آراء

حِراكُ الشُّعوبِ ومسألة التَّحَرُّرِ

علجية عيشعندما يبرز المال كقوة وكسلاح بين أيدي رؤوس المال، تكون لهم القدرة على توجيه الرأي العام عن طريق التحكم في الإعلام وبالطريقة النازية، وهي الأسباب التي دفعت الجماهير الشعبية إلى التمرد والخروج إلى الشوارع في مسيرات سلمية حضارية من أجل التحرر من التبعية للسلطة وإعادة النظر في السياسيات الفاشلة اتي عرقلت إنجاح الإصلاحات وإعادة النظر كذلك في مفهوم الحكم الراشد الذي حصره البعض في إطار ليبرالي والأخذ في الحسبان دور اللوبيات

يجمع الملاحظون أن الثورات الشعبية أو كما أطلق عليه اصطلاح الحراك الشعبي الذي اشتعلت نيرانه والتهبت في مختلف دول العالم قادته جماهير تتطلع إلى الحرية الحقيقية وإلى العدالة الإجتماعية ونادت ببناء نظام أساسه العدل والحرية، ولعل الجزائر كانت السباقة في إشعال هذا الفتيل عندما خرج المواطنون وهم يشتعلون غضبا يوم 22 فبراير 2019 لرفع عدة مطالب، من أجل تحقيق التغيير الجذري، فقد عاشت الشوارع الجزائرية أجواءً أعادت للجزائريين المراحل التي عاشوها أيام الثورة، فكانت الذاكرة الجماعية حاضرة بقوة عندما خرجت الجماهير في مظاهرات تندد بالممارسات الإستعمارية وسياسية العنف التي مارستها فرسا، لكن هذه المرة كانت الإنتفاضة ضد الممارسات التعسفية للسلطة، حدث نفس الشيئ في العراق والسودان وفي سوريا وفي مصر وفي تونس وفي البلاد الأخرى، كما أن الحراك الشعبي لم يحدث في العالم العربي وحده بل حرك مشاعر الأوروبيين أيضا، ومنهم فرنسا باسم حركة السترات الصفراء.

و إن كانت هذه الإنتفاضات تشبه إلى حد ما انتفاضة البحرين في فبراير2011، ففي الجزائر كان الحراك فريدا من نوعه لأنه ترك أثرا على كل المستويات، بحيث انتشر وتوسع نطاقه بقوة جددت فيه مطالب عديدة: ضمان حقوق الإنسان وتوفير له مجالا واسعا من الحرية والديمقراطية والمشاركة في صنع القرار ومحاربة الفساد والقضاء على التبعية، وإن تحقق جزء من المطالب كما حدث في الجزائر بمحاسبة المتورطين في الفساد وجرهم إلى المحاكم، فالإنتفاضة مستمرة من أجل التحرّر من العبودية المقننة التي فرضتها السلطة، وكذب الحكام والمسؤولين على الشعوب ونهب أموالهم بقوانين وضعت على المقاس، في وقت تميز بتحولات سريعة واستعجالية أضحت الوسائل (المال) عبارة عن مفاهيم بدون معنى ثابت، أي تحركها الأهواء، ومن له المال والوسائل تكون له الشرعية ويكون هو صاحب القوة ومالكها.

ما يهمنا هنا هو فكرة "التحرّر" التي طالما تغنى بها الشعراء، ونادت بها الفلسفات والأديان، وتعطشت إليها الجماهير التي استقبلت الموت بالأحضان من أجل أن تعيش هذا الشعور، هذا المصطلح الماركسي الذي وصل صداه إلى هيأة الأمم المتحدة في مؤتمرات عديدة، بدءًا من مؤتمر باندونغ لحل النزاعات الخارجية والداخلية التي وظفت لصالح إيديولوجيات معينة وحق تقرير مصير الشعوب، وإن كان الموالون للسلطة يرون أن النزاعات الداخلية ظاهرة سلبية كونها مخلة بوظائف النظام، وتدخل البلاد في فوضى، فالحراك الشعبي في سلميته وحضارته أثبت للعالم كله أن الجماهير الشعبية اصبحت تتميز بوعي سياسي، وبعيدًا عن الجانب الديني، لا أحد يمكنه أن ينكر أن فكرة التحرر نادى بها الماركسيون وهو بالنسبة لهم شعور الإنسان بالوضعية التي يعيش فيها وشعوره بضرورة تغيير هذه الوضعية تغييرا جذريا يجعله (أي الإنسان) يعيش في ثورة مستمرة.

والتغيير الجذري عند الماركسيين لا يتحقق إلا إذا كان الفرد يحمل شعورا ممكنا أو كما سمّوه بـ: الشعور المنتظر (التحرّر)، بمعنى الشعور بأن مطالب الجماهير ستتحقق وبكل الطرق، ولكن قد يحدث العكس إذا لم يتوفر مطلب التحرر، حيث يخلق فيهم الشعور بالفراغ، والخيبة، خاصة إذا برز المال كقوة وكسلاح بين أيدي رؤوس المال، إذ يمكّنهم المال من توجيه الرأي العام عن طريق التحكم في الإعلام وبالطريقة النازية، فعندما استولى النازيون على الحكم في المانيا سنة 1933، كان من بين التدابير التي اتخذوها فرض الرقابة على الصحافة، واتباع سياسة عدم التسامح مطلقا مع أي فكر سياسي حر ومستقل.

ولذا يرى الماركسيون أنه وجب تحرير الإعلام من التبعية للحزب أو للنظام وخلق تربة صالحة لتأسيس إعلام واع، إعلام مستقل يعني حرّ، لا تخيفه التهديدت أو وقف عنه الإشهار، وهذا لا يتحقق إلا إذا تحرر الإنسان من الخوف ومن كل القيود، لقد أظهر فيروس كورونا حماس العالم كله في مواجهة الخطر الذي يحدق بالشعوب، فكان التضامن مع الشعوب الشعار الذي رفعته كل الدول، بعيدا عن الإنكماش على الذات AUTARCIE، وهذا يجعلنا نتساءل هل هو الحنين إلى الإشتراكية، وإن كان الأمر كذلك وجب إذن إعادة النظر في السياسيات الفاشلة اتي عرقلت إنجاح الإصلاحات، وإعادة النظر كذلك في مفهوم الحكم الراشد الذي حصره البعض في إطار ليبرالي والأخذ في الحسبان دور اللوبيات.

 

علجية عيش

 

 

في المثقف اليوم