قضايا

حق التعبير والحقوق الأخرى

hasan zayedحق التعبير عن الرأي من الحقوق المكفولة دستورياً. ولا وجه لمصادرته، ولا المزايدة عليه أو به، كما أنه ليس نهاية المطاف فيما يتعلق بحقوق الإنسان، إذا تمت المطالبة به، فقد تمت المطالبة بحقوق الإنسان، وإذا توقفت هذه المطالبة فقد توقفت المطالبة بحقوقه. وإذا حصل الإنسان علي حق التعبير عن الرأي، فقد حصل علي كافة حقوقه، وإذا لم يحصل عليه، فقد عدم كافة الحقوق. ولا نعني بذلك التوقف عن المطالبة بهذا الحق، وإنما نعني وضعه في حجمه الطبيعي. فالمطالبة بحق التعبير عن الرأي، رغم أنه له صفة العمومية والتجريد، أي أنه حق يختص به الجميع، ولو مارسه علي مستوي الواقع شخصاً واحداً، إلا أنه يبقي مؤطراً بإطار من له رأي يرغب في التعبير عنه. والبحث وراء من له رأي يري أن التعبير عنه يتقدم علي ما عداه من حقوق، سنجد أنه عدداً محدودً، قياساً علي عدد السكان. سم من يتعرض للمطالبة بهذا الحق بما شئت من الأسماء، سمه الطليعة أو الريادة أو القيادة أو الصفوة أو النخبة، إلا أنه يبقي محدوداً بحدود، لا تجعل مطلبه متقدماً علي ما عداه من مطالب وحقوق. ولذا فإنه لا يتعين لمن يتعرض للمطالبة به لنفسه أو لغيره، أن ينغمس في هذه المطالبة، ويستغرق نفسه فيها، ولا أن يغمس المجتمع، ولا يغرقه فيها بذات القدر، دون الإلتفات إلي الحقوق الأخري. فهناك أقوام لقمة العيش لديهم مقدمة علي ما عداها، وكذا الحق في السكن، والحق في الصحة، والحق في التعليم ، والحق في العمل، والحق في الحياة. وما قيمة حرية التعبير في مجتمع ما، يعاني من الأمية والجهل. فقد قال أحدهم : علمني كيف أتكلم، ولكن لا تضع الكلمات في فمي، وهنا تأتي أهمية التعليم كحق من الحقوق المتقدمة في الترتيب علي حق التعبير عن الرأي. والحق في التعليم حق منقوص لفئات عريضة في المجتمع المصري، ومنعدم لفئات أخري، ومنقوص من حيث مطابقته للمعايير القياسية الدولية. فمناهج التعليم لدينا فقيرة من حيث المضمون والشكل، إلي حد عجزها عن بناء العقلية المتكاملة ذات التفكير المنهجي، القادرة علي البحث، والتحليل، والنقد، واستخلاص النتائج. حيث ما زالت تلك المناهج قائمة علي التلقين والحفظ، وعمليات القص واللصق. لا تبني عقولاً متفاعلة فاعلة ، وإنما أوعية، يجري استدعاء ما حوته في الإمتحانات واستفراغه في كراسة الإمتحان، ويصبح ما تم تسطيره من كلمات هو معيار قياس التفوق، وما يترتب علي هذا القياس من ترتيب في الحصول علي فرصة تعليمية أفضل، وما يتبقي بعدها يصبح لا لزوم له، ويجري استفراغه كلما تقدم به الزمن، سواء بالترسيب أو التبخير، بفعل عوامل عدة. ومظاهر ذلك بينة، ولا تحتاج إلي أدلة، فتدني البني التحتية من كتب ومعامل وأجهزة ووسائل تعليمية ينبيء عن فساد المنهج لفساد وعاءه. ووجود التعليم الموازي من كتب خارجية ودروس خصوصية يشي بعجز المنهج الأصلي عن الوصول المباشر للمتعلم دون وسيط. ووجود التعليم الخاص إلي جوار التعليم العام لم يؤد إلي خلق المنافسة المطلوبة لتجويد التعليم كما كان مستهدفاً، أو كما يجب أن يُستهدف، وإنما أدي إلي تدهور التعليم العام لهجرة الكفاءات إلي القطاع الخاص، وفي ذات الوقت نهم القطاع الخاص لجني الأرباح من وراء استثمار الأموال في التعليم كخدمة احتكارية في ظل انعدام المنافسة من جانب التعليم العام. هذا كله مع افتراض سلامة المنهج، فما بالنا لو كان المنهج في ذاته فقيراً ضحلاً، بالإضافة إلي ما تقدم. وهنا يجري استدعاء قول القائل مرة أخري : علمني كيف أتكلم، ولكن لا تضع الكلمات في فمي. وتصبح حرية التعبير بذلك مرهونة بجودة التعليم، والحق في الحصول عليه.

 

حسن زايد


 

في المثقف اليوم