آراء

لماذا ترفض حكومة الوفاق الليبية هدنة المشير خليفة حفتر؟

محمود محمد عليمنذ سقوط نظام معمر القذافي في 20 أكتوبر 2011، ولا تزال ليبيا تعاني التشرذم بين جبهتين تتنافسان على السلطة فيها، حكومة الوفاق الوطني في طرابلس بزعامة فايز السراج المنتمي إلى التحالف القومي الوطني والتي شُكلت في فبراير 2016 بموجب اتفاق الصخيرات الذي وقعه برلمانيون ليبيون في  ديسمبر 2015 تحت رعاية الأمم المتحدة، ويراهن عليها المجتمع الدولي في مواجهة الجماعات المتطرفة. وحكومة أخرى موازية لها في شرق ليبيا بالتحالف مع الجيش الوطني الليبي بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر؛ وبالرغم من الاعتراف الدولي بحكومة السراج، إلا أن حفتر يحظى هو الآخر بدعم كبير من عدد من الدول تشجع خطواته وتحركاته المناهضة لحكومة الوفاق الوطني. الأمر الذي أسهم بشكل كبير في تأجيج عملية طرابلس الحالية وتشجيعها، إلى جانب عدة عوامل دولية وإقليمية أخرى وفرت لحفتر فرصة ذهبية للمضي قدماً نحو طرابلس.

وبعد إعلان تركيا تأكيدها على دعم حكومة الوفاق الوطني وإرسال قواتها العسكرية إليها في حال طلبت ذلك؛ تمت موافقة حكومة الوفاق الوطني في يوم الخميس الموافق 19 ديسمبر الماضي 2019 على تفعيل مذكرة التعاون العسكري التي وقعتها سابقًا مع تركيا، والتي تفتح المجال أمام تدخل مباشر أكبر لأنقرة في ليبيا؛ وفي خطوة أدخلت ليبيا مرحلة جديدة، وجعلت من حل القضية بالصعوبة بمكان ووضعت القيود والعقبات أمام الأمم المتحدة من أجل التوسط لحل سياسي؛ إذ بالفعل، أرسلت تركيا وحدات من قواتها العسكرية إلى ليبيا يوم السادس من يناير 2020 . وذكر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن تلك القوات ستتولى عمليات التنسيق وأن هناك نية لإنشاء مركز عمليات في ليبيا وسيكون هناك فرق أخرى مختلفة كقوة محاربة على الأرض في ليبيا.

ومع انتشر وباء كورونا في أكثر من 162 دولة حول العالم، وبرغم إعلان السلطات الليبية المنقسمة عدم تسجيل أي إصابات بكورونا في البلاد، حتى الاثنين 23 مارس 2020، فقد تصاعدت مخاوفها من احتمال انتشار الوباء، وربما تحوله إلى كارثة، في ظل تردي البنية الصحية للبلاد، وضعف جاهزيتها. لذا، اتخذت حكومة الوفاق الوطني في غرب ليبيا، ونظيرتها الموازية في الشرق، خلال الأيام الماضية، سلسلة من الإجراءات الاحترازية في المناطق الخاضعة لسيطرتهما عسكريًّا لمواجهة فيروس كورونا، منها: حظر التجوال، ومنع التجمعات، وإيقاف المدارس، وإغلاق المنافذ الحدودية والبحرية والجوية، فضلًا عن حزمة من الإجراءات الاقتصادية.

على جانب آخر، رحّب طرفا الصراع في معركة طرابلس (حكومة الوفاق، الجيش الوطني الليبي) يومي 18 و21 مارس على التوالي بدعوات أممية ودولية لإقرار هدنة إنسانية في ليبيا لدعم الجهود المبذولة للتصدي لأزمة كورونا. ومع ذلك، لم تَخْلُ تلك الاستجابة من هشاشة، فلم يمضِ يوم واحد على هذه الهدنة حتى تعرضت لخروقات من أطراف الصراع، إثر القصف المتبادل في جنوبي طرابلس وترهونة.

بذلك، تعرضت تلك الهدنة لمأزق وقف إطلاق النار الذي أعلن عنه منذ 12 يناير الماضي، ولم يفلح في تثبيته لا الحشد الدولي والإقليمي في مؤتمر برلين في الـ19 من الشهر نفسه، ولا ما تمخض عنه من مسار عسكري في جنيف، إذ ظلت مسودة وقف النار التي تم التوصل لها، من خلال اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 برعاية أممية في الـ23 من فبراير الماضي، محل خلاف بين قيادات أطراف الصراع.

من هنا، فإن السؤال المطروح هو: كيف يفكر أطراف الصراع الليبي في أزمة كورونا ومخاطر انتشارها؟ وما مدى تأثير تلك الأزمة على مسارات الحرب والسلام؟ لا سيما في ظل تغير أولويات القوى الخارجية المتدخلة في ليبيا، والتي تركز كل جهودها في التوقيت الراهن على مكافحة انتشار ذلك المرض.

وللإجابة علي كل هذا يمكن القول بأنه خلال فترة توقف الهدنة بسبب كورونا فوجئ خليفة حفتر أن حكومة السراج تمكنت أن إدخال أكثر من 17 ألف من الإرهابيين البلاد (من غازي عنتاب من سوريا وشمال شرق سوريا منذ اتفاق برلين في 17 يناير 2020)، فأضطر أن يقوم بالتحرك الفوري نحو طرابلس للسيطرة عليها من يد الإرهابيين الذين تأويهم حكومة السراج، وفي يوم الأثنين قبل الماضي أعلن حفتر أنه قبل "تفويض الشعب الليبي" له لقيادة البلاد بشكل مباشر.. وأضاف حفتر: "سنستخدم كل الموارد ونستعد للظروف المناسبة لإقامة دولة مدنية دائمة وفق إرادة الشعب وتطلعاته مع مواصلة عملية التحرير حتى النهاية"... وأدى اتفاق الصخيرات المدعوم من الأمم المتحدة عام 2015 إلى تشكيل حكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج.. وندد حفتر بالاتفاق في خطابه الأخير، ووصفه بأنه "صفقة سياسية مريبة دمرت الأمة"..

وبعد يومين من إعلان "إسقاط" اتفاق الصخيرات، أعلن المشير خليفة حفتر " "وقف جميع العمليات العسكرية" للقوات الموالية له، بمناسبة شهر رمضان الذي بدأ في 24 أبريل، "استجابة للدعوات" من كثير من الدول العربية والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي. وقال الناطق باسم قوات القيادة العامة اللواء أحمد المسماري، خلال مؤتمر صحافي بأنه بمناسبة شهر رمضان "وتقديراً واستجابة للدعوات من الدول الشقيقة والصديقة، التي تطالب فيها بوقف القتال خلال هذا الشهر الكريم، تعلن القيادة العامة عن وقف جميع العمليات العسكرية من جانبها". وأكد المسماري، في بيان أن "أي اختراق لوقف العمليات العسكرية من قبل الميليشيات الإرهابية يكون الرد فوريا وقاسيا جدا". وأضاف: "كما نطمئنكم بأنه لا رجوع عن بلوغ الهدف الذي دفع من أجله أبطالنا أرواحهم ودماءهم، وإن استنجد الخونة الجبناء بمرتزقة العالم أجمعين".

من جانب، رفضت حكومة الوفاق الوطنية الليبية الهدنة، واعتبرت أن ما تقدم من خروقات وانتهاكات سابقة لا يعطي فرصة للثقة في أي هدنة مقبلة .. تصريحات أتت علي موقف علي حافة التصريح من قبل الخارجية الإمارتية دعت فيه الأطراف السياسية إلي الالتزام بالعملية السياسية، لكنها في المقابل انتقدت الدور العسكري التركي المعرقل لفرص وقف إطلاق النار، وأثنت علي قوات الجيش الليبي فهل انتهت أي أسس للحوار بين طرفي الأزمة الليبية ؟

والسؤال الآن : هل أعلن حفتر هدنته بسبب ضغط دولي أم أنه مناورة في سياق محاولته تثبيت ما أسماه " قبول التفويض الشعبي"؟.

اعتقد أن ما حدث من المشير خليفة حفتر في إطلاقه للهدنة يصب في خانة مصلحة الشعب الليبي في المقام الأول، فقد ارتاي المشير إلي أن هناك دعوات أممية كثيرة من قبل الجامعة العربية، ومن قبل الأمين العام للأمم المتحدة، والجامعة العربية قد طرحت ما يسمي بإسكات البنادق، والأمين العام للأمم المتحدة منذ حلول شهر رمضان ومن قبله بأسبوع أطلق مبادرة بضرورة أن يكون هناك وقف لكل الصراعات في إقليم الشرق الأوسط تيمناً ببدء شهر رمضان، واعتقد أن حفتر من هذا المنطلق قد تماشي وتعاطف بإيجابية مع هذا الطرح أملاً في إتاحة الفرصة أمام جهود التسوية السلمية، لكن هناك أطراف إقليمية (قطرية –تركية) لعبت دورا كبيراً في الضغط علي حكومة الوفاق لإشعال وتيرة العنف وجذوة التوتر في المنطقة، فكان ما كان خلال الأيام الماضية، حيث شهدنا معارك كثيرة، لعبت فيها تركيا دوراً كبيراً في تحقيق بعض الانتصارات النسبية، لكن هذا الأمر لم ينطلي علي أحد لأن هناك بالفعل سيطرة لقوات الجيش الليبي علي ما يوازي 95 % من مساحة ليبيا، و 85 % من آبار النفط والغاز، واعتقد أن المعادلة الآن في صالح المشير خليفة حفتر والجيش الوطني الليبي باعتبار أن من يملك الأرض يستطيع أن يصنع القرار ويمارس الضغوط ويمتلك أوراق وكروت الضغط ليطرح كثير من الرؤي والأفكار نحو إنقاذ ليبيا من النفق المظلم الذي تدخل عليه دول إقليمية كتركيا وقطر ..

 

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط

......................

المراجع

1- سهير الشربيني : مُستقبل معركة طرابلس والصِّراع في ليبيا.. بين الدبلوماسية والحل العسكري (مقال).

2- د. خالد حنفي على: كيف يفكر أطراف الصراع الليبي في أزمة "كورونا"؟، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة..

3- قوات حفتر تشن هجوماً جديداً على طرابلس هو الأعنف منذ بدء رمضان، عربي بوست، 25/5/2019، متاح على https://bit.ly/2EOctC4

4- مؤشرات الفصل الأخير في معركة طرابلس، بوابة إفريقيا الإخبارية، ٢٢/٧/٢٠١٩، متاح على https://bit.ly/2YvvXlX

5- عبد الباسط غبارة، السيطرة على الأجواء..هل يمهد الجيش الليبي لحسم معركة طرابلس؟، بوابة افريقيا الإخبارية، 24/11/2019، متاح على  shorturl.at/exHU7

  

في المثقف اليوم