آراء
عواصم عربية إكتسحها الموت البطئ
أتركُ لكتاب آخرين الحديث عن إبتسامة بنجامين نتياهو العنصرية بعد أن أتمّ إغتصاب وضم إسرائيل لهضبة لجولان السورية . وأتركُ أيضاً ماهو معروف عن إغتصاب وإحتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية والتوسع في أرض العرب . فحديثي هنا هو عن عواصم عربية شتتها أشخاص أئتمنهم الشعب على جنانها وطبيعتها وتراثها .
وقد يسبقني القارئ في تسمية وتعريف وترقيم عواصم دول عربية مهملة وتحتضر شبه ميته حالياً الى درجة لايشعر بها أسياد مركز الدولة والحكومة القائمة في كيفية إنعاشها.
لو تكلمت أو نطقت عواصم هذه الدول لأبكت ساكنيها . ولو صرخت من التلوث والخراب والأهمال لأسمعت من في أُذنه طرش، ولو أشارت الى موقع الخلل لفتح الأعمى عينه .
لقد كانت عواصم رمزية أسهمت في رفع قيم التاريخ والحضارة . هذه المدن كانت في عيون ناظريها من جنان الأرض بعذوبتها وأنهارها وأشجارها وتغنى بها الشعراء والأدباء .
وأصبحت اليوم تتألم من عدم نقاء أجوائها وبيئتها وسموم نشرها المخرفون الهمج وهم في غيبوبة بعد أن وطأوا أرضها وتسلطوا على السلطة . شعوب لا تتفق في نظراتها مع حكامها بعد أن تلاشى إحساس الحكام الحاضرين بإعادة مدنهم الى الحياة، في أمل أن يتوقفوا عن طلب الله أن يحميها ويحرسها ويمنع بقدرته الألهية سيل الدم في شوارعها وأحيائها .
النفاق والتنافس ودافع إنفرادية مسك السلطة دقت لجميع أحزابهم أجراس الأنذار لتذكيرهم بواجبهم إن كانوا حريصين على الواجب بأمانة.
وفي نقدي المتواضع هنا أشير الى العواصم العربية موضع الحديث والدمار الذي لحقها بدءاً من بغداد ودمشق وصنعاء والخرطوم والقاهرة وطرابلس والجزائر، كمجموعة مدن تاريخية حضارية واضحة للعيان . وبحزن وأسف يراها مواطنيها عواصم اكتست ملامحها صفة الموت البطئ .
في بغداد تباعد فكري بين مايجول في خاطر الشعب والحكومة الغير ملمة بالعمل الأنجازي المطلوب والتسريع بتجديد و ترميم ما خربته قوى الأرهاب . في ضواحي دمشق ظلت جماعات لسنوات تحاول إسقاط النظام حتى لو كلف الأمر خراب ودمار كل مؤسسات الدولة ومدنها التاريخية. في صنعاء تدور المعارك بين المذاهب الأسلامية وبإسناد من تحالفات أجنبية مشبوهة. في الخرطوم تحاول الأحزاب المناوئة لعمر البشير إزاحته من السلطة . وفي القاهرة تدور الحرب الخفية المعلنة بين الجنرال السيسي من جهة والأخوان المسلمين من جهة. وفي طرابلس عاصمة ليبيا تحيطُ قوات الجنرال الخليفة حفتر بضواحيها وتقصفها بالمدفعية بهدف إسقاط حكومة السراج الحالية . وفي العاصمة الجزائرية يتظاهر المواطنون وهم على حافة النار لإخراج الرئيس بوتفليقة وأنصاره بعد حكم دام لأكثر من عشرين سنه لرجل فوق الثمانين سنه من العمر .
ميدان الصراع في أواسط هذه العواصم العربية بعد أن اكتست ملامحها مظاهر الأهمال. والمعنى الخفي هو تأجيل كل ماتتطلبه من تنمية ونمو يتناسب مع حاضر الزمن. والملاحظ بالتحليل السياسي الذي أنوي خوضه هنا هو ان العقيدة العشائرية القبلية والحزبية كانت الطابع الذي نمى وينمو مع أشخاص تملكتهم روح السلطة والنفوذ وشيطنته، وحافظت عليه بقتال أمتها حتى لو أدى هذا القتال الى دمار جمالية العاصمة التي يديرون شؤونها .
ماأحقر دمار عاصمة يتركها أهلها ويصوّرها مطبلو النظام أنها مازالت تتمتع تتربع الجمال والأزدهار . وما أحقر روئية مرتكبو الدمار بإعلامهم المزيف لا يلتفتون الى معاناة هروب الأباء والأمهات ورمي أبنائهم في أحضان دول أجنبية .
ملاحظة أخيرة . كيف ستنمو السياحة في بلاد تتقاتل فيه الحكومة مع شعبها في وسط عواصمها؟ و بعد أن أتمّ بنجامين نتياهو ضم هضبة الجولان السورية لإسرائيل، سيبقى مبتسماً وهو يرى عواصم عربية بائسة تدكها برصاص القتل حكوماتهم الغبية بلا تردد . عواصم اكتست ملامحها صفة الموت البطئ.
ضياء الحكيم - كاتب وباحث سياسي