قضايا

لا تجعلوا النصر في تكريت شيعيا!

qassim salihyمع ان بين اهل تكريت من استقبل مقاتلي الجيش والحشد الشعبي بالترحاب والزغاريد .. صدقا او توددا او دفعا لشرّ!، فانهم صدموا حين قرأوا على (بيريات) بعض المقاتلين عبارات افزعتهم: (يالثارات الحسين .. لبيك ياحسين).فراحت مخاوفهم تستحضر الماضي وأخذتهم الى ان تكريت هي في نظر الشيعي القادم اليها الآن بزي المقاتل .. مطلوبة بثأر عشرات الالاف من الذين دفنتهم احياء .. وان دمه يغلي للانتقام الذي يشفي الغليل، وان تكريت هي مسقط رأس الطاغية الذي اذلّ الشيعي وجعل لقب (التكريتي) فوق كل الالقاب حتى لو كان صاحب عمامة سوداء وله مقلّدوه .. وتروح سيكولوجيا الغالب والمغلوب تصور الامر للطرفين بأن ساعة الحساب قد حقّت!

ومشهد شيعي آخر تجسّد في ان رؤساء وممثلي الكتل السياسية الشيعية وفصائل المقاومة (المليشيات) دخلوا لها في نظر آخرين بصفة (فاتحين) .. فكان بينهم من افترش شوارعها او دخل جوامعها وصلّى (مسبل اليدين) بطريقة لها اكثر من دلالة سيكولوجية .. انها تشكل استفزازا لسنّة تكريت ممتزجا بمشاعر مذلّة لهم، فضلا عن انها تحمل رسالة ضمنية تقول لأهل تكريت: اننا نحن الشيعة الذين حررناكم وفككنا اسركم من داعش .. وانكم مدينون لنا بهذا الفضل .. وسدادكم له يكون بطاعتكم لنا.

ومشهد ثالث جسّدته وسائل اعلام شيعية اخذت تفاخر بنصرها الذي صورته شيعيا خالصا.وسارعت رموز شيعية على التواجد في تكريت بعد تحريرها، باساليب تنافس ومزايدات، شارك فيها حتى الذين اتهموا بانهم كانوا السبب في احتلال داعش لتكريت.

ومشهد رابع رفعته رايات خضراء وصفراء حملها مقاتلو الحشد الشعبي ترافق راية العلم العراقي، وصور لرموز دينية، بالرغم من ان السيد علي السستاني اصدر امرا يمنع فيه رفع صورة في ساحات المعارك وفي المناطق المحررة.

ولعبت وسائل اعلام عربية واجنبية اظهرت ان ما يحصل هو ان الشيعة دخلوا تكريت لأخذ الثأر لا لتحريرها من داعش .. وان الايرانيين هم الذين يقودون او يشاركون في المعارك ، وانهم سينتقمون من اهلها شرّ انتقام لأن (ابنها .. صدام التكريتي) هو الذي اباد مئات الآلاف من الايرانيين .. يعززه تواجد قادة ايرانيين وصفوا بانهم مستشاريين، يفترض ان يكون مكانهم في بغداد، فيما واقع الحال انهم في ساحات المعارك.

يعزز هذا الانطباع تقارير منظمات عالمية معنية بحقوق الانسان.فقد افادت منظمة (هيومن رايتس ووتش) عن حصول انتهاكات خطيرة تمثلت بالاعتداء على اشخاص ونهب وتدمير ممتلكات وحرق قرى بدءأ من تحرير آمرلي الى دخول مدينة تكريت .. وجرى التركيز على ان المتهم بها هو الحشد الشعبي.ومع ان السيد العبادي وصف تلك الانتهاكات بانها حالات فردية، فانه ينبغي النظر الى ان الاعمال العسكرية التي تجري في تكريت .. هي ذات طبيعة معقدة، وانه يصعب الحصول على تقارير ميدانية تتمتع بالمصداقية.

اللاعبان الخطيران اللذان يثيران الفتنة بين سنّة العراق وشيعته هما امريكا وايران. فقبل ان يكتمل النصر على داعش في صلاح الدين، صرّح المستشار الايراني (الشيخ يونسي) بزهو فيه نفس امبراطوري بـ(ان العراق اليوم لا يمثل مجرد مجال حضاري لنفوذنا فيه بل هو هويتنا وثقافتنا .. وان جغرافيا العراق وايران لا يمكن فصلهما .. وليس امامنا مع العراق سوى خيارين .. اما ان نحارب او نصير حالة واحدة).وفي ايام الحدث نفسها(10-21آذار)، اشار الجنرال الامريكي ديمبسي الى ان تعمّق النفوذ الايراني في العراق يثير قلقا في المنطقة خصوصا الدول العربية، تبعه هايدن المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية معبّرا عن عدم ارتياحه حيال النفوذ الايراني في العراق الذي( اصبح مؤكدا مع الهجوم على تكريت الذي تشنه القوات العراقية ومليشيات شيعية مدعومة من ايران) .. تبعهما صاحب الخبرة العسكرية الكبيرة في العراق، الجنرال ديفيد باتريوس بتصريح اقوى:(ان الميلشيات الشيعية في العراق اخطر من داعش .. وانها تستولي على الاراضي بدعم من ايران).

بالمقابل، هنالك تصريحات غير مسؤولة لابرز قائد ميداني في الحشد الشعبي السيد هادي العامري بقوله (لولا قاسم سليماني لسقطت بغداد .. وان على العراقيين ان يقيموا تمثالا لقاسم سليماني) .. وفي هذا (تجيير) الى ان النصر في تكريت سيكون (شيعيّا ايرانيا) واجحاف بحق المقاتلين العراقيين وتقليل من قوة الجيش العراقي الذي استردّ في تكريت بعض ما كان قد خسره من اعتبار وهيبة في سقوط الموصل.

ان التطرف في معارك من هذا النوع .. يكون في اقصى اندفاعاته .. فالمتطرف السني يعدّ ما حصل (جرائم ترتكبها ميليشيات شيعية).بل ان اتحاد القوى (الممثل السياسي للسنّة) كان ضد العمليات العسكرية في صلاح الدين، ثم ساندها وشارك بتسعمائة مقاتل بينهم مئتان وخمسون من مدينة تكريت .. والفضل في ذلك يعود الى المرجعية الدينية في النجف التي حرّمت الاعتداء على المواطنين والتجاوز على ممتلكاتهم ، والتزام قيادات الحشد الشعبي بذلك المصحوب بتأكيد القائد العام للقوات المسلحة .. مع حصول حالات انتهاك وثقتها وكالات اخبارية ووسائل اتصال عبر الانترنت.

ولضمان احتواء تداعيات عنونة (شيعية النصر في تكريت)، ينبغي الترويج بأن نعدّه نصرا عراقيا .. براية واحدة هي العلم العراقي، وان يكون للجيش العراقي الدور الرائد في هذا التحرير، سيما وان وزير الدفاع العراقي، خالد العبيدي، اكد وجود تنسيق ميداني عال بين قيادات الجيش والحشد الشعبي. وان يكون مسك الأرض في المدن المحررة من قبل اهلها ، وبدونه لن يكون هنالك تحرير وسلم اجتماعي بين الطائفتين.وان تخص الحكومة المركزية (الشيعية) عوائل النازحين في مدن وقرى صلاح الدين برعاية استثنائية .. بصيغة المواطنة لا بصيغة المنّة، وأن تولي الخدمات والبنى التحتية في مدينة تكريت اهتماما خاصا .. بدءا من اعادة ابنية جامعة تكريت التي تحولت الى اطلال بحسب المراسلين.

ان التاريخ يقدم للعراقيين فرصة يجب ان يستثمروها لانهاء الطائفية، فللمرة الأولى بعد التغيير يمتزج معا .. دم السنّي بدم الشيعي في تكريت! .. من اجل العراق.

 

أ.د.قاسم حسين صالح

رئيس الجمعية النفسية العراقية ومؤسسها

 

 

في المثقف اليوم