آراء

عدالة حكم العدالة

ضياء الحكيمغنى وفقر العدالة المهزوزة في عالم تعرض لهزات دنيوية جعل العدالة الحقيقية في مأزق ووضع قضاة تطبيقها في مواقف تعمُها فوضى الإقرار والخوف من إصدار الأحكام الصحيحة. 

التسويف والتأجيل والقسوة والتحقيق قبل الإحالة والأعفاء والأفراج والأقرار وإسقاط التهم مازالت من أُسس العدالة التي أُدخلت الى المجتمعات في عالم مشوه بالأطماع والمصالح الشخصية.   فمن خنق العدالة الإنسانية؟ 

لنرجع الى الوراء تاريخياً نجد أن خنق العدالة  لم يبدأ بسلطة واحدة . ونجد بإختبار ماقاله بن خلدون " العدل أساس المُلك " وأقوال أخرى تعود بنا الى معرفة عميقة عن أسس الحكم العادل والحكم الجائر والساكت عن الحق شيطان أخرس ؟ فسلطة القاضي هي إمتلاك تصحيح الأمور المعوجة وتخويله بقوانين قيادة بسط حكمه في القضايا الإجرامية منها والسياسية والأجتماعية . العدالة والمحاكم العليا وسلطات برلمانات الدول والمحاكم العسكرية المقامة بعد الإنقلابات العسكرية والمحاكم الشعبية وأحكامها العرفية  كلها تداخلت في تقييم الأدلة الباطلة  بتدخل البرج الأعلى للحاكم وبلاطه الملكي ومستشاريه وتسفيه التحقيق وخنقه والتفريط بالحقوق المدنية. ومختصرها كما نرى اليوم أن كل السلطات القانونية مُخترقة .

 تسميم أجواء العدالة تراه في دولة الديمقراطية أمريكا حيث معظم القضاة يخدمون الرجل المهيمن على البيت الأبيض ومن يعارض يتم عزله . وفي صراع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وتشهيره بسلطة مجلس النواب والمحكمة العليا وعزله للمدعي العام الأمريكي والقضاة ورئيس مكتب التحقيقات الفدرالي ووضع محاميه الشخصي مايكل كوهين في السجن يعطيك الفكرة عن مجرى العدالة البائسة . 

الترابط التاريخي للعدالة يشهدها العالم بسيكولوجية الأقوى وتوزيع فهمه الشخصي والطبقي والعنصري والقومي لها عند إنزال العقوبة بأفراد. بكلمة أخرى " العدالة محاصرة " والقضاة بجببهم وصداريهم وقبعاتهم يتنفسون بصعوبة بسبب العطل الذي أصاب روح العدالة كما قال بعض السياسيين في الكونجرس الأمريكي . وسجن العدالة في دولة كإسرائيل مثلاً وضع الشعب الفلسطيني محاط بالجدران وخنقه  داخل ممتلكات أرضه.   

في العراق ظهرت  شخصيات معوجة الفكر والقرار ولم تفهم من العدالة إلا أسوأ مضامينها كالأعدام والرمي بالرصاص وجز الرؤوس دون محاكمة. أحدهم البغدادي و مؤخراً "واثق البطاط ومليشياته المسماة جيش المختار" وتهديده بهمجية لأي معارض بقلع عيونه وقطع جماجم معارضيه . أهي قراءة مستقاة من أقول الحجاج؟ فالحجاح بن يوسف الثقفي (41 - 95 هـ) وفي خطبة محببة للبعض قال لأهل العراق نصاً " إني أرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها، وإني لقاطفها " كما أشار إلى سيفه وقال: والله لآخذن صغيركم بكبيركم، والحرُ بعبدكم، ثم لأرصعنكم رصع الحداد الحديدة، والخباز العجينة ".

مخاطر حقيقية تعصف بشرعية العدالة  في عالم مشوه بالأطماع والمصالح الشخصية وقبول البعض إنفرادية حكم البلاط الملكي وعدم الإصطدام بالملك أو الرئيس . والنقد الحالي هو وضع سلطة الرجل القابض للحكم نفسه في موضع القضاة. وبموجب هذه الفهم  بدأ القضاة رحلة العدالة  بفردية لاتستسيغها إلا المواقع السلطوية للسياسي والحاكم والقاضي، ولعبه كل أدوار (عدالة حكم العدالة). والملاحظ علاقة السلطة القضائية ووزارات العدل انها تشهد إضطراباً في أداء قسم الولاء للعدل وإبداء الرفض القاطع لتدخل السلطة الفردية وتسببها في سحق حقوق الأنسان التي أقرتها له منظمة حقوق الانسان الدولية عام 1948 .

حصار السلطة العليا في الدولة وقبضتها على القضاء الماثل للأنحناء والخوف من قسوة الطبقة السائدة المتنفذة وبطشها  يصبح (العدل أساس الحكم) مجرد شعار .

 

ضياء الحكيم - كاتب وباحث سياسي

 

في المثقف اليوم