قضايا

حول اشكالية تجسيد الانبياء (7)

oday albaldawiمثلما هناك صناعات غربية للأجهزة والملابس والأغذية، هناك صناعات غربية للثقافة والنيابة الفكرية وصناعة القرار، فتلك الصناعات لها من التجار من يروج لها في الشرق، وهذه الصناعات لها من المثقفين من يروج لها أيضا، فقد رأينا ردود أفعال لكثير ممن نعدهم من المثقفين العرب والمسلمين، كانت مع، أو لم تكن ترفض فكرة تجسيد شخصية النبي أو تناوله في رسوم ساخرة، معللة ذلك بحرية التعبير والرأي ..

يقول الدكتور شريعتي: (كان من ثمار مقاومة الدين في أوربا: حرية الفكر والنضج الفكري والمدنية المزدهرة وأنواع التقدم العلمي السريع والمدهش في كل مجالات الحياة، لكن نفس هذا الأمر عندنا، أي مقاومة الدين في المجتمعات الإسلامية وحتى غير الإسلامية، كانت أولى ثمارها وأسرعها وأفدحها هي تحطيم السد الذي كان يقف حائلا في وجه نفوذ الاستعمار الاقتصادي ونفوذ فلسفة الاستهلاك وغلبتها والانحطاط الفكري والانحراف وما اليه من أنواع الغزو الذي أبليت به المجتمعات الشرقية) مسؤولية المثقف ص 73 .. يرى الدكتور شريعتي ان مثقف القرن السابع عشر في أوربا نادى بالقومية كي يواجه عالمية البابا، وأكد على مادية العلم كي يواجه تكريس العلم لخدمة الكنيسة، ونبذ الإقطاعية والارستقراطية لأن الكنيسة كانت تؤيدها، واختار المثقف الأوربي الديمقراطية لتكون بديلا عن الارستقراطية التي أيدتها الكنيسة، ودعا المثقف الأوربي إلى الحرية كي يتخلص من سيطرة ورقابة الكنيسة ..

بعد الأحداث الأخيرة في العراق منذ سقوط نظام حزب البعث وحتى المواقف الأخيرة التي أنتجتها المؤسسة الدينية والأحزاب السياسية والمنظمات والجهات الثقافية، لاحظنا المواقف الايجابية في فتاوى وبيانات مرجعية النجف الأشرف من خلال الدعوة الى الشراكة في الوطن، والى تهدئة النفوس في وقت الأزمات والتشنجات الرامية الى اثارة الطائفية بين العراقيين، وصولا الى فتوى الجهاد الكفائي الداعية الى حمل السلاح دفاعا عن الوطن والعرض والمقدسات، ودعوة المتطوعين الى الانخراط في القوات المسلحة الرسمية، ودون تمييز هذه المنطقة عن تلك وهؤلاء عن اولئك، ووجدت تلك الفتوى ملايين الشباب والكهول ممن حملوا ارواحهم على اكفهم وخرجوا الى الشوارع مسرعين ملبين نداء المرجعية، نداء العرض، نداء الوطن، نداء القيم والمقدسات، على الرغم من ان اغلب هؤلاء المتطوعين لم يكونوا منتسبين الى احزاب دينية ولعل بعضهم يفتقر الى المعرفة بالامور الفقهية في كثير من مفاصل حياته اليومية .. انه ذلك البعد الروحي الذي كان وراء توجه تلك الملايين من المواطنين الى ساحات القتال ..

ان الوضع في العراق خصوصا، ليس بحاجة الى تكرار تجربة الغرب في القرن السادس عشر، كما يرى البعض ويدعو له ..

اننا بحاجة الى مثقفين يروجون الى العلم والى حرية الرأي والى التطور من خلال قيم الإسلام، وليس من خلال تقليد تجارب دول أخرى وان كانت ناجحة هناك .. لقد جربنا ففشلنا، ذلك لأننا أغفلنا جغرافية المكان الذي نكرر فيه التجربة، لقد لاحظنا عمليا دور المرجعية الدينية في النجف الأشرف تجاه المواقف والأزمات الأخيرة في البلاد، ولاحظنا حجم التفاعل الجماهيري الإيجابي بمختلف الشرائح والطبقات، وهذا كله يصب في بناء طبقة اجتماعية مثقفة واعية بين الناس، لذا فإن تواصلا اجتماعيا مطلوبا بين المؤسسة الدينية والمثقف الحقيقي، لأن هذا التواصل من شأنه ان ينمي الحركة الثقافية في المجتمع، فالمثقف الحقيقي يهدف   الى مجتمع متطور متعلم غير مسير لا سياسيا ولا دينيا، وهذا التوجه يتفق مع طروحات المرجعية الدينية، عندما نفهم الفارق بين التقليد والتقييد ..

 

في المثقف اليوم