آراء

رشيد الخيّون: نفوذ.. القبائل والفصائل

دخل عراق ما بعد (2003) عامه الواحد والعشرين، وكان الأمل حاضراً قُبيل كلّ انتخاب، وآخرها كان في (18 ديسمبر2023)، لكنْ ظل «القديم هو الجديد»، فصائل تتخذ مِن كهوفها عواصم بديلة عن بغداد، وجرف الصّخر شاهد.

بعد هدم الدَّولة العِراقيَّة تمت السّيادة للقبائل والفصائل، فتكون اللادولة واقعاً، إذا صار «جرف الصَّخر عاصمة، تسجن وتخطف، وحصتها من الميزانيّة معلومة! وكنت كتبت «بغداد لا أبو هاون» (الشرق الأوسط)، عندما أراد أحدهم التباهي بالنعمة، التي هبطت عليه، وكان «أحَذَّ يَدِ القَمِيصِ»، على حساب بغداد، ما زال صاحب هذا العبث بلا مساءلة عن دماء الشباب ونهب الثّروة. فلماذا يُلام العراقيّ على ما هو فيه مِن الهيمنة العشائريّة والفصائليَّة؟! وقد استبدلت القبائل والفصائل بالدَّولة؟ أحزاب وجماعات شاهرة معاولها للهدم، والدّيمقراطية تغسل العظائم، يجري الهدم بغطاء تشييد نظام (جديد)، مع أنّ الذين سرهم الهدم، مِن الأغراب والأصحاب، ستهدم أحلامهم نفسها.

لم نجد في التّاريخ العربيّ الإسلاميّ مصنفات في القبائل، إلا ما نزر وندر، قياساً بالمصنفات التي تناولت الدّين والدُّول، مع أنّ القبيلة ظلت فاعلة، في الغزوات والفتوحات، ولكن تحت راية الإسلام الشَّاملة، فبدل ديوان زعيم القبيلة ظهرت دار الإمارة والمسجد. من الكتب التي اختصت بالقبائل، ووصلت إلينا «مختلف القبائل ومؤتلفها» لمُحمَّد بن حبيب(ت: 245هج)، و«القبائل»، وأظنه مِن المفقودات، لمحمّد الزَّاهد غلام ثعلب(ت: 345هج)، ناهيك عن وجود كتب اختصت بشعراء القبائل.

ما يخص العراق يبقى «عشائر العراق»(1937-1956) لعباس العزاويّ(ت: 1971)، الأساس لكل مَن كتب بعده، اختص الجزء الثّاني بالعشائر العراقيّة الكُرديّة، وقبله كتب إبراهيم صبغة الله(ت: 1882) عن العشائر العراقيّة، لكنه اقتصر على القبائل العربيّة والكُرديّة، ومع أنه كان كردياً، إلا أنه أخذ بخرافة الأولين عن أصل الكُرد(عنوان المجد 1869).

اشتد الاهتمام بالقبائل بعد (2003)، عندما برزت القبيلة موازية، حتى مجاميع في الوسائط الاجتماعيّة صُنفت بأسماء القبائل، وقد دُعيت شخصياً إلى الانضمام، ولم أجب خجلاً، مِن العراق نفسه. مقابل ذلك لما شعر الفقهاء أنَّ القبيلة، أخذت تُنافسهم ظهر ما عُرف بـ«فقه العشائر»، ففيها ما يُبطل حكم أو دور القبيلة لصالح الفقيه لا الدَّولة، ولم يكن المقصد وطنياً.

لكنَ، خارج مَن عرفوا بشيوخ التسعينيات، غير الأصلاء، لعبَ شيوخ القبائل، منذ تأسيس الدّولة الحديثة، دوراً في بسط نفوذها لا نفوذهم، ومَن يطلع على نص «قانون دعاوى العشائر المدنيّة والجزائيّة 1922» يجد مواده لصالح الدّولة، فأخذ دور القبيلة يتناقص، بظل شيوخ متنورين وواعين لمعنى الوطنيّة، ولا تغفل حملات التسقيط ضدهم، وتقديمهم جهلةً، وهذا مخالف للواقع. ليس كما هو الحال اليوم، تُطارد القبائل الأطباء، وليس أكثر مِن مجالسها لفرض الدِّيات، لأتفه الأسباب.

أما عن الفصائل، وقد غذتها القبائل بأبنائها، وتتدخل عن طريقهم في الشّأن العام، فهذه فصائل مسلحة، وتلك قبائل مسلحة أيضاً، فقد وصل عددها إلى سبعين ميليشيا، منها لها أمنها الخاص وشرطتها الخاصة ومعتقلاتها، ومعسكراتها موزعة على المحافظات، ماعدا إقليم كردستان، الذي منذ (1991-1992) حُصرت القوى الأمنيّة والدفاعيّة بيد سُلطة الإقليم، مع الانفلاق الذي لم يسده توحيد أربيل والسّليمانيّة، لكن مع ذلك لا توجد سلطة أمنية غير ما يعرف بـ«الأسايش»، وقوات «البيشمركة»، أما حرس الحدود فمرتبط ببغداد مباشرة.

تعمل القبائل والفصائل على جعل العِراق دولةً كسيحةً، لتبقى غنيمةً لأمد بعيد، وكذلك عملت قوى خارجيّة الدّور نفسه، خوفاً مما صوره أبو العلاء المعريّ(ت: 449هج)، قبل ألف عام: «وبالعِراقِ وَميضٌ يَستهلُ دَماً/ وراعدٌ بلقاء الشّرِ يرتجزُ/ وآخرُ الدَّهرِ يُلفى مثل أوّلهِ/ والصَّدرُ يأتي على مقداره العَجُزُ»(لزوم ما لا يلزم).

***

د. رشيد الخيّون - كاتب عراقي

 

في المثقف اليوم