قضايا

رالي باريس .. والكاريكاتير

rahman khodairabasكانت مظاهرات باريس يوم الأحد الفارط قد أكدت على قيم الحرية، ولاسيما، حرية التعبير التي يؤمن بها الفرنسيون. كما كان تجمعهم لمؤازرة الجريدة الكاريكاتيرية الساخرة وللتنديد بالإرهاب. وقد رفعوأ شعار (أنا شارلي)، وأعتقد جازما بأنّ هذا الشعار قد تمّ (طبخه) على عجل تحت زخم الصدمة وضغط العواطف إزاء الجريمة التي تمّ تصوير جزء منها. أقول بان الشعار كتب بعجل لأن هذا يعني بان الغالبية العظمى من الفرنسيين قد منحوا ثقتهم المطلقة لنهج الجريدة الساخر والمُسْتَفز، وموافقتهم لمسارها النقدي الساخر من كل القيم والمعتقدات والمباديء . وكأنهم منحوا هذه الصحيفة تفويضا وثقة بانها تمثل مباديء الحرية والعدالة والمساواة التي اشتهرت بها فرنسا.

ولكن هذا التفويض قد سقط في إمتحان آخر. فرسام الكاركاتير الفرنسي موريس سيني قد طرد من جريدة شارلي إبدو وذالك لأنه تعرض لزواج نجل ساركوزي من فتاة يهودية ثرية، مما دفع الفنان موريس أن يقول في رسمه ومقالته إنّ ابن ساركوزي يبحث عن الثراء، فأتهم بالتحريض على الكراهية، ومعاداة السامية ! وسيقدم الى المحاكمة قريبا. ومن الطريف أنّ الفنان موريس رفض الإعتذار قائلا " أفضّلُ أنْ أتعرض للأخصاء على القيام بالإعتذار " وفضّل ان يواجه المحاكمة. هذا يعني ان جريدة شارلي إبدو تمتلك سقفا للنقد وخطا احمر لاتتجاوزه. وهنا يبرز سؤال عريض . لماذا تسمح باهانة رمز ديني يؤمن به وبقدسيته اكثر من مليار من البشر وبينهم عدد غير قليل من الفرنسيين أنفسهم؟ ولكنها لاتسمح بالإساءة الى شخص اعتنق اليهودية ؟!

منذ اكثر من عشرين عاما وانا أمارس رسم الكاريكاتير والذي يركز على الوجوه، وقد منحني ذالك فرصة لأتعرف عن قرب من الناس وفهم رسالة الكاريكاتير، وهو فن نبيل يحاول أنْ يترجم الأفكار الدفينة عند الناس من أجل إعلاء القيم والمباديء الإنسانية العالية . فترى أنّ هذا الفن يقف مع المعدمين والمعذبين والحالمين بالحرية، ويتصدى بسلاح النقد تجاه القوى الضاغطة، فهو فنٌّ شعبي بإمتياز يتميز بإحترامه للأنسان، رافضا الكراهية والإستفزاز والإساءة والتشويه. واللجوء الى النقد الذي لايصدم المتلقي، بل يثير فيه الرغبة بالضحك . لذا استطيع أنْ أقول بأنّ جريدة شارلي إبدو قد ذهبت بعيدا في سلوك الكراهية والإستفزاز. ولكني اشعر بالحزن العميق لما اصاب هؤلاء الفنانون . واعتبر أنّ قتلهم جريمة إرهابية مُدانة وغير مبررة .

   أطرف تعريف عن هذا الفن قرأته يقول: "إذا كان الإنسان يمشي على الأرض، فهذا ليس بكاريكاتير، ولكنه حين يمشي على الحائط فهذا هو الكاريكاتير" وفي رالي باريس وجدت مايشبه الكاريكاتير وهو وجود نتانياهو وهو يتقدم المظاهرة التي تندد بالأرهاب !

لم يمش نتنياهو على الأرض بل كان يمشي على الحائط !

 

في المثقف اليوم