قضايا

السياسة في العراق .. خبل عقلي!

qassim salihy(الخبل) يعني فساد العقل .. ويقاس بأفعال الفرد فإن كانت منطقية وعقلانية قيل عنه (عاقلا) وإن كانت عكس ذلك قيل عنه (مخبولا).

لنطبق هذا المنطق على أفعال العراقيين، ولنبدأها بـ( 14 تموز 1958) .. ففي صباحه قطعوا أيادي عبد الاله وآخرين وطافوا بها يهزجون بهوس في شوارع بغداد. وبين(1959 و 1962) جرت مذابح في كركوك والموصل وهتفت جموع: (ماكو مؤامرة تصير والحبال موجودة) .. أي وضع الحبل بعنق المخالف وسحله في الشوارع!. وفي (8 شباط 1963) قتلوا عبد الكريم قاسم واخفوا جثته، وشهد قصر النهاية نهايات بشعة لوطنيين ومفكرين. وكان عدد القتلى بين يومي (8 و 10 شباط 1963) خمسة آلاف بتقديرات الشيوعيين، فيما يذكر حنا بطاطو بكتابه (العراق) أن العدد المعلن رسميا بإعدام (149) من الشيوعيين ليس صحيحا. ويضيف ما يسميها " طرفه" رواها العقيد محمد عمران العضو السوري بالقيادة القومية للبعث أثناء المؤتمر القطري السوري عام (1964)، انه قال:" بعد المؤامرة الشيوعية طلب من احد ضباط الجيش العراقي إعدام اثني عشر، ولكنه اعلن أمام عدد كبير من الحاضرين انه لن يتحرك إلا لإعدام خمسمئة شيوعي، ولن يزعج نفسه من اجل اثني عشر فقط"! (ص 304 الكتاب الثالث).

وفي أيلول 1980 شن النظام السابق حربا على إيران، جرى فيهاعسكرة الناس وتسليح أساتذة الجامعة بالكلاشنكوف!. وما ان توقفت في 8/8/88 حتى شن النظام حربا على الكويت، وهو خبل سياسي ان تخرج دولة من حرب كارثية لثمان سنوات وتدخل مباشرة بحرب كارثية اخرى .. انتهت بهزيمة قاسية قتل فيها آلاف .. وسقوط مدن بأيدي متظاهرين قاموا بوضع إطارات السيارات برقاب بعثيين وحرقوهم أحياء!.

وفي (1988) أبيد مئة وثمانين ألف كردي في عمليات الأنفال، فضلا عن مجزرة حلبجة . وفي (2003) اكتشفت مقابر جماعية ضمّت آلافا دفنوا أحياء!. واستعملت السلطة في النظام السابق وسائل تعذيب بشعة بوضع الشخص وهو حي بالأحماض التي تذيب اللحم والعظم، والكي والحرق وتقطيع الأعضاء.

ومع أن العراق أحد اغنى البلدان، وميزانيته اكثر من ميزانيات ست دول عربية مجتمعة، فان من هم تحت خط الفقر في زمنه الديمقراطي! زاد على ستة ملايين بحسب تقارير رسمية حكومية نشرت في 24 آب 2013، والآف (النبّاشة) يفتشون في (الزبالة) عن شيء يؤكل، يقابلهم برلمانيون وأعضاء حكومة جاءوا لا يملكون ثمن تذكرة الطائرة وصاروا يكنزون المليارات .. وكنزها خبل عقلي. وخاف من خبلهم خمسة ملايين عراقي هجروا وطنهم إلى بلدان الشتات، والاف يقتلون بالشهر الواحد .. بينهم من قتل لأن اسمه حيدر أو عمر أو سيروان!. فأي بلد مخبول هذا! والأكثر خبلا .. انه لا يتوقف عن خبله الذي يعيشه من خمسين عاما! .. آخرها دعوة رجل الدين (مرتضى القزويني) إلى قتل الشيوعيين في العراق!

لهذا (الخبل العقلي) ثلاثة أسباب، الأول يتعلق بالسلطة، واثنان يعودان إلى ان العراقيين ورثوا من ماضيهم (سيكولوجيا الخلاف مع الآخر)، وتشبعوا من حاضرهم بـ(ثقافة العنف).

ففيما يخص السلطة فإن العراق حكمته أربعة أنظمة (الأموي والعباسي والعثماني والبعث) تجمعها صفة مشتركة هي ان معظم حكامها دكتاتوريين قساة. ويخطئ من يظن ان التفنن في بشاعة التعذيب كان من مبتكرات النظام الدكتاتوري بل هو في الأصل (إرث سيكولوجي)منذ ان صارت بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية لألف عام .. إليكم واحدا من مشاهدها:

في (291هج) جيء بالقرمطي وبفمه خشبة مخروطية شدّت إلى قفاه كهيئة اللجام. وأمر الخليفة (المكتفي) ببناء دكة في المصلّى، وجيء بالأسرى يتقدمهم القرمطي فصعدوا به إلى الدكة، وعرض أمامه اتباعه وقد قطعت أيديهم وأرجلهم وجرى ضرب أعناقهم واحدا واحدا. وتقدم الجلاد فضرب القرمطي مئتي سوط، وقطع يديه ورجليه ثم أحرق وعلّق بدنه في طرف الجسر الأعلى الواقع في بغداد!

وفيما يخص (سيكولوجيا الخلاف مع الآخر) فان العراقيين ورثوها من أسلافهم .. فجدّنا السومري هو الوحيد في زمانه الذي يعدّ نفسه ابنا لألهه الشخصي وليس عبدا له، بعكس باقي الأسلاف زمنئذ حيث كان الفرد فيها عبدا لإلهه .. يتوسل لديه ان يحميه فيما كانت علاقة السومري بآلهة علاقة الابن بالأب .. عليه هو ان يحميه قبل ان يسأله! .. ومنها ورثت شخصية العراقي الأنفة وتضخم الذات اللتين تعدّان من اهم أسباب الخلاف. ولك ان تستشهد كيف إن العراقيين لم يتفقوا في العام(1921)على اختيار رئيس دولة من بينهم فاستوردت لهم بريطانيا ملكا من الخارج!. وكيف ان حكومات (الشراكة) في الزمن الديمقراطي هي الأفسد والأفشل في تاريخ العراق، وبين قادتها من هو مصاب بالشك المرضي في شريكه، والبارانويا خبل عقلي!.

والاخطر .. ان 65% من الشعب العراقي هم من جيل شباب ولد ونشأ في حربين ويعيش الآن اكثر من حرب .. وأنه متشبع بثقافة عنف .. أقبح ما فيها أنها أطاحت بقدسية(قيمة الحياة) واستسهلت موت الآخر، ما يعني بتشخيصنا النفسي ان من يفعل ذلك هو شخص سيكوباثي .. يعني مخبول عقليا .. ولكم ان تقدروا عدد المخبولين من هذا الجيل، الذي سيكون مصير العراق بيده، وكيف سيكون البلد بعد ان تغادره بقية الكبار الذين يقّدسون قيمة الحياة!

نعم إن العراق منتج لمبدعين ومفكرين وشعراء ورجال دين وشيوخ عشائر من طراز رفيع، ولكن زمنهم أشرف على نهايته، إذ تفرّق هذا الجمع الراقي بين من هجره وصار له حضور مميز في بلاد العقلاء، وبين من أسكته كاتم صوت، وبين من يضع الآن كفنه على راحتي يديه في بلد مخبول سيمضي في خبله، لسببين، الأول: ان السياسيين الذين يحكمون العراق الآن هم خلاصة هذا الخبل الذي يدفعهم هوسه الى ان يعظّوا باسنانهم على السلطة (وما ينطوها). والثاني: وجود جماهير مخبولة تعيد انتخاب من يسرقها ويفجعها ولن تنتخب عاقلا .. حتى لو كان بروفيسورا في الاقتصاد السياسي!.

شيء واحد سيكون الرهان عليه .. ان بين جيل الشباب قوة بدأت تنفتح على العالم العقلاني المتحضر بثقافة تحب الحياة والجمال وتتحدى بسلاسة ثقافة العنف والقبح، تسندها وترفدها عقول عراقية في دول الشتات تتولى اصدار صحف ومواقع الكترونية .. تكشف لهم كم هو قبيح خبل السياسة في العراق!.

في المثقف اليوم