قضايا

الجاليات وصراع الأجيال!!

الجاليات المهاجرة ذات جيلين، الأول مولود في البلد الأم، والجيل الثاني مولود في البلد الأم أو في بلد المهجر ويترعرعان فيه، ويتحقق صراع خفي ما بين هذه الأجيال، يسترعي الوعي والتفاعل السليم، لكي يتحقق التواصل الثقافي المنسجم والمتوافق مع الرؤى المتنوعة.

ومشكلة العوائل المهاجرة أنها ترى بأنها المثالية والصحيحة في تنشأتها لأبنائها، ولا تتقبل النصح والتوجيه، ولا تتفاعل مع الواقع الذي هي فيه، لتعرف ما يعانيه الأبناء والبنات من التحديات وما هي آليات التفاعلات.

ومقاييس التربية تستند على مسلمات لا تصلح للواقع الذي يتفاعل فيه أبناء الجيل الثاني، مما يجعلهم يعيشون في عالمين مختلفين أو متناقضين تماما، ومتقاطعين.

فهم يدخلون البيت وكأنهم قد دخلوا في دولة أخرى، ويخرجون من البيت ويجدون أنفسهم في دولتهم ومجتمعهم وثقافتهم وبين أصدقائهم وصديقاتهم الذين يفكرون ويتفاعلون بأساليب أخرى، لا تتفق وما يتحقق في دولتهم الأخرى (البيت)، مما يضعهم في محنة وصراع داخلي، يتسبب في إنعكاسات سلوكية صعبة، تبدأ العائلة بالمعاناة منها.

ومن الواضح وفقا للأبحاث والدراسات أن المراهقين يتأثرون بالذين من حولهم أكثر من تأثرهم بآبائهم وأمهاتهم، وأن إنتماءهم يكون للبيئة الإجتماعية التي يعيشون فيها، بكل ما فيها من مؤثرات وثقافات وتفاعلات، وليس كما نتوهم لثقافة البيت وما يدور فيه بما لا ينسجم وثقافة المحيط الخارجي والبيئة الثقافية في المدرسة والمحلة.

ويبدأ الصراع في مرحلة المتوسطة والإعدادية خصوصا، أو في سنين الجامعة الأولى، حيث تبدأ الثورة على ثقافة البيت والأبوين، فتجد الأب والأم في مأزق نفسي وشعور بالخيبة والفشل والإحساس بفقدان البنات والأولاد.

وفي الحقيقة أن الجيل الثاني يريد العيش في محيطه، وبناء حاضره ومستقبله وفقا لمعطيات بيئته الثقافية والسلوكية، التي توجب عليه أن يكون متفاعلا ومنسجما ومتوائما معها بكل طاقاته وقدراته لكي يتواصل.

فحاضره ومستقبله هنا!!

فلماذا يسعى الأبوان لأخذ أبنائهم وبناتهم إلى حاضر ومستقبل متصور؟!!

الجيل المهاجر الأول، يحمل ثقافة لا وجود لها اليوم إلا في خياله، لأنه منقطع عن مفردات الثقافة القائمة في بلاد نشأته، التي لا تتفق مع ما يراه ويتصوره ويحسبه صحيحا وسليما.

أي أن الجيل الأول أيضا يعيش محنة الإنقطاع، ويتصرف وفقا لما تمليه عليه امّارات خيالاته المتقاطعة مع واقع الحياة في بلده الأم.

وبمعنى آخر أن الجيل الأول يحاول تربية الجيل الثاني بأساليب ومفردات وهمية، لا رصيد لها من الواقع في الموضعين.

ويتوهم بأنه يمتلك القدرة على مقاومة التذويب، والتأثير الثقافي والمعرفي والسلوكي الحاصل في بيئة الجيل الثاني.

والمشكلة أن الجيل الأول عصي على التوجيه والمطاوعة والتكييف التربوي مع واقع الجيل الثاني، وإنما يميل إلى نوع من التواصل السلوكي الغير مبرر.

فعلى سبيل المثال، الأم التي كانت في بلدها ترتدي آخر موديلات الفساتين، وتظهر بكامل زينتها في المجتمع عندما كانت بأعمار بناتها، تفرض على بناتها إرتداء ملابس تجعلهن يختلفن عن الأخريات، كأن تفرض عليهن الحجاب منذ طفولتهن، وما إرتدت هي في طفولتها وصباها وشبابها حجابا قط!!

وعندما تسألها لماذا هذا الضغط على البنات؟

يكون الجواب يجب أن يكون ذلك، وكأن الدين هو الحجاب وحسب!!

وتبدأ المعاناة والصراعات والتفاعلات المتشنجة بين الأم وبناتها، ولا يمكنك أن تجعل الأم تدرك ضرورات مراعاة مشاعر البنات في بيئة غير بيئتها المتصورة، وحاضر آخر يتفاعلن معه، وإياك إياك التحدث عن التوسط وضرورات فهم معاناة البنات اليومية في المدرسة والمجتمع، لأن ذلك يُحسب عدوانا وإتهاما بعدم كفاءة التربية.

وفي هذا المُحتدم تخسر الأطراف المتناحرة، فالجيل الثاني في وسط يعرف قوانينه ويدري حقوقه، ويعلم أنه صاحب اليد العليا، وعلى والديه الإنصياع لإرادته رغما عنهما، فيحصل ما يحصل من التداعيات والتطورات، التي تجعل الوالدين يعضان أصابع الندم.

وعليه فأن الجيل المهاجر الأول يجب أن يستيقظ ويأخذ الموضوع على محمل الجد، لكي يساهم في تواصل الأجيال، والحفاظ على الثقافة الوطنية والهوية، ونقل معارفه للجيل الثاني بأساليب متفقة والواقع المعاش في بلد المهجر، وإلا فأن الإنقطاع حالة مفروغ منها، وأن الجيل الثاني سيذوب ويغيب، ولن يبقى مما يدل عليه إلا إسمه!!

فهل ستتمكن الجاليات من عقد ندوات تربوية وتجمعات حوارية، لكي تكتشف أفضل سبل التفاعل ما بين الأجيال؟!!

 

د-صادق السامرائي

3\1\2015

في المثقف اليوم