آراء

حكم تونس بين حقبتين

العربي بنحماديفي حقبتي بورقيبة وبن علي لم تكن هناك انتخابات يتوفر فيها الحد الادنى من المقاييس الدولية المعلومة. فالتجمع الدستوري الحاكم في فترة زين العابدين  وسلفه الحزب الدستوري تحت حكم بورقيبة كانا يفوزان في الانتخابات بنسب تقترب من 100 في 100.

 والواقع انه لا غرابة في ذلك، فمن لم يمارس الديمفراطية داخل حزبه الحاكم لا يمكن ان يتبرع بها لمنافسيه.

 لكن رغم ذلك، شهدت فترة السبعينات والثمانينات وفي بداية عهدة بن علي انتعاشه في الاعلام الحزبي المعارض والمستقل، الى جانب حركية سياسية وجمعتيه لا بأس بها، وذلك نتيجة نضالات الحركة اليسارية والقومية وبعدها الاسلامية والديمقراطية.

 غير انه في كل مرة تقع فيها انتخابات تُجهض آمال وتموت احلام اجيال ناضلت من اجل نظام ديمقراطي وانتخابات حرة، كما تضعف الاحزاب المعارضة وتتهمش ويصبح البعض منها يدور في فلك الحزب الحاكم، فيما يلتجأ البعض الى السرية على غرار الحركة الاسلامية المنتشرة انتشارا واسعا. وفي آخر عهد بن علي أصبح التضييق على الحريات عاما وشاملا.

فمات نظامه في النفوس والقلوب وحدثت ثورة الكرامة سنة2011 التي لم تكن لها قيادة سياسية معلومة، لكن تحقق الاهم، تحققت ديمقراطية فعلية وانتخابات تستجيب، الى حد كبير، للمقاييس المتعارف عليها دوليا خاصة في انتخابات 2011 مباشرة بعد الثورة.

لكن السؤال المطروح: وماذا بعد؟ اين نحن من أحلامنا؟ هل تحقق بعض من شعارات الثورة المتمثلة في الشغل والكرامة؟ هل فُتحت الملفات الكبرى الخاصة بتطوير الاقتصاد والصحة والتعليم بالخصوص؟ هل تخلصنا من عقلية الحزب الحاكم المهيمن على مقدرات البلاد والعباد؟

فبعد انتخابات 2011 ، حكمت النهضة ذات التوجه الاسلامي مع حزبين ليبراليين ذي توجه اجتماعي، فانتهت التجربة الى فشل، لسبين هامين، اولهما ضعف او انعدام هيكلة حزبي التكتل والمؤتمر شريكي النهضة في الحكم، ثانيهم هو نزعة الهيمنة لدى النهضة التي لم تتوانى عن اختراق حزب المؤتمر، بالخصوص، وفي فترة ما، هددت المرزوقي بعد ان زكته رئيسا على الدولة، وذلك، بسحب الثقة منه بعد ان تجرأ على انتقادها في رسالة وجهها الى مؤتمر حزبه، ذكر فيها نزعة الهيمنة في الحزب الاسلامي على دواليب الدولة.

وبعد انتخابات 2014، حكمت النهضة مع الباجي الذي تصدر حزبه، نداء تونس، صدارة الانتخابات التشريعية رغم نُعته من طرف، انصار النهضة، بالخصوص، ب"نداء التجمع" ، والمقصود هنا حزب التجمع الحاكم الذي وقع حله بعد الثورة. لكن اصبح النداء، فيما بعد، الحليف الاستراتيجي للنهضة والتقى الخطان المتوازيان بعد ان انذر الراحل الباجي زعيم النداء استحالة التقاء النهضة والنداء.

ربط الغنوشي علاقات وطيدة مع الباجي وابنه المرشح الطبيعي لخلافة ابيه، وفهم الباجي ان التخلص من الرافد اليساري للنداء والمستقلين، الذين وراء التصويت المفيد، سوف يحظى برضي النهضة و يخدم طموح ابنه. فتفكك النداء وضعف وتفردت النهضة بالباجي وذهبت آماله ادراج الرياح، وبعد وفاته فر ابنه الى خارج البلاد بعد ان فقد الحماية.

وفي انتخابات 2019 ورغم تحصل النهضة على المرتبة الاولى فإنها فشلت في تشكيل حكومة وألت الامور الى رئيس الدولة صاحب الشرعية الواسعة  الذي عين شخصية لا تحظى بالأجماع لكنها نالت رضا مجلس الشعب، بما في ذلك حركة النهضة التي هي مكون اساسي في تشكيلتها، لكن حركة النهضة لم تهضم فشلها في تشكيل حكومة بقيادتها كما تعللت بان حركة الشعب شريكها في الحكم قد صوت ضد التدخل الاجنبي بليبيا واساسا التدخل التركي، فأعادت الى الاذهان مطالبتها بتشكيل حكومة موسعة يكون قلب تونس الحاصل على المرتبة الثانية في الانتخابات طرفا فيها.

 ومن غرائب الدهر ان النهضة بنت حملتها الانتخابية على شيطنة هذا الحزب الذي زُجّ برئيسة في السجن لأسباب متعلقة بالفساد ولم يُطلق سراحه الا قبل فترة قصيرة من الانتخابات الرئاسية!! التي ترشح فيها وخسرها امام قيس سعيد الرئيس الحالي الذي فاز فيها بفارق شاسع.

وهكذا ففي حقبة غياب الديمقراطية كما في حضورها تتصرف الاحزاب الكبيرة نسبيا بعقلية واحدة وهي عقلية الهيمنة على السلطة، كما لم يتخلص الافراد من عقلية الطمع في السلطة بعد ان تقلصت عقلية الخوف منها نسبيا.

اما عن وعود الاحزاب الانتخابية فلم يتحقق منها شيئا يذكر.

ان نعمة الحرية مكسب ثمين للشعب التونسي تحققت بالدموع والدماء، غير ان هرطقة السياسيين وصراعاتهم العبثية وصراخهم قد يُفرغ هذا المكسب من محتواه وجدواه ويدعو الناس المطالبة بحكم قوي، وهو ما نلمسه لدى العديد من الناس. 

 

  العربي بنحمادي

 

 

 

     

في المثقف اليوم