قضايا

الأسوأ قد حصل .. فما الذي ينتظرنا؟!

qassim salihyتفيد تقارير عالمية من جهات علمية تخصصية ان الأسوأ قد حصل فعلا في العالم العربي، وأنه اصبح المنطقة الأكثر عنفا سياسيا والأشد خطرا والأقل سلما واستقرارا على صعيد العالم. وتخلص الى ان مقارنة اوضاع دول منطقة الشرق الاوسط ببقية الاوضاع في العالم تشير الى ان المنطقة باتت اكثر خطرا واقل سلما واقل استقرارا عن مناطق كانت تحتل هذه المرتبة المخيفة مثل افريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا على وجه الخصوص. ووفقا لـ(مؤشر السلام العالمي) الذي يصدره معهد الاقتصاد والسلام العالمي في استراليا، فانه يحدد الدول (الآقل سلمية) في المنطقة بكل من: سوريا، العراق، السودان، اسرائيل، ايران، ليبيا، اليمن، مصر، ولبنان .. بوصفها المناطق الأكثر خطرا في العالم .. مستندا في ذلك الى عشرة مؤشرات خاصة بأمن وسلامة المجتمع، منها:معدلات الجريمة، النشاط الارهابي، التظاهرات العنيفة، العلاقات مع الدول المجاورة، استقرار الوضع السياسي، الانفاق العسكري من الناتج المحلي الاجمالي .. وأخرى تخص الوفيات الناجمة عن جرائم القتل والنزاعات المسلحة، والنزاعات داخل الدولة وبينها ودول اخرى.

وتشير (تشارليت انجام) محللة المخاطر السياسية بمؤسسة (مابلكروفت) الى تصاعد العنف الاجتماعي والصراع السياسي في دول (الثورات) العربية التي ما تزال تلقي بظلالها على المنطقة، وانها حولت الشرق الاوسط الى اكثر مناطق العالم خطورة في عام 2013 والربع الأول من عام 2014 .فبعد ان كانت سوريا تحتل المرتبة رقم 69 عالميا على مؤشر المخاطر السياسية في عام 2010، صارت تحتل المرتبة الاولى في عام 2014، وأن ترتيبها لا يعكس فقط حجم وحدّة الصراع الذي أودى بحياة ما يزيد عن 150 الف ضحية لغاية آذار 2014، بل يعكس ايضا التفكك الذي حصل لمكونات المجتمع السوري، فيما جاء العراق بعد سوريا في المنطقة . فوفقا للتقرير شهد العراق 3278 حادثة ارهابية ادت الى مقتل 6034 شخصا واصابة 15023 آخرين منذ مطلع 2008 وحتى نيسات 2014، مع ملاحظة انه من اجمالي هذه الحوادث الارهابية واعداد الضحايا فان 2155حادثة ارهابية وقعت خلال العام الاخير (مايس 2013 الى مايس 2014)اسفرت عن مقتل 2836 شخصا واصابة 7850 وهو ما يكشف عن تصاعد نسبة الحوادث الارهابية وحجم الخسائر البشرية من قتلى وجرحى بنسبة تقارب 50% خلال عام واحد.

ويشير التقرير الى ان سوريا انتزعت من افغانستان لقب اقل دول العالم سلمية لتأتي في المركز 162 على مستوى العالم والمركز 19(آخر دولة) على مستوى الآقليم، فيما يأتي العراق بالمركز 159 عالميا والمركز 18(ثاني اخطر دولة)على مستوى الأقليم.

وكشف تقرير (مؤشر الدولة الهشة)الصادر في تموز 2014، وتقرير (صندوق السلام) الصادر عن منظمة امريكية تعنى بمنع النزاعات، بالتعاون مع مجلة (فورين بوليسي-السياسة الخارجية) عن ان غالبية دول الشرق الأوسط تدخل ضمن فئة الدول الهشة التي تعاني من: اضطرابات سياسية وامنية ومجتمعية، واستمرارية اوضاعها المتدهورة، عدم حصول فيها المواطن على كامل حقوقه فضلا عن استمرار معاناته وفقره، لاسيما في العراق، واليمن، وسوريا، والسودان.ويضيف التقرير ان غالبية دول الشرق الأوسط تأتي في مقدمة الدول التي تتجه نحو مزيد من عدم الاستقرار، خصوصا في :سوريا، العراق، اليمن، ولبنان .. التي ما تزال حكوماتها غير قادرة على اداء وظائفها السياسية، فيما وصف تقرير (صندوق السلام) العراق بأنه ما يزال في دائرة الخطر والفشل في ظل ما يعيشه من احداث امنية خطيرة وغياب حكم القانون والنزوح السكاني وهجرة العقول البشرية.

ان ما يحصل للمجتمع والدولة والاقتصاد من تغيرات هي التي ستتحكم بمسار الاحداث في الشرق الاوسط .فالذي يتمعن في نتائج هذه التقارير العالمية الرصينة يخلص الى ان (الدولة) اصبحت عاجزة عن القيام بوظائفها الاساسية، وان محاولات اعادة بناء الدولة في معظم دول الثورات العربية اضحت متعثرة، وان هيبتها او مكانتها قد تعرضت الى تصدع في عدد من الدول العربية (سوريا، العراق، اليمن، ليبيا، بشكل خاص)، وان العلاقة بين الدولة والمجتمع قد تخلخلت، فيما احدث الصراع السياسي على السلطة والثروة عنفا مجتمعيا واحترابا مذهبيا، ودينيا، وعشائريا، بين المكونات الاجتماعية.

ونشير من جانبنا، وهذا ما لم تتطرق اليه التقارير الدولية، الى ان المجتمعات العربية تتحكم بها العصبية القبلية وعصبيات اخرى بعضها على شكل تحالفات قبلية توحدها قيم دينية، واخرى تحالفات تمثل شلة سياسية .. ادت الى ظهور (دويلات) عرقية او طائفية او تنظيمات دينية متطرفة .. كما هو الحال في لبنان وسوريا والعراق باحزابه الدينية التي صار لكل واحد منها مليشيا او تنظيم مسلح .. تفضي كلها بالنتيجة الى قوة الولاءات للهويات الفرعية على حساب الولاء السياسي للدولة وهوية المواطنة.

من جانب آخر .. استطاعت القبيلة ان تقف بوجه الدولة لاسيما في الانظمة القمعية البوليسية التي يهيمن عليها حزب واحد كما هو الحال في السودان وسوريا .. ما يعني ان معظم دول الاقليم العربية التي دفعها فشلها في تامين حياة كريمة للمواطن وتحقيق اهداف تنموية اجتماعية .. اعتمدت على دول خارجية تمنحها الشرعية مقابل تحقيقها مصالح اقتصادية واستراتيجية.

فضلا عن ذلك فان هذه التقارير اهتمت بتحليل العوامل السياسية والاقتصادية واغفلت العامل السيكولوجي، لاسيما العقل الجمعي للشعوب العربية، المشحون بالماضوية الذي كنّا وصفناه بانه (مخدّر وخالق اوهام ومثير فتنة). ولم يلتفت معدّو هذه التقارير، وغالبيتهم المطلقة اجانب، الى ان (التعصب) القبلي والعرقي والمذهبي الطائفي .. بين مكونات المجتمعات العربية له الدور الأكبر في النزاعات المجتمعية، وفي الصراع بينها وحكومات هذه الشعوب. ولهذا، فنحن لسنا مع توقع تلك التقارير بأن مستقبل الشرق الأوسط ستبتان معالمه بعد سنتين من الآن، فيما توقعنا القائم على منظور علم النفس والاجتماع السياسي يشير الى ان النزاعات والصراعات في العالم العربي ستزداد حدة لأن العقل السياسي العربي صار مأزوما، والناس موزوعون على ولاءات قومية وطائفية وعشائرية، وأن الحال لن يتغير الى ان تتعب هذه الشعوب من نزف الدماء، ويزاح عن السلطة .. جيل سياسي مأزوم!

 

أ.د.قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

 

في المثقف اليوم