آراء

التمزق الشيعي القادم في العراق

سالم الشمريتبوء المذهب الشيعي مكانة جدلية في التفكير الديني، ويعد حالة استثنائيه في التاريخ الاسلامي . فعلى الرغم من انه مذهب سياسي عقيدة {الامامة} وخطابا { الانتظار } الا انه لم يحض بالدولة ولم يمتلكها رغم تضحياته الجسام . وهو- اي التشيع - وان تبلور خارج الدولة واستمر خصما لها وضحية مستمرة لعنفها وبطشها، الا انه لم يكترث لها من شدة هيامه بالتاريخ . وقد بلغ به الهيام كي لايكون خارج الدولة حسب وانما خارج زمنها ومسارها وايقاعها . ففيما ﻛﺎﻧﺖ الدولة الاسلامية تتوسع وتترامى اطرافها وتقوى مركزيتها، كان المذهب الشيعي يتشتت ويتمزق لفرق عديدة وكلما رسخت دولة الخلافة من كيانها تناثرت فكرة الامامة واصبح لكل فرقة امام فمن الزيدية الى الكيسانية ثم الكاملية فالهشامية واليوﻧﺴﻴﺔ والنصيرية والاسحاقية والحزمية والمزدكية والجعفرية والنواسية والشميطية والافطحية والعمارية والموسوية والواقفية والسندبادية والذقولية والمبيضة والاسماعيلية والاخبارية والقرامطة والتعليمية وغيرها. والقمي اول من قال بهذا الراي وهو ان اول الفرﻕالتي ظهرت في الاسلام هم الشيعة، كما ان المسعودي في مروج الذهب {221/3} وهو شيعي معتزلي قد اكد ان انقسام الشيعة الى 73 فرقة وكل فرقة تكفر الفرقه الاخرى.

المفارقة هي ان ما ان تهاوت الدولة الاسلامية ﺍﻟﻔﺎﺷﻴﺔ في نهاية المطاف حتى اﻧﻘﺮﺿﺖ اغلب الفرق الشيعية ولم يبق منها الا الفرق القائلة ﺑﻜﻔﺮ الدولة وكل دولة قبل الظهور ﺑﺎﻃﻠﺔ . وهذا لعمري نهاية مثيرة ومحيرة في آن، ويحلينا هذا الى جدلية العقائدي والسياسي في الفكر ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ الشيعي القلق، وفيما اذا كان الصراع التاريخي عقائديا ام سياسيا .. الا ان الاكثر حيرة هو انبثاق التشيع السياسي بعد ان خلصت العقيدة المثقلة بالتاريخ الى ان السياسة ليست من الدين وانها محض كفر فيما شق التشيع السياسي طريقه بشعار ديننا عين سياستنا.

لايمكن فهم العلاقة بين العقائدي والسياسي بمعزل عن اﻟﺘﺎﺭﻳﺦ . بمعنى ان ﺍﻗﺘﻨﺎء الدولة في التفكير الشيعي ليس حلما لان التشيع مسكون بنهاية الزمان وقيام دولة الحق في اخر التاريخ، ولعل حقيقة ان الدولة خصم تاريخي في الوعي الشيعي هو الذي يفسر سبب نهب ممتلكات الدولة وتدميرها . اي ان الرغبة الشيعية للانتقام من الدولة صار سببا لامتلاكها.

قد يعلل البعض بان المسؤولية تقع على التشيع السياسي ويحملون احزاب النشالة تفريغ الدولة وافراغها نهبا . لكن الانفعال النفسي لافكار وارادات القلة هي التي ترسم مسار الطائفة ويجري تعليل الانقياد الاعمى للاكثرية الشيعية بانعدام الثقة بالطوائف الاخرى، ومن هنا تبدو المخططات السياسية المبنية على التمترس الطائفي كما في حكم عقد ونيف من حكم حزب الحرامية للدولة هو ايذانا بببداية شرخ جديدعلى حساب الدائرة الشيعية الاوسع . اذ لطالما سخرت القلة طوائفها لمصالح ضيقة جدا .

مانشهده حاليا هو انقسام غير مسبوق في الساحة الشيعية العراقية وعلى اكثر من صعيد . . انقسام حول الحشد الشعبي الذي صار بعضه مع الوطن واخر ضده وتكهنات باصدار فتوى الغاء الحشد وسحب السلاح منه. وانقسام حول المرجعية في ظل النفوذ الايراني الواضح وسعي طهران لتقويض مرجعية النجف. وانقسام على سياسة الدولة . والاخطر هو الانقسام المجتمعي القيمي في العراق بعد اهتزاز صورة الدين لدى الاغلبية الشيعية في العراق .

ازعم ان هذا الزمن يستوجب الاعتراف بان الافكار المثالية وان كانت نبيلة الا انها لاتتحقق ولا تحقق نفسها ويعجز المؤمنون من تحقيقها سوى انها تبقى مصدر الهام فقط . ومادامت الدولة لعنة في التفكير الشيعي الا دولة اخر الزمان فمن العبث ان تغطى الشمس بغربال.

 

سالم الشمري / الولايات ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ

 

في المثقف اليوم