قضايا

منطقة الشرق الاوسط ما بعد لوزان وكامب ديفيد الجديدتين

emad aliلو ادمجنا الاتفاقيتين لوزان مع كامب ديفيد الاولى، سنستنتج مجموعة من التطبيقات على الارض اكثر تاثيرا على التغييرات التي حدثت في تاريخ المنطقة الحديث، اي خلال قرن من الزمن وما بعد الاستعمار والانتدابات التي حدثت في المنطقة المشتعلة في اكثر الاحيان خلال العقود الماضية .

بعد واقعة جالديران وتوزيع المهام والمنافذ والساحة بين الامبراطوريتين الصفوية والعثمانية، وتغيير المنطقة لحين مجيء مرحلة الاستعمار بعد الحربين العالميتين، لحين ثورات التحرر وتغيير السلطات في منطقة الشرق الاوسط، كانت هناك دائما صراعات مختلفة الاوجه، ولكن تحولت هذه الصراعات وفق تغيير المعادلات دائما من الصراع القومي في اشده الى الديني في اكثر شدته ومن ثم المذهبي في اعلى درجات الخط البياني لشدة الصراعت في المنطقة في الوقت الحاضر، ومنذ افول اضواء وسيطرة الامبراطورية العثمانية في المنطقة .

لقد جرت اتفاقية لوزان 1923و اعيدت رسم المنطقة بعد مرحلة الاستعمار البريطاني والفرنسي (في هذه المنطقة بالذات) والايطالي والاسباني والفرنسي فيما بعد في افريقيا . لم تدع بريطانيا مكانا وابقتها على ظروف تنفلق منها الخلافات وتبرز منها ما لا يدع اي طرف ان يتفق مع الاخر دون مساعدة بريطانيا مهما طال الزمن بها . فتوزيع الاراضي وبناء الحدود بين الدول التي تبنتها بريطانيا لم يكن وفق الحقوق الخاصة بالاطراف، وليس وفق القانون العادل الذي كان يمكن للجميع ان يرضى به ويفرض الامن والاستقرار في المنطقة الى الابد، الا ان التفصيل الخاص بما فرضت من الامور السياسية الجغرافية على المنطقة كانت وفق مصالح غربية واسترضاء الاقوياء والاطراف الرئيسية التي شاركت في الاجتماعات وا لاتفاقيات على حساب الجهات المهملة ومستقبل اجيالهم، الذين يعانون لحد اليوم من ما يسموه بحظهم العاثر في الماضي والحاضر، ويتاملون مستقبلا افضل لهم بامر الناصر. لم يكن راس المحور المذهبي السني لحد الامس القريب الا تركيا ما بعد العثمانية، والسعودية كانت منعزلة لحد كبير وملمة بداخلها وحفاظها على الامكان المقدسة فيها ولم يعلو شانها لتصبح على راس المحور الا بعد التغييرات الجديدة في المنطقة منذ الامس القريب فقط، وهي تنافس تركيا في المحور المذهبي الخاص بهما، وتاثر الاختلاف القومي واثر على شؤون كل منهما، الا ان ايران لازالت باقية تراس المذهب الشيعي من جهة وعلى راس القومية الفارسية الوريثة للامبراطورية الساسانية من جهة اخرى، اي انها ايران التي تراس المحورين من حيث المذهب والقومية مقابل راسين للمذهب السني الوريثين للامبراطورية العثمانية والاسلامية وبقوميتين مختلفتين العرب والترك من جهة اخرى، وفي المقابل لحد الامس القريب ، اي لحين الثورة الايرانية الاسلامية، كانت ايران هي الراس الحقيقي بين المحورين الشرقي والغربي اي كانت هي حليفة لامريكا وشرطيتها مع تركيا والسعودية الابنتان المدللتان لامريكا وهم ابناء القطب الغربي دون وجود ابن القطب الشرقي الثابت . وبه يمكن ان نقول بكل صراحة، ان ايران لوحدها كانت تراس المحاور بثلاث مضمونات قومية ومذهبية وقطبية موالية لغربية ومعادية للشرقية التي رسمتها الحرب الباردة .

من خلال رسم المعادلة القديمة وما تغير واستحدثت من الحال، يمكننا ان نقول بان لوزان قسمت الوليمة على اصحاب الشان الكبرى وفق مصالح عالمية نتيجة المتغيرات العليا في شؤون المنطقة في حينه .

سارت المنطقة وفق الصراعات والخلافات لحين انهيار الاتحاد السوفيتي، وتغيرت امور هذه المنطقة واهتمت بها امريكا قبل اي مكان اخر، لاهميتها الاستراتيجية وتفعالت معها وغيرت من ما استطاعت ان تغيرها بشكل مباشر استنادا على مخططاتها، ووجهت مواليها ومناصريها من الدول وفق ما تهم استراتيجيتها المستقبلية لحين ايصالها الى المرحلة الحالية . كل ما اهتمت به امريكا هو بقاء اسرائيل قوية صامدة امام الاخرين في المنطقة وسيرت المنطقة وصراعاتها لتبقي اسرائيل بعيدة عن الاضرار التي تؤثر على بنيتها وكيانها، اي تصارعت القوى في المنطقة استنادا على التوجهات القومية والدينية المذهبية وبقت اسرائيل آمنة وهي تتابع ما تحدث دون ان توصل لها الشرارة بشكل قوي، وتغيرت الدول وحدثت انقلابات واستجدت فيها السلطة الفوقية وعلقت امورهم واوضاعهم بمشاكل داخلية مستعصية لم يتمكنوا من التفرغ للصراع مع اسرائيل يوما ما، وحتى في الحروب الاسرائيلية العربية، كانت هناك دوما اطراف الى جانب اسرائيل وفق ما تطلبت مصالحها القطرية الخاصة بها سرا، ولم تتمكن الدول العربية مجتمعة ان تقف صفا واحدا ضد اسرائيل يوما ما، وهذا هو الهدف الذي حققته اسرائيل طوال تاريخها منذ تاسيسها . وبعد نجاح اسرائيل في النفوذ من الثغرات العربية واحدثت ما بامكانها استغلالها لتامين حياة ابنائها، اوصلت الحال الى معاهدات سلام علنية اولا مع ام الدول العربية مصر، التي كانت بمثابة ضربة قاضية للفكر القومي العربي التي تشبثت به وتشدقت به اكثر من الدول العربية الاخرى، بمتعصبيها ومعتدليها . فكانت كامب ديفيد بمثابة العصا السحرية لتفتيت الرؤية العربية التي كانت هذه الدول تنظر بها الى ما يتمخض عن الاتفاق وما تخرج منه مصر اذا ما اقدموا على مواجهة اسرائيل او الخضوع لها، وتغيرت كافة المعادلات وجاءت بعدها معاهدات وعلاقات سرية اسرئيلية عربية، ففككت الحزام الرابط للدول العربية التي افتخروا لشدة وقوة ربطه قوميا .

اليوم بعد اتفاق لوزان ثاني بين ايران ودول الست الغربية، تعيد هذه الاتفاقية الى الاذهان لوزان الاولى وما حدث فيها من توزيعات غير عادلة واعادة نظر لمؤتمرات ومنها سيفر وهضمت بها حقوق الاقليات ومنها الكورد، من اجل اعادة نصاب المنطقة الى حالها الطبيعية، ومعاهدة سلام كامب ديفيد بين اسرائيل ومصر برعاية امريكية، ادعت تغييرات شاملة واصابت الهدف بشكل دقيق لحد اليوم . ومن ثم دعوة اوباما الى كامب ديفيد جديدة للاجتماع مع الدول العربية الخليجية اولا، ليس لدى رئيس اكبر دولة لهؤلاء المخنوعين الا ان يفرض ما فرضت لوزان ثانية وتجعل كامبد ديفيد ثانية ساندة وداعمة للوزان وكامب ديفيد اولى . انها بداية واضحة لتغيير المنطقة بشكل كبير وهذا ما يمكن ان نعتبره اعادة رسم المنطقة، ان لم تُعرقل ما تجري من المتغيرات وما تفرضه مصالح دول اخرى لما تنويه امريكا وهدفها وما يصل اليه مستقبل المنطقة وكيفية وطبيعة الصراع الذي يمكن ان يحل في المنطقة في المستقبل القريب .

انه مخطط استراتيجي تبينت من الافق ملامحه وان سمي باسماء وعناوين مختلفة، الا انها اعادة رسم ما كان ثابتا الى الامس كي يحل محله صراع مختلف وتدخل في مساره دول وقوى مهضومة الحقوق والمركونين في الزوايا البعيدة في الماضي في هذه المرحلة، ليعاد الحق لاصحابه في المستقبل القريب . لان المصالح التي كانت الى جانب الدول الاستعمارية ومخطاطاتها منذ عقود لم تعد هي كما هي باقية الى جانبها بالشكل والتركيب والمضمون ذاته، اليوم .

ايران وتركيا والسعودية سيبقون لمرحلة معينة يتقاطعون بشكل ما بين انفسهم فيما بينهم ومصالحهم، وسوف تربطهم مصالح الغرب برابط قوي منسوج من مصالحهم الضيقة في هذه المنطقة بالذات، وهي الناتجة من صراعاتهم الكبيرة مع الدول العظمى وراس المعسكر الشرقي الذي رفع راسه من الرمل اخيرا، واوضح نياته لحد كبير وما ينويه اليوم هو ايضا يؤثر على حال المنطقة وظروفها وهي روسيا رغم تعلق رجلها في الحدود الاوكراني القريب منها والذي فعٌلته القوى الغربية كي تنشغل خارجيا بعدما ورطوها داخليا نتيجة الوضع الاقتصادي الماسآوي الذي فرضوه عليها دون ارادتها، ومن خلال الصراعات والتنافس المتعددة الاوجه في المنطقة او العالم على حد سواء .

اذا، منطقة الشرق الاوسط حائرة ومعلقة بين متطلبات مرحلتين واتفاقيتين، وهما ما بين اتفاقيتي لوزان الاولى والثانية واتفاقيتي كامب ديفيد الجديدتان المنتظرتان، ورب تتغير الحال وما هو المغير الا امريكا وهي لحد اليوم صاحبة الافكار والمتغيرات والاحوال، بما تفعله وتفرضه من صراعات وحروب واتفاقيات من صنع ايدي فتوات وخطط دول مسعورة نيتها تغير الحال الى ما بنت عليها الامآل.

في المثقف اليوم