آراء

علاء اللامي: حين يكون الصمت سكرتير الحزب الشيوعي من ذهب!

"فليقلْ خيراً أو يصمت/ حديث نبوي"!

 لما كنتَ تعرف كغيرك أن قضية كركوك والصراع القومي الطائفي بين زعامات مكوناتها موضوع حرج وحساس، وأن هذا الصراع والذي قد يحرق العراق كله هو نتيجة مباشرة لدستور المكونات ومنظومة حكم المحاصصة الطائفية الذي جاء به الاحتلال بدفع عن زعماء الطوائف والعرقيات، وأن أي انحياز لأي طرف فيها سيكون مثيرا لغضب الأطراف الأخرى، وأن حزبك محاصر ومقيد ومحاط بأجواء أيديولوجية وسياسية معادية ضمن أجواء حكم كلبتوقراطي "لصوصي" مليشياوي تابع بالتمام والكمال للأجنبي وتسيِّرُهُ السفارات الأجنبية، لما كنتَ تعرف هذا كله وتسكت عنه، فلماذا لم تسكت هذه المرة بل رفعت صوتك عاليا مطالبا بتنفيذ المادة (140 كركوك)؟ أحقا لا تعلم أن هذا التطبيق للمادة 140 لا يعني سوى تسليم المحافظة ونفطها إلى الطرف السياسي الكردي وضمها إلى الإقليم المستقل فعليا عن الدولة العراقية؟ وهل لديك أو لدى أي طرف آخر أي ضمانات بأن الطرف البارزاني أو الطالباني لن يلجأ إلى إجراء استفتاء جديد آخر على الانفصال عن العراق وإقامة دولة كردية مليشياوية مستقلة بضمنها كركوك مثلما أجرى استفتاء الاستقلال في 25 أيلول 2017، والعراق لما يزل ينزف الدماء ويدفن قتلاه بعد التمرد الداعشي التكفيري؟

إذا لم تكن قادرا على قول الحقيقة المرة، والتي سيكون ثمنها مقاطعة الإقطاع السياسي الكردي لك ولحزبك ألا وهي أن الحل في كركوك يكمن في بقاء كركوك عراقية لأنها عراق صغير ولا يحق لأي طرف أو مكون ان يستولي عليها؛ إذا لم تكن قادرا على قول هذه الحقيقة البسيطة، فعلى الأقل وكحد أدنى وخدمة لمصالح حزبك وشعبك تكلم في العموميات أو لا تتكلم أصلا، وواصل صمتك مثلما تصمت على الكثير من القضايا الملتهبة؛ هل تريد أن أذكرك ببعضها؟

هل قلت شيئا عن قضية فقدان السيادة والاستقلال الوطني وتحكم السفارة الأجنبية ودول الجوار بالقرار السيادي لبلدك؟ هل أصدر حزبك بيانا عن قضية المنفذ البحري الوحيد ومنه خور عبد الله والذي تريد الكويت الاستيلاء عليه، وقتل ميناء الفاو والقناة العراقية الجافة من خلال الربط السككي مع إيران؟ هل ذكرت يوما أن العراق هو بلد منزوع السلاح وتمنعه الولايات المتحدة وإسرائيل من التزود بوسائل الدفاع عن نفسه؟ هل قام حزبك بفعالية أو نشاط جماهيري دفاعا عن الرافدين ورفض علنا قطع تركيا وإيران مياه النهرين عنه وضرورة مقاومة هذا العدوان الكارثي؟

ثم، كيف يمكن أن يصدق العراقيون - وخاصة أهالي كركوك - قولك إن المادة 140 من الدستور "هي لمصلحة حقوق المواطن وترفع الظلم وعادلة وتعتمد مطالب الناس وليس مصممة لمكون محدد"؟ هل أن إجراء الاستفتاء وإلحاق محافظة كركوك بإقليم الكردي هو لمصلحة جميع مكونات كركوك، أم إنه إنهاء لعراقية المحافظة وبدء الحرب الأهلية الطاحنة بين مكوناتها ستنتهي بتهجير الطرف المهزوم؟ ألم ترَ بعينيك، وقد كنت أنت شخصيا رئيس لجنة تطبيع الأوضاع في كركوك وأشرفت بنفسك على منح مئات الملايين من الدولارات كتعويضات وعلى حملة تكريد المحافظة بحجة إزالة التعريب الذي قام به النظام السابق، ألم ترى ما حدث من صراع واستقطاب قومي وطائفي في المحافظة وعمليات تنكيل واغتيالات وتصفيات وتطهير عرقي بين سنة 2005 وانتهى باحتلال المحافظة بعد هجوم عصابات داعش وهزيمة الجيش العراقي الأميركي وانسحابه منها؟

كيف تريد أن تضمن العدالة والمساواة وأحد هذه الأطراف، وهو الطرف الحزبي والمليشياوي الكردي مسلح حتى الأسنان بأحدث الأسلحة ومدعوم خارجياً وداخلياً سياسيا وإعلاميا، فيما الأطراف الأخرى العربية والتركمانية والمسيحية عزلاء تماما ولا قدرة لها على الدفاع عن نفسها والسلطات التنفيذية والتشريعية يهمن عليها ويقودها التحالف المصلحي بين الساسة الشيعة والأكراد، كيف يمكن أن تكون هناك عدالة وإنصاف وحياد في هذه القضية الحساسة والخطرة؟

لقد قلت جملة صحيحة وإيجابية وهي (إن الحل في كركوك ينبغي أن يحظى بقبول كل الأطراف وليس مكوناً واحداً، إضافة إلى تمتعه بالعدالة والإنصاف)، فهل المادة 140 والتي تنص على إجراء استفتاء بعد أن تم تكريد المحافظة وتهجير أعداد غير قليلة من غير الأكراد منها، وعلى أن ينتهي الاستفتاء بضم المحافظة إلى الإقليم، هل سيحظى حل كهذا بقبول الأطراف الأخرى؟ هل يضمن حل كهذا العدالة والانصاف لجميع الأطراف والمكونات؟

من سيصدق كلامك من أهالي كركوك وانت تقول (أن المادة 140 من الدستور "هي لمصلحة حقوق المواطن وترفع الظلم وعادلة وتعتمد مطالب الناس وليس مصممة لمكون محدد... لافتاً إلى ضرورة طمأنة المجتمع في كركوك أن المادة 140 ليست ضدهم)؟

أليس هذا كلام شخص منفصل عن الواقع تماما؟ إذا كان من حقك أن تعبث بوجود حزبك وسمعته المتلاشية بعد سلسلة الحماقات التي ارتكبها منذ احتلال العراق ومشاركته في مجلس الحكم ولجنة كتابة الدستور وحكومات الاحتلال المحلية برئاسة إياد علاوي بهذا الكلام، فليس من حقك أن تعبث بوجود العراق وكيانه التأريخي!

لقد اخترت طرفا في هذا الصراع الضاري والحساس وكررت كلام الإعلام الاقطاعي الكردي حرفياً، بل بالغت كثيرا وبلغت درجة التهديد والتطرف بقولك (إن احتواء الأحداث الأخيرة في كركوك "ليس حلاً بل تهدئة"، داعياً "إلى معالجة جوهر المشكلة وهو يشكل تحدياً للجميع"، فأنت ترفض إذن حتى منطق التهدئة وحقن الدماء وترى معالجة جوهر المشكلة في تطبيق المادة 140 التي فرضت فرضا في سنوات الاحتلال الأولى ومن خلال صفقة شيعية كردية تحت ضغط أميركية، أليس هذا الكلام منتهى التطرف والانحياز إلى الاقطاع السياسي الكردي وتدمير شامل لحزبك وتاريخه العتيد ولما تبقى منه في أيامنا؟ ألا يدل كلامك هذا على أن الجماعة التي تقود حزبك لم تخرج أبدا من التبعية والذيلية العتيقة للقيادات الاقطاعية الكردية القومية وأن "حرامي الحزب" المليونير فخري كريم وأمثاله ما يزالون يتحكمون في مواقف وقرارات هذا الحزب حتى وإنْ خرجوا منه تنظيميا؟!

أما صرختك الاحتجاجية التي قلت فيها "إن المادة 140 قد ماتت ونسفت عمليا" فأرجو ان تكون بِشارة خيرٍ نأمل أن تكتمل بموت ونسف منظومة حكم المحاصصة الطائفية والعرقية ككل وبزوغ شمس العراق الديموقراطي الوطني المستقل والسيد!

***

علاء اللامي

....................

* رابط تقرير إخباري حول تصريحات سكرتير الحزب الشيوعي العراقي:

https://iraqtoday.com/news/75635/%D8%B3%D9%83%D8%B1%D8%AA%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B2%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D9%88%D8%B9%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A-%D9%8A%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D8%AB-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D8%B2%D9%85%D8%A9-%D9%83%D8%B1%D9%83%D9%88%D9%83-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D9%8A%D8%B1%D8%A9

في المثقف اليوم