قضايا

الحـق فــي الـعلاج

hasan zayedالحق في الصحة، من بين حقوق الإنسان، إذا اعتبرنا أن الصحة تعني العافية والسلامة. والصِّحَّةُ في البدن: حالة طبيعية تجري أفعالُه معها على المجرى الطبيعي، علي نحو ما ورد في معجم المعاني. وكي يحيا الإنسان حياة طبيعية، خالية من الأمراض فلابد من إقتران الحق في الصحة، بالحق في العلاج، وجوداً وعدماً . فلا محل للعافية والسلامة دون توافر العلاج، والعلاج هو مداواة الطبيب للمريض. وحال الصحة، وحال المرض لا يستثني منهما أحداً. ولا يفرق المرض حين يأتي بين غني وفقير، أو رفيع ووضيع، أو خلوق ورقيع، أو شيخ ورضيع . فإذا كان المرض لا يفرق بين البشر، فكيف بالعلاج يفرق بينهم وعلي أي اعتبار؟. ألا يكفي أن يكون المريض إنساناً كي تتوفر له الفرصة المتكافئة في العلاج لهذا الإعتبار وحسب؟ !. أم أن صحة البشر خاضعة فيما تخضع لقواعد العرض والطلب؟ . لا شك أن المنظومة الصحية في مصر، المنوط بها تقديم الخدمة الطبية للمصريين، لا تقدم هذه الخدمة علي نحو متكافيء؟ . وهذا يعني وجود خلل في هذه المنظومة . والخلل ليس ناتجاً عن عجز في الإمكانيات، أو نقص في المستلزمات، أو فقر في الكوادر البشرية، من طواقم الأطباء، والتمريض، والإداريين، والعمال . فليس من المعقول قبول هذا الإدعاء في مجتمع يعاني من البطالة، إذا اعتبرنا أن البطالة هي فائض بشري عن الحاجة . وإنما يستساغ قبول القول بأن وجود نقص أو عجز أو فقر في الكوادر البشرية في جانب، وفوائض بشرية في جوانب أخري، وفائض عن الحاجة المجتمعية في جانب ثالث، ناتج عن سوء التوزيع في المجتمع ابتداءًا، وغياب الرؤية الإستراتيجية في إدارة الموارد البشرية المتاحة . فإذا عدنا إلي المنظومة الصحية لوجدنا بوناً واسعاً بين الخدمة المقدمة في المستشفيات الخاصة والمراكز الطبية المتخصصة، وتلك المقدمة في الوحدة الصحية بالقرية، أو تلك المقدمة في المستشفيات العامة، أو مستشفيات التأمين الصحي . هذا البون تجده بداية من مدخل المكان، وكيفية الإستقبال، ومستوي الإنجاز في آداء الجانب المالي والإداري، ومستوي الرعاية التمريضية، ومستوي البنية التحتية المتوافرة من آثاث وأدوات ومستلزمات طبية، ومستوي الآداء الطبي من الأطباء، ومدي دقة الفحص والتشخيص ووصف العلاج . فإذا بحثت في علة وجود هذا البون الشاسع في المستويات، فلن تجد سوي البعد المالي، فهو البعد الحاكم للمنظومة برمتها. فعلي قدر ما في جيبك، أو ما في جعبتك، يكون علاجك، وتكون الخدمة الصحية التي تتلقاها، سواء علي نحو مهين أو نحو كريم . ومن هنا يأتي الخلل، إذ لو أن ما في الجيوب، أو الجعاب، هو ناتج التوزيع العادل للثروة في المجتمع، لقلنا أن هذه الفروق في مستويات الخدمة الطبية، والحق في العلاج والصحة هي فروقاً عادلة . ولكن توزيع الثروة في المجتمع عدالته معطوبة، وقد امتد عطبه إلي أبسط حقوق الإنسان ـ مطلق إنسان ـ وهو الحق في العلاج، والحق في الصحة. فهناك فئات عريضة في المجتمع، لا تجد قوت اليوم، والموت مرضاً لديها، أكثر رحمة، من الموت جوعاً، وفئات أخري ترجيء العلاج لحين ميسرة، وميسرة لا يأتي رغم طول الإنتظار . وحين يذهبون لتلقي الخدمة العلاجية سواء في الوحدة الصحية أو المستشفي العام أو في مستشفيات التأمين الصحي ينطبق عليهم المثل الشعبي الدارج: " داخلها مفقود، وخارجها مولود "، وما بين الجملتين مفهوم وواضح . بينما تجد فئات قليلة تتمتع بالخدمة الفندقية في مستشفيات ومراكز طبية موجودة علي أرض مصر . ونحن لا نحسد الناس علي ما أتاهم الله من فضله، ولكننا نطالب بالعدالة في الحقوق الأساسية، ومن بينها الحق في العلاج . لن نقول بهدم المستشفيات الخاصة والمراكز الطبية ؛ لإذابة الفروق بينها، وبين الوحدات الصحية والمستشفيات العامة، ومستشفيات التأمين الصحي، ولكننا نقول برفع مستوي الأخيرة إلي ما يقارب مستوي الأولي، لخلق منافسة من نوع ما، تحد من السعار في تكلفة العلاج . لابد من الإجابة عن تساؤل منطقي حول علاقة الوحدات الصحية، والمستشفيات العامة، والتأمين الصحي، بالخدمة العلاجية، قياساً علي تلك التي تقدم في غيرها . وبحث العلاقة الجدلية بين الطبيب، وعيادته الخاصة، والمستشفي العام، والمستشفي الخاص، والتدريس في الجامعة. وأثناء البحث لابد أن نضع في الإعتبار أنه لا محل للإتجار بصحة البشر، وإن صح الإستثمار فيها باعتبارها مورداً إقتصادياً فاعلاً .

 

حــســـــــن زايــــــــــد

في المثقف اليوم