قضايا

الْحـَـقُّ الْمُـــرُّ

hasan zayedبعيداً عن التكلف، والتفذلك، والسفسطة الفارغة، ودوائر الجدل العقيم، أقول: بأن هناك بعض مشايخ الأزهر، يجدون غضاضة، في تقبل الحديث عن تجديد الخطاب الديني، ولعل العلة وراء تلك الغضاضة، ترجع إلي تصورهم بأن ذلك الخطاب المنادي بالتجديد، هو رأس حربة لهجمة قادمة علي الدين والتدين. وأن هذا الخطاب، قد ركب موجة التطرف والإرهاب الحالية، التي تورطت فيها بعض الجماعات، المنتسبة زوراً إلي الإسلام، متخذاً منها مطية للهجوم. وأنه ليس من المعقول، ولا المقبول، من وجهة نظرهم، نقد ونقض هذا الفكر، الذي استقر علي مدار أربعة عشر قرناً من الزمان، باعتباره علماً شرعياً لا يجوز الإقتراب منه بسوء . وهذه المخاوف لا محل لها في الحقيقة . لأننا لا نملك اتهام من يطالب بتجديد الخطاب الديني في دينه، ونضمن أن يصيب هذا الإتهام كبد الحقيقة، لأننا لا نملك الشق عن صدره، وربما يكون ممن أخلص دينه لله، وساءه ما يلصق بدينه من أفكار، وما يترتب علي هذه الأفكار من أفعال وأقوال . إذ ليس من المعقول ولا المقبول أن يتم تصوير الترويع والإرهاب والقتل والتمثيل بالجثث واللعب بجماجم البشر علي أنه من أوامر الله تعالي، وأن من يأتي بهذه الأفعال لديه سند شرعي يرتكن إليه، سند مستمد من الكتاب والسنة . هل هذا معقول ؟ . لابد أن هناك خلل ما في منطقة فكرية ما، لا علاقة لها بأصل الدين وقيمه وثوابته . الدين الذي يلزم أتباعه بدعوة الغير إليه بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، لايمكن أن يكون مصدر فزع وخوف وإرعاب للبشرية كلها، بما في ذلك أتباعه . ورب هذا الدين الذي أدخل النار في هرة، وأدخل الجنة في كلب، أرحم بمن خلق، ممن خلق . الإشكالية ليست في دين الله بحال، ولكن الإشكالية تتأتي في الفهم عن الله، وتجديد الخطاب الديني، ليس معناه تجديد في الدين، فالدين ثابت، وإنما معناه تجديد الفكر الديني، الذي هو الفهم البشري عن الله ورسوله . وهذا الفهم قد يكون خاطئاً أو منحرفاً أو ضالاً أو ناقصاً لأنه في النهاية منسوب إلي البشر، والبشر من غير الرسل لا عصمة لهم بحال، ومن لا عصمة له يؤخذ من كلامه ويرد، بلا حرج ولا مؤاخذة ولا محاسبة . هذا بخلاف البعد الزمني للقضية، وتراكم المعارف كماً وكيفاً، وما لهما من تأثير علي نمو العقل البشري ومداركه . ومن هنا كان لابد من مراجعة هذه الأفكار بعرضها علي صحيح الدين، علي نحو ما نفهمه نحن، وإثبات الصحيح منها، ونفي ما هو غير صحيح، علي أن تكون هذه المراجعة مراجعة منهجية شاملة، وليس مجرد ترقيعاً للثقوب . مراجعة تكون محصلتها علماً يجعلني ـ كمسلم ـ إلي الدين أقرب، وينهي الخصومة النفسية القائمة بين العلوم الشرعية وبيني، وبينها وبين العصر الذي نحياه . الدين في بساطته الأولي كما تلقاه الصحابة، فكان خُلقاً يتطابق فيه السلوك مع المعتقد في عالم الواقع، دون انفصام ولا أزدواجية، حيث يدفع المعتقد إلي الإخلاص والإتقان والأمانة في العمل . فهل يتسني لعلماء الأزهر وشيوخه النهوض بمهمة مراجعة هذا الفكر وتجديده دون الشعور بتلك الغضاضة والغصة في الحلوق؟ !. أري أن الحق غالباً ما يكون مُراً، لأن الحق من الحقيقة بلا رتوش، ولا غبش، ولا زينة، وحقيقة الشيء، جوهره وأصله . وليس كل الحق عسلاً مصفي، يرتشفه الإنسان متلذذاً، وهو متكيء علي أريكته، في باحة حديقته الغنَّاء، ويطوف حوله الخدم والحشم، ممن لا عمل لهم، سوي الإرتهان بإشارته . فهناك حق عسلي آخر مُر، يتجرعه الإنسان، ولا يكاد يسيغه، وليس أمامه من سبيل سوي إرتشافه لآخر قطرة منه . وهناك حق لا عسلي مُر، إذ لا أثر للحلاوة فيه، وإنما مرارة علقمية كأنها الحنظل . وفي كل الأحوال يبقي الحق حقاً، قبلناه وسلمنا به وله، أو رفضناه ودفعناه عن سبيلنا دفعاً . ومن الحق المُر الذي يتعين علينا التعاطي معه، وقبوله، والتسليم به، وله، ضرورة تجديد الخطاب الديني .

 

حـــســــــن زايــــــــــد

 

في المثقف اليوم