قضايا

سوسيولوجيا الخيانة السياسية وسيكولوجية الخائن

altayb baytalalwiقال رجل الدولة والسياسة الفرنسي جورج كليمنوصو: السياسي الذي يغادر حزبك لينضم الى تنظيم آخرفهو خائن والذي يأتي من فريق معارض لينضم الى حزبك فهوتائب اومهتدي

وتضيف الخبيرة في علم النفس التحليل السياسي : آن مارلون : ولكي يكون الذي يغادر حزبه أو يغيرموقفه السياسي خائنا أومهتديا، فعليه أن ينضم إلى الفريق المناسب:أي الحزب الأوحد والرابح المطلق، وإلا فسيصبح، فقط، في عداد الأغبياء الموتورين .. - وتلك حقيقة (أنثروبو- تاريخية) مُرة، مع ما في هذا التوصيف من صياغة مجازية تورية لطيفة من حيث المبنى، وما فيها من نسبية سينيكة باردة من حيث المعنى، .. فالخونة كلهم كانوا عبر التاريخ سينيكيون ومغفلون :يخطؤون التقديروالحسابات، يدَعون التعبقر والفهلوة والشطارة، ويؤمنون بقدراتهم الخارقة في تمكنهم من حرفنة التموضع والتموقع والستراتيجية، إلا انهم يخسرون ذواتهم وذويهم، ويرمى بهم في مزبلات التاريخ بسبب غباوة وضع النقاط في غير أماكنها (1)

 

مدخل عام:

زخرتاريخ البشرية الطويل لكل الحضارات بقصص وأساطير الخيانات السياسية التي غيرت مجريات جغرافيات لصالح الأعداء والأغيار، وهي تقلبات سينيكية عرجت بشعوب نحو منعرجات طوحت بها في مطاوح لا منافذ لها سوى التيه في المسالك ومجابهة الأهوال ومقارعة المهالك،

و تكررت ظواهر الخيانات الكبرى والصغرى التاريخية عند مختلف الأمم، تناتجت عنها أحداث عظمى وحروب كبرى، شطرت بلدانا إلى أحزاب متعادية، وفرق متناحرة، ومذاهب مهرطقة وفسطاطات متشعبة، حرفت صراعاتاها أديانا، ومسخت أعرافا وتقاليدا، وأذابت ثقافات، وخربت أوطانا، وأطاحت بممالك ودول وأمبراطوريات، حتى جعلت الكثير من نبهاء المفكرين المشتغلين برزايا البشر، والمنشغلين بخطايا الإنسان وإنحرافاته، وتقلبات الدهر وعظاته، يدورون حول أنفسهم، و يلوكون بين أشداقهم نفس التساؤل السرمدي الملغوز :هل يعيد التاريخ نفسه أولا يعيده؟

 

المعنى العام لسوسيولوجية الخيانة:

الخيانة - كظاهرة (سوسيو- سيكولوجية): أسروية، أوإخوانية أوعاطفية أومهنية: عمت الأفراد والجماعات عبرالتاريخ الإنساني كله، وما من أحد من البشر إلا ومارسها أو تعرض لها بشكل من الأشكال، ذكر لنا البعض منها الكاتب القاص والصحفي الباحث في قصته في أدبClaude Sales كلود صال الخيال السياسي المعنونة ب الخيانة لخصها لنا في هذه العبارة: نتناسى خياناتنا الخصوصية الصغرى، لأننا لا نتنقل من تجمع أو من فريق الى آخر بغرض إلحاق الأذى والضرر. بل نقوم- في الغالب- بفسخ العقود وعدم الوفاء بالعهود، في لحظات الضعف، وضغوط الأهواء، وضرورات تأثيرات لحظة راهنة قاهرة، قد لا يستوعبها منطق الذي تمت خيانته أوالغدر به

ولا تترك هذه الأنواع من الخيانات الإعتيادية آثارا بعيدة المدى في الأفردا سوى تلك الجروح العميقة في النفوس الحساسة أوالمتنرجسة، وتحطم غرورمن آدتهم تلك الخيانة ....

وعندما نتعرض لظواهرالتقلبات الأهوائية :السياسية والإيديولوجية والحزبية والتحالفات العسكرية التي مارسها منذ القدم بعض البشر.. فإننا هنا لا نواجه فحسب قدرأو مصيرفرد مختل مزاجي وأهوائي، بل إننا نواجه قدرومصيرأمة بكاملها.. فتكون الخيانة، من هذا المنظور، معضلة إنسانية كبرى، وسينيكية عبثية عظمى، تتكرر، كظاهرة بشرية، منذ ما قبل تدوين التاريخ البشري، –بدءا ب قابيل وهابيل- سجل لنا التاريخ فظاعات نتائجها السلبية وتأثيراتها المرعبة على مقاديرالشعوب والامم،

ولكم روعت الخيانات التاريخ الإنساني، وحطمت آمال البشرية وقوضت كل ما هو بريئ وجميل في النفوس النقية الفطرية

ولعل المغالاة في الطموح الفردي هوالمحرك الأساسي للخيانة :

- العطش المفرط للسلطة، - أيا كانت-

- الرغبة الملحة المرضية في الظهوراو التسلق في السلم الحزبي او الحكومي او التجاري، وأحيانا لمجرد الإنتقام او رد الإعتبار

- السقوط في هوس الربح العاجل والفوز الدنيوي الآجل، والسعي وراء النفوذ عبر سطوة المال، اونشدانا للمنصب الديني من أجل الإستحواذ على السلطة الروحية و التأثير في النفوس عبر القداسة الربانية،

وقد حفل التاريخ بنماذج لخونة مؤمنين ب الخيانة كمبدإ أسمى: –من سلاطين وخلفاء وملوك وامراء وفقهاء وعلماء، ورجال كنيسة ووزراء وجنرالات ومارشالات ومثقفين ومفكرين، يشترك كل هؤلاء في شيء واحد :وهو فن خداع النفس، وملكة تحايلات طمأنة الضمير، والإيمان المطلق بإتخاذ القرارالسليم من أجل الخير الأسمى والمبدأ الأعلى-

وكم هي سينيكية الخيانة السياسية :

مثل خائن روما الأشهر بريتوس الذي أباح إراقة دم يوليويس قيصر أمبراطور روما بدعوى إنقاذ جمهورية الإمبراطورية، معتقدا حسب قولته الشهيرة :لابد من قتل يوليوس قيصر من أجل الحفاظ على روما الخالدة ...،

وما الذي سوغ للجنرال فيليب لافال في إقحام بلده فرنسا في عفن العمالة لصالح الألمان بدعوى مكافحة البولشفية اللينينية والشيوعية الملحدة ، رافضا الإقرار بالعمالة والخيانة امام القضاة أثناء محاكمته في اكتوبر عام 1945 وواجه مصير الأعدام وهو فخور بقيامه بواجبه نحو بلده ونحو الإنسانية   وتلك من أسرار خيماويات السينيكية

 

....................

هومش

(1) أنظر التفاصيل في الفصل الرابع عشر: الربيع العربي ونظرية عصير البرتقالة في كتابي : ربيع المغفلين: النهاية الممنهجة للعرب في (جيو- ستراتجية) حكومة العالم الجديدة

 

في المثقف اليوم