آراء

نهاد الحديثي: محاكم أخلاقية – أنسانية

يعتبرقرار محكمة العدل الدولية منعطف تاريخي؛ وذلك عندما أمرت محكمة العدل الدولية إسرائيل باتخاذ إجراءات لمنع الإبادة الجماعية في غزة، وصوتت أغلبية أعضاء لجنة المحكمة المؤلفة من سبعة عشر قاضيا لصالح اتخاذ إجراءات عاجلة تلبي معظم ما طلبته جنوب أفريقيا باستثناء توجيه الأمر بوقف الحرب على غزة، هذا القرار هو الافتراض الصحيح أمام انتهاكات إسرائيل ورسالة مختلفة بأن العالم يجب أن يستند إلى مبادئ أخلاقية يتم تطبيقها على الجميع، لأن العالم عاش مع انتهاكات إسرائيل المتواترة لما يقارب من ثمانية عقود.

إسرائيل وخلال ما يقارب من ثمانية عقود مضت لم تكن مستعدة للخير؛ بل على العكس من ذلك، لذلك حظي التاريخ بالكثير من القضايا التي وصلت إلى محكمة العدل الدولية خلال العقود الماضية ضدها ولكنها لم تصل إلى تحقيق العدالة التي يجب أن تكون موجودة في كل دول العالم دون استثناء، إسرائيل ارتكبت خطأ كبيرا عندما ذهبت في صراعها مع غزة إلى أبعد مما يجب وجعل العالم يفسر تصرفاتها رغبة نحو الإبادة الجماعية لسكان غزة التي يسكنها أكثر من مليوني إنسان، وليس من المنطق أن يكونوا جميعا هدفا في الحرب الدائرة.

إذا كانت إسرائيل بإعلانها الحرب على غزة ترى أنها مخولة في ذلك وفق معايير الدفاع عن النفس، فإن الواجب عليها أن تثبت للعالم أن وراء ذهابها لتلك الحرب قضية عادلة وليس هجوما على الإنسانية في مجتمع غزة دون تفريق في المعايير، إسرائيل التي باشرت الحرب على غزة عملت على استغلال الموقف لتحقيق أهداف متفرقة رفضتها محكمة العدل الدولية التي أثبتت بالأدلة والبراهين أن ما حدث في غزة تجاوز فكرة الحرب الطبيعية، فالتدمير والتهجير اللذان حدثا والقتل الشامل مشهد يصعب تصوره في الواقع الإنساني

اليوم نشهد بداية اصطدام إسرائيلي مع مواقف دولية جديد ومفاجئة لإسرائيل التي لم تعتد عليها، فما حدث في غزة هو ضد كل المعايير الإنسانية، وتدمير غزة وسكانها بهذه الطريقة لم تستطع إسرائيل تبريره إلا وفق معادلة هشة وغير مقبولة، لأن عدد من قتل من الفلسطينيين كان مسارا محتملا نحو الإبادة الجماعية بلا أدنى شك، وهذا ما أدركته محكمة العدل الدولية ونطقت به في حكمها، فرص إسرائيل الفعلية هي التخلي عن أحلام بعيدة والعودة إلى الواقع وقبول مشروعات السلام التي تمنح الفلسطينيين حقهم، وإلا فالنتيجة المنتظرة انقلاب دولي تدريجي تجاه أفعال إسرائيل وسيفرض عليها مستقبلا ما يريده العالم وليس ما يريده نتنياهو.

محكمة العدل الدولية معنية، منذ تأسيسها عام 2002، بمحاكمة ومعاقبة المسؤولين عن ارتكاب جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب أو تطهير عرقي، فقد امتنعت واشنطن عن التوقيع على اتفاقية الانضمام إليها، وعندما وصل الأمر لاتهام الجيش الأمريكي بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان ضد معتقلين في أفغانستان عام 2018 هددت واشنطن القضاة العاملين في المحكمة بالمنع من دخول الولايات المتحدة وبتجميد أرصدتهم البنكية وبمحاكمتهم، وذلك لأن محاكمة جنود أمريكيين، كما قال جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأمريكي حينها، «تعد خرقا لسيادة بلاده,, ورغم ذلك من الناحية القانونية، فإن خيبة الأمل الانسانية لا يجب ان تحجب الأنظار عن الانجاز الهام لقرار المحكمة ولأسباب عدة. فالمحكمة، وبأغلبية كبيرة، قررت ان ما تقوم به اسرائيل يشكل سببا معقولا للظن بارتكابها جريمة الإبادة الجماعية، ولذا فالمحكمة أقرت بصلاحيتها النظر في القضية المرفوعة من قِبَلِ جنوب أفريقيا. يجب هنا ان نُفرق بين الإدانة الشعبية التي لا تحتاج إلى مرافعات ومداولات، وبين الإدانة القانونية التي تتطلب دراسة كل الحجج والبيّنات قانونيا ومن مختلف الأطراف، الأمر الذي يأخذ حكما، وقتا طويلا. إذن، فان مجرد قبول الدعوى وضع إسرائيل قانونيا في موضع الاتهام من أعلى سلطة قضائية دولية.

***

نهاد الحديثي

في المثقف اليوم