قضايا

عيّارو بغداد بين الأمس واليوم

لا أريد في هذه المقالة الخوض في الجانب الأدبي لحركة العيّارين والشطّار في العراق أبّان العهد العباسي حيث بدأت حركتهم بداية خلافة المهدي كما يقول البلاذري ولتنتشر حتى عهد الرشيد حيث أتخذ العيّارون منطقة "سيسر" وهو أحد رساتيق همذان الذي يقوم مكانه الآن قصبة كردستان الفارسية" (1) كما يقول الهمداني، وصولا الى أيام فتنة الأمين والمأمون والغوص في كتب الأدب والتراث للبحث عن شخصياتهم ومواقفهم وما أضافت لها روايات القصّاصين من بطولات وخوارق، بل تناول ضعف حكومة الأمين حينها وظهور العيّارين ونشاطهم في الدفاع عن مدينتهم اثناء حصارها الطويل الذي أمتد لأربعة عشر شهرا من قبل جيش المأمون القادم من خراسان بقيادة طاهر بن الحسين. (2)

تقول كتب التاريخ حول تلك الفترة العصيبة من تاريخ بغداد أن العيّارين ولمقاومة جيش المأمون ونتيجة لضعف الحكومة وجيشها قاموا بتشكيل وحدات قتالية "ميليشيا" غير منظمة لمشاغلة ومقاتلة الجيش الخراساني، لان المعركة حينها أصبحت معركة بين العرب والعجم كما يقول الطبري (3) أذ دارت حينها أكثر المعارك عنفا وشراسة بين العيارين من جهة والجيش الخراساني من جهة اخرى، وعُرفت تلك المعركة بواقعة "قصر صالح". وحينما فرض العيّارون أنفسهم كقوة ميليشياوية لا يستهان بها مع ضعف واضح للجيش والحكومة معا ولأنهم كأي ميليشيا يبحثون عن أمتيازات لقادتها وغنائم لأعضائها، فأن أحد قادة الأمين "دون أعتراض الحكومة" أباح لهم النهب والسلب. ولم يفوّت العيّارون الفرصة فقاموا بنهب الدور والمحال مستغلّين الفوضى العارمة في المدينة.

لا تظهر قوات غير نظامية "ميليشيا" في البلدان المستقرة سياسيا وفي الاوضاع الطبيعية، ولكنها تظهر وتنشط أثناء الحروب الوطنية كما حصل في الحرب العالمية عندما تشكلت حركات مقاومة ضد المحتلين النازيين في جميع البلدان الاوربية تقريبا، وكذلك أثناء فترات احتلال بلد ما لآخر كما في مقاومة الفيتناميين ضد الامريكان والجزائريين ضد فرنسا والليبيين ضد ايطاليا وغيرها من البلدان. وتقوم هذه الميليشيات وبعد انتهاء دورها بتسليم اسلحتها للحكومة وتندمج بالحياة المدنية بعد ان تكون قد قدّمت خدمة لشعوبها وبلدانها، وبعد ان تكون قد ضربت وهي تقاتل من اجل شعبها ووطنها اروع الأمثلة في البطولة وفي طريقة تعاملها مع ابناء شعبها خلال تلك الفترات، ولم ينقل لنا التاريخ حوادثا عن سرقات ونهب وقتل مارستها تلك الميليشيات بحق ابناء جلدتها وهي تقاتل عدوا اجنبيا لذا نرى أن الاجيال الحالية تتحدث عن اولئك الرجال والنسوة بأحترام وتقدير عاليين.

أن قيام جهات غير حكومية بالعمل على تأسيس حركات "عيّارية" اليوم بأسماء ميليشياوية مختلفة تعتبر علاوة على ضعف الجيش وغياب الدولة من جهة، والنهب والسلب التي تقوم به هذه الميليشيات العيّارية لدور ومحال المواطنين في المناطق التي تسيطر عليها بعد تحريرها مع الجيش من عصابات داعش من جهة ثانية وهذا ما حذّرت منه المرجعية الشيعية مرّات عدة في خطب الجمعة من كربلاء. هي إعادة قبيحة لنسخة العيّارين عهد حكومة الامين العباسي وقوّاد جيشه، أولئك القوّاد الذين كما قوّاد اليوم كانوا انفسهم من صنف العيّارين لذا تراهم فتحوا الابواب مشرعة امام العيّارين لممارسة هوايتهم في سلب ونهب المواطنين، ليضيف عليهم عيّاروا اليوم عدم السماح للأهالي بالعودة الى بيوتهم ومحال أرزاقهم لاسباب طائفية ليكونوا والدواعش في خانة واحدة.

وتبقى عملية سرقة عيّاري الخط الاول الذي كان يقوده المالكي وعصابته للأموال المخصصة لميليشيا الحشد الشعبي "عيّاري اليوم" كونهم وبأعتراف المرجعية سلبوا ونهبوا الكثير من الدور والمحال التجارية، من العلامات البارزة التي وصمت عهد الفاشل نوري المالكي خصوصا وانه وحزبه سرق اموالا مخصصة لعيّاري الخط الثاني، أي المقاتلين تقدّر بـ 70 مليارد دينار عراقي فقط لا غير!

هذا ما كشف عنه رئيس كتلة حزب الدعوة - تنظيم الداخل "أحمد البديري"، الذي أشار " عن فقدان 70 مليارد دينار كمخصصات الحشد الشعبي في زمن الحكومة السابقة، فيما اشار الى ان هذه الاموال كانت باشراف مستشار الامن الوطني فالح الفياض". وأضاف البديري في تصريح صحفي إن "الحكومة السابقة خصصت 70 مليار دينار كألبسة وغذاء لقوات الحشد الشعبي"، مشيرا الى ان "الحكومة السابقة لم تقدم كشوفات مالية عن آلية صرف الاموال". وقال ايضا في تصريحه "الحشد الشعبي لم يستفد من هذه الاموال ولم يستلم دينارا واحدا من هذه المبالغ"، مبينا ان "الحكومة السابقة تتحمل مسؤولية فقدان هذا المبلغ الضخم". ليتابع قائلا ان "هذه الاموال كانت باشراف مستشار الامن الوطني فالح الفياض"، مؤكدا اننا "لغاية الان لم نعرف ابواب صرف هذه الاموال".

إن التاريخ سيثبت لشعبنا إن حكومات المحاصصة الطائفية ومعها ميليشياتها غير القانونية وغير الدستورية هم أشبه بعيّاري القوّاد الذين باعوا بغداد وأهلها عهد المأمون العبّاسي، الا اننا لن نرى فيهم عيّارا واحدا يبكي بغداد كما أحد عيّاري ذلك الزمان الذي أنشد متوجعّا.....

بكيت دما على بغداد لمّا             فقدت غضارة العيش الانيق

تبّدلنا هموما من سرور             ومن سعة تبدّلنا بضيق

أصابتنا من الحسّاد عين           فأفنت أهلها بالمنجنيق

فقوم أحرقوا بالنار قسرا           ونائحة تنوح على غريق

وصائحة تنادي، واصباحا           وباكية لفقدان الشقيق

تفر من الحريق الى أنتهاب         ووالدها يفر الى الحريق

ينادين الشفيق ولا شفيق           وقد فُقِدَ الشفيق من الشفيق

ومغترب قريب الدار ملقى           بلا رأس بقارعة الطريق

 

من له كرامة على شعبه ليحاسب المالكي والجعفري والفيّاض والسوداني والعطية ومعصوم وميسون وحنان وغيرهم من سارقي أموال شعبنا، أليس في العراق بملايينه رجل؟

إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يده أوشك أن يعمهم الله تعالى بعقاب ... "النبي محمد"

 

 

زكي رضا

الدنمارك

17/1/2015

.........................

(1) مختصر كتاب البلدان للهمذاني 239 – 240

(2) أحسن التقاسيم للبلاذري ص 120

(3) تاريخ الطبري ج 8 ص 445

في المثقف اليوم