قضايا

لاتسكتوا سلطتنا الرابعة

jawadkadom gloomفي كل دول العالم يحسب للإعلام وللصحافة ونشاطها ومايكتب في الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية التي تعنى بمراقبة سير العملية السياسية ومتابعة نقاط الزلل والإصابة وانعكاسها على الناس ؛ اقول يحسب لها الف حساب لأنها العين الثاقبة التي تراقب هيكل الحكم بدءا من رئاسة الجمهورية حتى ادنى منظومة حكومية مرورا برئاسة الوزراء ومراقبة اعمال السلطات الثلاث التي ترتكز عليها الدولة ونُظمها السياسية لتسليط الضوء على الاخفاقات بغية معالجة الخلل وتجاوزه كما يتمّ الاشادة والتقدير العالي للنجاحات لكننا نحن في العراق لانعير انتباها لما يكتب في صحافتنا اليومية وفي بقية وسائل الاعلام ولا نعبأ بما يكتب او يقال إلاّ ماندر لسبب بسيط جدا وهو اننا لانريد بناء دولة مؤسسات ونرفض ان نخلق دولة مدنية ونهمّش الاعلام والصحافة الحرّة المستقلة التي تبصر الخلل والعيوب وتفضحه ابتغاء جذّه واستئصاله اعتباره ورَما خبيثا وسقما آيلاً للتوسّع في جسد وهيكل الدولة الراقية المرجوّ تشييدها على دعائم سليمة

ففي كل مرفق من مرافق الدولة وفي ديوان الوزارات هناك مكاتب اعلامية تطلّع على ماينشره الاعلاميون باعتبارهم رقباء السلطات الثلاث وتُولي هذه المكاتب اهتماما استثنائيا بكل مايتعلق بهم من مشاكل ومعوقات ذكرتْها وسائل الاعلام من اجل معالجتها ووضع الحلول المناسبة خاصة اذا تعرضت شريحة مجتمعية للحيف او الظلم ضمن مسؤولية الوزارة المعنية لإمكان معالجة الخلل والخطأ واتخاذ التدابير العاجلة من اجل تفادي ايّ زلل او نكوص يتعرض له البعض من الشرائح الاجتماعية او فئة من الناس

هكذا تتعاون السلطة الاعلامية والتي تسمى مجازا " السلطة الرابعة " مع السلطات الثلاث من اجل معالجة الثغرات وإيجاد الحلّ الناجع غير اننا في العراق نسير عكس التيار فلا احد يعبأ بالمؤشرات التي تظهرها الصحافة والإعلام وكأن الكتّاب وحملة الاقلام يصيحون في وادٍ غير ذي زرع حتى يخيّل الينا احيانا ان لااحد يقرأ او يتابع نشاطات الصحافة ولااحد يهتم اساسا بما تراقبه السلطة الرابعة حين تُظهر مواطن الخلل والإجحاف الذي يتعرض له الناس وكأنّ مفاصل ومنتسبي الإعلام في الوزارات لهم أذان لايسمعون بها وعيونهم سارحة في غير مانقول او نكتب

حقا ان اخفت الاصوات لصوت الاعلامي وصار قلم الصحفي منكسرا واهيا وخطوط حروفه هلامية وضبابية لاتكاد تقرأ وهذا هو الحال والمآل الذي اضحت السلطة الرابعة تشكو منه فصارت صحافتنا مائعة وإعلامنا يصيح بملء فمه دون ان يلقى مسامع تصغي اليه

لست بحاجة الى التذكير بأهمية وسائل الاعلام والصحافة في العالم كله لما له من دور فعال لنقد كل ماهو سلبي لأجل تصحيح مسارات العمل وايجاد الوسائل المثلى لتحسين الادارة وترتيب الامور على احسن وجه فقد كان الاعلامي الصحفي في بلادنا طيلة السنوات التي سبقت الغزو البربري على بلادنا وماقبلها في القرن المنصرم له الكلمة المسموعة النافذة وكان كل حرف يقوله بمثابة السهم الكُسَعيّ الذي لايخطأ وكان الصحفي الكاتب هو حلقة الوصل المتينة بين الناس والدولة فما يكتبه مثار اهتمام كبير . وكثيرٌ من التقارير الصحفية الموثوقة المعززة بالبراهين والأدلّة أقامت الدنيا ولم تقعدها في اروقة الوزارات والدوائر المعنية بالأمر لأخذها بعين الاعتبار والاهتمام الكبير وإيجاد الحلول السريعة وتذليل كل العقبات والعراقيل والأخطاء التي تعيق سير العمل نحو الافضل والأجدر .. فما عدا مما بدا سوى ان نقول ان القائمين على دفّة البلاد لايهمهم مطاليب هذه الشرائح المغلوب على امرها فجعلوا الاعلام رخواً والصحافة هزءاً والسلطة الرابعة مائعة حتى ان البعض من كتّابنا الكبار وصحفيينا الناشطين اصيبوا بخيبة أمل فالتوَت اقلامهم وطويت صفحاتهم واصيبوا باليأس والإحباط مادام هناك من المسؤولين والمتنفذين منشغلين بمصالحهم الشخصية ومحاصصاتهم المملوكة لهم وكأن مرافق الدولة غدت عقارات ثابتة لهم لنيل المنافع الذاتية للصحب والأقرباء والأحزاب والشلّة المقرّبة ونسوا ان هناك شعبٌ عراقيّ ربع سكّانه تحت خط الفقر مع انه عائم بالخيرات الوفيرة، كما تقول السلطة الرابعة وتقاريرها وان الامية بدأت نسبتها بالارتفاع حتى تجاوزت 20 % من سكانه ولا من معالجات ناجعة فقد بُحّت اصواتنا من الصراخ والعويل وتعبت ايادينا من الكتابة ولا من يقرأ او يسمع ليستجيب حتى اوشك اليأس والنكوص ان يتلبسنا

لكننا لن نهدأ ونبقى نستصرخ ضمائركم لعلها تنتبه ولو آجلا، وسنظلّ نكتب ونُبري اقلامنا عسى ان تتفتح العيون النائمة وتزول الغشاوة عنها لأننا لانريد ان تكون سلطتنا واهنة مائعة بل رقيبة وكاشفة، انها سلطتنا الرابعة حتى لو كانت تخلو من كراسيها الوثيرة

 

جواد غلوم

 

في المثقف اليوم