آراء

نهاد الحديثي: تغيير الوعي الفلسطيني

يكثر القادة الإسرائيليون من استخدام مصطلح «تغيير الوعي الفلسطيني»، منذ بداية الحرب على غزة، كأحد أهداف هذه الحرب وتبريرات لنوعية العمليات الحربية التي ترافقها، وفيها يدفع المدنيون الفلسطينيون ثمنا مريعا، وليس صدفة أن وزير الدفاع، يوآف غالانت، ردد الكلام بعد ساعات من تنفيذ القصف الدموي على مدرستي الفاخورة وتل الزعتر، وفي مخيم جباليا، والتي أوقعت في يوم واحد نحو ألف قتيل من المدنيين، لكن هناك أساسا عقائديا لهذا التصعيد وهذا الثمن الباهظ من الدمار، يأتي من مكان آخر. لقد أسماه الوزير غالانت «تغيير الوعي الفلسطيني». وهذا المصطلح ورد للمرة الأولى في الوثيقة التي وضعتها وزارة الاستخبارات الإسرائيلية، نهاية الشهر الماضي، لغرض التوصية بترحيل جميع أهالي قطاع غزة إلى مصر. وتضمن المخطط فقرة تؤكد أن أي حل لمستقبل غزة «يجب أن يترافق مع حملة كي للوعي الفلسطيني يتم فيها تغيير المفاهيم والعقائد المعادية لإسرائيل، بحيث يقتنع الفلسطينيون بأن هجوم حماس على إسرائيل كان فاشلا وتسبب لهم في الدمار وسقوط الضحايا والتشرد،هذا التعبير ظهر قبل ذلك في الأبحاث التي أجريت في رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي عام 2018، عندما كان رئيس الأركان غادي آيزنكوت، يتحدث عن حرب متعددة الجبهات. وآيزنكوت هو أحد أعضاء المجلس الخماسي لإدارة الحرب على غزة

نتنياهو اختار مبدأ تقوية حماس عن طريق تعزيز الانقسام الفلسطيني، الضامن الأكبر لمنع مفاوضات على إقامة دولة فلسطينية. لكن نتنياهو هذا كان قد تحدث عن تغيير الوعي الفلسطيني في سنة 2005، أيضا بمعرض الحديث عن غزة. ففي حينه ظهر أمام مؤتمر القدس وقال إن الفكرة التي رسمت عن إسرائيل في اتفاقيات أوسلو وخطة الانفصال عن غزة هي أن ديننا الهرب. ويجب أن نهاجم بقوة شديدة حتى يبدأ لديهم تفكير جديد عن إسرائيل. وقال: «بهذه الطريقة تصبح مسألة تغيير الوعي والثقافة والمفاهيم لدى العرب أصعب حتى من فكرة تغيير المفاهيم لدى الألمان واليابانيين،، فليس صدفة أن نتنياهو عاد ليتحدث عن الألمان واليابانيين في بداية الحرب على غزة. وغالانت، الذي كان في سنة 2005 قائدا للواء الجنوبي في الجيش ومسؤولا عن قطاع غزة، عاد ليتحدث عن الألمان واليابانيين، في المؤتمر الصحافي الذي ظهر فيه مع نتنياهو وبيني غانتس في الليلة الماضية. المشكلة في هذه التصريحات تكمن في الأسلوب الذي اتبعه الأميركيون والغرب لتغيير الوعي في ألمانيا واليابان،، وبحسب المؤرخين، كان تدمير مدينة دريسدين الألمانية في فبراير (شباط) سنة 1945 وقتل 35 ألف مواطن فيها بمثابة الحدث الذي حفر في ذاكرة الألمان على أن النازية جلبت له الكوارث وأن الغرب مصر على سحق النازية. وأما في اليابان فقد تغير الوعي عندما ألقى سلاح الجو الأميركي أول قنبلة نووية في التاريخ على كل من هيروشيما فدمرها بالكامل وقتل من سكانها 66 ألفا، وناغازاكي التي قتل من سكانها 40 ألفا، ودمرت المدينتان بالكامل، بعد فشلهم في إخضاع الفلسطينيين بقوَة السَلاح، صار الهدف الإسرائيلي الجديد هو احتلال الوعي العربيّ وطمس الهويّة الإسلامية في فلسطين، وذلك لمعرفتهم بكون العنصر العربي عنصرًا أكثر شراسةً وإقدامًا وصبرا على الحرب من العنصر الأشكينازيَ الحاكم ومن الجنود الّذين لملمتهم إسرائيل من شتى بقاع العالم لتكوّن شعبًا غير متجانس يعينها على تصدير روايتها البائسة إلى العالم. كون الإسلام قد شرع الجهاد ضد المعتدين، فقد باتت إسرائيل تذوق الأمرّين من التفنّن والتنوّع الفلسطيني في أساليب المقاومة مع البسالة منقطعةِ النظير التي أبداها المجاهدون والمجاهدات في سبيل إيلام هذا الكيان وإضعافه ودبّ الرّعب بين سكانه

تصريحات المسؤولين الصهاينة ومن شايعهم تحيل إلى أمر آخر تمامًا، وتنطلق من قاعدة أنّ حماس “حركة إرهابية” ذات أيديولوجية دينية متطرفة تهدف إلى إبادة اليهود، وهذه الأيديولوجية متغلغلة في العقل الجمعي الفلسطيني، ومن ذلك مقال منشور على موقع “ميدا” العبري ذي التوجهات اليمينية المتطرفة، بعنوان “حماس هي عرضٌ لمرض فلسطيني“، ويردُ فيه أنّ الفلسطينيين هم من يمكّنون حماس من الوجود، وهي تتمتع بتأييد في المناطق الفلسطينية بسبب أنها تمثل الهدف الديني المتطرف، وهو إقامة دولة إسلامية تقتلع إسرائيل

حيث بات جليًا أنّ دولة الاحتلال تهدف إلى إحداث تغيير في الوعي الفلسطيني يهدف إلى التخلص من فكرة حماس، كما يراها قادة الاحتلال،وتجاهلوا ان حركة حماس فكرة وأيديولوجيا مغروسة في الوعي الفلسطيني، ولذلك يصعب القضاء عليها، وتجاهلوا مقولات شارو ن ويهود باراك حين وصفوا حماس من غير الممكن القضاء على حماس، لأنها فكرة أيديولوجية، وإنما يجب ضربها وإضعافها بصورة لا تتعافى منها.

***

نهاد الحديثي

 

في المثقف اليوم