قضايا

القتل حرقا سنّة أسلامية .. فلم العجب؟

صُدِمَ العالم يوم أمس بالطريقة البشعة التي تم فيها قتل الطيار الاردني "معاذ الكساسبة" من قبل عصابات "داعش" الأرهابية بعد أن نقلت صفحات الارهابيين الالكترونية فلما عن طريقة القتل التي لن توحي الا بهمجية أشباه البشر هؤلاء وخسّتهم ومدى إجرامهم. وجريمتهم هذه ليست أكثر بشاعة من قتلهم لشهداء "سبايكر" مع حلفائهم البعثيين في صلاح الدين ونينوى والانبار وغيرها من مدن وبلدات العراق التي عاثوا بها فسادا، بعد تحالفهم مع هذه العصابات البربرية وفتح مدن المحافظات السنّية أمامهم.

لقد خرجت علينا مرجعيات دينية ورجال دين بعد جريمة "داعش" هذه بتبريرات عديدة كالعادة تبريء فيه الدين الاسلامي من أمثال هذه الجرائم البشعة التي يقف مجرمون لا يعرفون من الاسلام شيئا وفق وجهة نظرهم!! دون ان يعودوا لقراءة تاريخ الاسلام منذ نشأته أو على الاقل بعد أن اصبح دينا لامبراطورية واعدة ما مرّت سنوات حتّى كانت تحتل بحد السيف مساحات شاسعة أمتدت من حدود الصين حتّى حدود أسبانيا الشمالية مرورا بشمال إفريقيا وصولا الى وسط أوربا، وما نتج عن عمليات الاحتلال تلك والتي يسّميها الاسلاميون "فتوحات".

لا يجب أن نصاب بالعجب لما كانت ترتكبه إمبراطوريات كبرى كالبيزنطية والفارسية وغيرهما من جرائم بشعة بحق مخالفيهم ولا طرقهم البربرية في قتلهم لاولئك المعارضين أو أبناء البلدان التي كانوا يحتلونها. ولكننا يجب ان نصاب بالعجب والدهشة ونحن نقرأ أمّهات الكتب الاسلامية التي لازالت تملأ رفوف المكتبة الاسلامية حول طرق القتل والتعذيب التي كان يمارسها المسلمون بحق أبناء الشعوب المغلوبة أو بحق مخالفي سلطتهم من قبل معارضهيم المسلمين. أقول نصاب بالدهشة والعجب كون المرجعيات الدينية لا تريد ان تعترف بمدى همجية تلك الممارسات لليوم بل وتعمل جاهدة على تعطيل العقل العربي خصوصا والاسلامي عموما عن البحث والتنقيب في تاريخ دينهم ومحاولة بعض المفكرين من تجديد التفسير الديني على الاقل كي يتوافق مع تطور الفكر البشري وآفاقه الرحبة.

دعونا نعود الى مقتل الطيار الاردني "الكساسبة" حرقا لنتابع ما قاله الأمين العام لمجمع البحوث الأسلامية في الأزهر "محي الدين عفيفي" حينما قال "إن الدين الأسلامي يرفض هذه الأفعال جملة وتفصيلا" ولنرحل مع ما قاله الى أيام خلافة "أبي بكر الصدّيق" لنتعرف إن كان الحرق من الدين الاسلامي بشيء أم لا؟

يقول أبن الأثير، وأما خبر الفجاءة السلمي وإسمه إياس بن عبد ياليل فإنه جاء إلى أبي بكر ، فقال له : أعني بالسلاح أقاتل به أهل الردة، فأعطاه سلاحاً وأمره أمرة فخالف إلى المسلمين ، وخرج حتى نزل بالجواء وبعث نخبة بن أبي الميثاء ، من بني الشريد وأمره بالمسلمين، فشن الغارة على كل مسلم في سليم وعامر وهوازن، فبلغ ذلك أبابكر ، فأرسل إلى طريفة بن حاجز يأمره أن يجمع له ويسير إليه ، وبعث إليه عبد الله بن قيس الحاشي عوناً، فنهضا إليه وطلباه فلاذ منهما ثم لقياه على الجواء فإقتتلوا، وقتل نخبة ، وهرب الفجاءة فلحقه طريفة فأسره ثم بعث به إلى أبي بكر، فلما قدم أمر أبوبكر أن توقد له نار في مصلى المدينة ثم رمي به فيها مقموطاً. (1)

أما أبن خلدون فقد ذكر نفس الواقعة قائلا " وأما بنو سليم فكان الفجاءة بن عبد يا ليل قدم على أبي بكر يستعينه مدعياً إسلامه ، ويضمن له قتال أهل الردة فأعطاه وأمره وخرج إلى الجون وإرتد ، وبعث نجبة بن أبي المثنى من بنى الشريد وأمره بشن الغارة على المسلمين في سليم وهوازن فبعث أبوبكر إلى طريفة بن حاجز قائده على جرهم وأعانه بعبد الله بن قيس الحاسبي فنهضا إليه ولقياه فقتل نجبة ، وهرب الفجاءة فلحقه طريفة فأسره وجاء به إلى أبي بكر فأوقد له في مصلى المدينة حطباً ثم رمى به في النار مقموطاً. (2)

وفي معارك العرب الداخلية بعد وفاة النبي محمد والمسمّاة بالردّة فأن العديد من الصحابة أعترضوا على عمليات حرق الاسرى التي كان ينفّذها "خالد بن الوليد" وقد فاتحوا "أبي بكر الصدّيق" بالأمر فردّهم قائلا "لا أشيم سيفا سلّه الله على الكفّار"، وفي نفس تلك المعارك وبعد قتل مالك بن نويرة فأن خالدا بن الوليد أم برأسه فجعل مع حجرين وطبخ على الثلاثة قدرا فأكل منها خالد تلك الليلة ليرهب بذلك الأعراب من المرتدة وغيرهم!! (3).

وقد أستمرت هذه الهمجّية والمثلة عند الامويين كحرقهم "للمغيرة بن سعيد العجلي" بأمر مباشر من قبل "خالد القسري" ، أما العباسيين فأنهم أعدموا الكاتب "عبد الله بن المقفع" بأمر من "سفيان بن معاوية أحد ولاة المنصور"، وقد طوّر العباسيون لاحقا هذه الطريقة البشعة الى أبشع عندما حرقوا "محمد بن الحسن المعروف بشيلمة" وهو أحد قادة الزنج فوق نار هادئة.

السادة في الأزهر وغيره من المؤسسات الدينية الاسلامية ، السيد "محي الدين عفيفي" الامين العام لمجمع البحوث الاسلامية، هل الدين الاسلامي أيام "أبي بكر الصديق" هو نفسه الدين الاسلامي اليوم؟ إن كان الجواب نعم فهذا يعني إن الحرق هو من الدين الاسلامي والاّ لمَ يحرق "أبي بكر مناوئيه"، وإن كان الجواب لا فكيف تفسّر لنا قيام "ابي بكر بحرق مناوئيه" وهذا العمل ليس من الاسلام بشيء كما تقول؟

أيها الدواعش بالله عليكم وانتم تذبحون أبنائنا بالعراق أن تحسنوا الذبحة فقد جاء في صحيح مسلم "عن شداد بن أوس رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته".

أنسنة الاسلام بحاجة الى قراءة جديدة لنصوص القتل والنهب "الانفلة" لتتماشى مع عالمنا المتحضر اليوم.

 

زكي رضا

الدنمارك

5/2/2015

 ......................

(1) إبن الأثير - الكامل - الجزء : (2) - رقم الصفحة: (350)

(2) إبن خلدون - تاريخ إبن خلدون - الجزء: (2) - رقم الصفحة : (72)

(3) البداية والنهاية لابن كثير فصل في خبر مالك بن نويرة اليربوعي التميمي

 

في المثقف اليوم