بساط الدرس في المنتديات الدولية في كبريات مدن العالم المتحضر، وأجلنا أنظارنا في اعتلال هذه الحضارة الغربية العضوانية المعاصرة، ومتاه السلوك البربري المعاصرالمهيمن حاليا على البشرية باسم الفكرو الحضارة و الثقافة، الا وتملكتنا الحيرة والهلع مما نلمسه ونشاهده من آثار وتجليات، بدون الحاجة الى معميات الأبحاث الأكاديمية، ولا تعقيدات الدراسات الجامعية مثل:

 - الفوضى الاقتصادية العارمة، والبطالةالمتعملقة، وارتفاع الأسعار، وأزمة الطاقة، وتناقص البيترول، وما سينجم عنها من معضلات لا يلوح أي حل لها في الأفق القريب - كما خلصت اليه الندوات والمدارسات والمؤتمرات للمتخصصين الدوليين بمنظمة اليونسكولعام 2009بباريس، واللقاءات المغلقة والمعلنة للكبار و الصغار في كبريات عواصم العالم..

 - مؤشرات اندلاع الحروب والثورات والانقلابات في العوالم الدنيا الواقعة في خطوط تماس الفقر والتخلف والأمراض والأوبئة المهددة لعوالم الشمال المخملية

 - تنامي ملايين أمراض الجسم والنفس والعقل والروح، حيث لم تعدالأدوية الكيماوية تفلح في علاج 'الباتولوجيات العاهوية الجديدة، والعلل الجسمية والنفسية المستجدة، وأصبح الملاذهوالمخذرات الأقوى drogues dures

 - مظاهر عولمة البربرية الحديثة المتجلية في التطبيع مع ظاهرة تنامي ولائد السفاح والفجور، والبرابرية الخلقية، وتزايد مئات آلاف المنحرفين والمرضى والشواذ والجناة والمجرمين، وارتساخ أخلاق الرفض الجديدة، من اللامبالاة، وتلويث البيئة برا وجوا وبحرا في أراضي الجنة الموعودة التي بشرنا بها مهرطقي فلسفات الما بعد، حيث أصبحت منظمات حماية البيئة تصرخ وتولول أمام متخذي القرارات السياسية بالغرب، و مافيات الشركات المتعددة الجنسيات عن طريق المظاهرات والاعتصامات، وترفع أمامهاالانذارات تلوالانذارات، وتذكرهم بالكوارث المحذقة بالمعمورة والمهددة للجنس البشري في غضون السنوات القليلة المقبلة، يقابله جواب الكبار بالاحتقاروالتنكه بفوبيات هؤلاء والتنذربمثاليتهم و لاواقعيتهم ومتحججين بأنها الديمقراطية، فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر،.. ومن حق هؤلاء المثقفين الحالمين الرومانسيين المثاليين التعبيربالصراخ والعويل والمظاهرات، ومن حق الكبارمن السياسيين العقلاء المالكين لناصية الأمور، الرفض والضحك علىالدقون واحتقارالبشر، ويجب قبول اللعبة!.. فتلك هي الديموقراطية في زمن الديكور - قراطية أو الذل - قراطية - اذا جاز لنا استعارة مصطلح المفكر المغربي المهدي المنجرة .. وماعلى البشرية البلهاء سوىالخنوع والخضوع، انتظارا للدمارأوالطوفان أوالتهلكة أوالنهاية (بالمنظور - التلمودي - البروتستانتي) التي تدفع أنبياء التوراة الى اعلان سقوط بابل، ونهايةالكون، كما يراها حكماء تل أبيب و واشنطن حيث يتناسىهؤلاء الكهنة الجدد بأن نهاية الغرب ليست بالضرورة نهاية العالم، لأن طورالانتكاسات في سياق التاريخ لا يكون سوى جزرمؤقت، ولم يكن قط مرحلة من نظام ثابت لا يتغير، باعتبارأن الفوضى عند الاغريق، والتصورات الدورية القديمة لأفلاطون وأرسطوعن فساد وتحلل الأشكال السياسية، أو التشويش عند العبرانيين هي موقف كوني أصلي، سابق لظهورالنوع البشري، حيث تختلف تصورات مفكري الحضارة الاسلامية مثل العلامة ابن خلدون عن سقوط السلالات المالكة الحضرية التي أوهنت عزيمتها الحضارة الحضرية، وهي خميرة الفردية والأنانية اللذية كما ورد في المقدمة، أوحسب التصورالصيني الكوني الذي يفسر تعاقب الحضارات والسلالات المالكة، حسب القوانين الدورية الفلكية، الىغيرذلك من الرؤى لمختلف الحضارات الانسانية بما فيها التبيتية أوالمكسيكية القديمة، أوحضارة هنود البيرو التي هي أقرب الى مقاربات التصورالأسيوي (الكونفوشيوسي - الاسلامي) كما ضايق ذلك صاحبي صراع الحضارات هنتنغتون و فوكوياما

أما مراكزالأبحاث في الغرب المتخصصة، فلم تعد تملك لنفسها ولا لغيرها نفعا، سوى تكديس آلاف ملفات البحوث التخصصية وضرب الكف بالكف، أمام هول التغول الجديد لمشاريع مافيا الكبار لخنق العالم الثالث باحتكاره لمياهه وخيراته - وبيعها لأصحابها بأثمان خيالية، بأبشع أنواع التحايل والنصب، مع استنزاف المتبقي من أراضيه الزراعية وقتلها بالمبيدات (كماتتم التجربة حاليا في بلد زراعي عربي مثل المغرب)، منذ أن تم الاعلان في بدايات هذا القرن، بأن أزمة الماء ستكون أكثرأزمات الجنوب خنقا، وبالتي، فمن حسن الفطن، الاستحواذ عليها الآن، لأن الحروب القادمة، ستكون من أجل الحفاظ على مصبات المياه في العالم الثالث لصالح مافيات الكبار، بعد أن استنزفت الامبرياليات القديمة خيرات هذه الدول الطبيعية في الفترات الكولونيالية السابقة باسم التنوير، وهاهي تعود الى تفقيرها وتجويعها، وابادة شعوبها وثقافاتها باسم التحضير

 - ظواهرمعضلات الاختناق المسكني، وانتشارملايين المتسولين والمنكوبين في الأقاصي والأداني من السكان المحليين الأوروبيين، ومن النازحين من دول أوروبا الشرقية، يستجدون فتات الموائد ونفايات ومحتويات الزبالة والقمامات، وأصبحت هذه المشاهد مألوفة في شوارع باريس وجنيف وبروكسل وأمستردام، ونيويورك ولندن وفيينا ومدريد وفي في أحيائها الراقية وساحاتها التاريخية الأثرية، وصولا الى آخرالأوجاع الكونية، من الفيضانات المروعة، والنوائب الوجودية، التي باتت تقصم ظهرالعالمين، بموجب التناسل الزولوجي المتطيش والفقر المتغول، وهيمنة الثقافة الداروينية الجديدة المتزايدة قدما، أمام عجزالحكومات والمنظمات والسياسات الدولية.. وأي عجب في الأمر، مادام أنه في كل الدورات الأرضية المقبلة، سيتهالك على الدعقاء ملايين الولائد البشرية الفاغرة أشداقها الى المطعم والملبس والمسكن، والجنس، الى أن يصفر(من الاصفرار) النوع البشري من أية قيمة أنطولوجية، أوصبغة روحية، وحيث ستنمحي كل معاني الجوهر والوجود والغائية طرا،.. اذ حينما يتعاظم مقاس الأقوام البشرية الى حجم ملاييرالأطنان من اللحوم البلهاء المقهورة والمغلوبة على أمرها، تتقلص عندها الفلسفات الآدمية، وتنزاح المذاهب الأنيقة، والأفكارالانسانية والقيم الروحية، لتفسح المجال لانتصاب الديانات التحتيةالتخريبية الجديدة (sous - religions، ( والايديولوجيات العضوانية المادية، وكل أنواع البربريات بأسماء السماوات والأرض..

فلقد قالوا للبشرية قديما، بأن الانسان حيوان عاقل Homo Sapiens، فحولوه الىحيوان انفعالي وعدواني وضحوك وبكاء، ثم تحول الى انسان مدنيvil ciا ثم الى حيوان اقتصاديHomo Economicusوأوصلوه الىحيوان ايروتيكي Homo Eroticus في عصر العلم والتقنية والرفاه، وفي ظل عولمة القيم العضوانية الجديدة، وفلسفات كسرالمحرمات، وهتك المقدسات، وسبرأغوارالنفس البشرية، استجابة لمقولتي فرويد و بيكاسو كل مالانستطيع الوصول أوالقضاء عليه من الأعلى، نقوم بذلك من الأسفل، فأصبحت وظيفة الانسان الوحيدة هي الشبقية، اعلاء من قيمته الآدمية - كمايراهاالشبقيون والشبقيات الجدد - ولفصله - كما تراها أطروحات الفوضى الزولوجيةالجديدة - عن قسريةالحياةالتناسليةالحيوانية كماصرح أحد أنبياء الرفث الجدد من الظرفاء الفرنسيين، من دعاة العودة الى الأبيقوريات اليونانية القديمة في مجلةexpresseا الفرنسية، بالدعوة الى عدم التفكيرفي الهزات الاقتصادية الحالية، والأزمات الوجودية المعاصرة، بل الاكتفاء في التفكير بالارتماء والكرع من اللذات الهيلينية، وليأت الطوفان بعدذلك، كما حدث في الزمن السرمدي في أثيناالتليدة، وروما الخالدة،

 أما عندنا فان الاحصائيات التجارية والتسوقية للسنوات العشرالأخيرة للدراسات السوسيولوجية المتخصصة في الاستهلاك التجاري، حصرت ظاهرة هسترة ميول السوق الجديد ل فنون الزولوجيةالجديدة، والاقبال علىكادجياتها وتقنياتها، تنحصرفي خمس دول عربية في مقدمة مستهلكي فنون الخنا والرفث بأحدث التقنيات المستوردة خارجيا، تليها دولة أوربية فقيرة هي بولونيا، ودول من شرق أوروبا وخاصة روسيا، بحيث تأتي الدول المصدرة لهذه الكادجيات مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وهولاندا في الأدوارالعاشرة، عكس ما كان يعتقد في أوطاننا المحتشمة

!!انها ظاهرة العقل المتفتح الجديد المنفتح على كل جديد، وعلى الدنيا العفاء بعد ذلك... وللموضوع صلة

 

baiti@hotmail. fr

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1290 الاثنين 18/01/2010)

 

 

في المثقف اليوم