قضايا

المغاربة والمذهب المالكي .. أية علاقة؟

yasser alharakيصر المسؤولون في الحقل الديني المغربي على الإدعاء بأن المغرب بلد مالكي المذهب. تقتضي صحة هذا الكلام إمتثال المؤسسة الدينية لمذهب مالك من جهة، كما تقتضي حضور اجتهادات مالك الفقهية وآرائه الدينية في سلوك المغاربة. ومصداق التمذهب المالكي أن تجد له الأثر في مدونة الأحوال الشخصية والقانون الجزائي وما يسمى بالإمامة العظمى الجامعة بين الدين والسياسة. إن مظاهر التدين عند غالبية المغاربة المسلمين تعبر عن إسلام شعبي فوق-مذهبي ليس من المعقول خندقته مذهبياً. إسلام المغاربة يميل إلى الفردية حيث لكل فرد طابعه الخاص الذي قد تجد فيه تعاطفاً مع مدرسة فقهية هنا أو أخرى هناك. وتفاعل المغربي مع الآخر لا تحكمه المذاهب ولا الديانات. ما يصطلح عليه دارجياً ب "التمغربيت" هو من يجمع المغاربة ويوحدهم وكلام رجال الحقل الديني عن كون الدين هو الجامع كلام باطل.الإسلام المغربي ليس مالكياً كما سيتبين من خلال بعض النماذج المختارة مع الإشارة إلى أن إدراج كل الممكن يحتاج إلى تخصيص كتاب كامل.

إيراد المشهور المتداول من المعلومة مما لا غبار على صحته يعفينا جهد الاحالة إلى المصادر. وفيه نجد أن مالكاً كتب قوانين تستهدف المجتمع تتعلق باللباس والأكل والسلوك. وتصدى لمخالفة القوانين بعقوبات تدخل في عناوين مختلفة أهمها و اخطرها عنوان الردة. لقد خالف المغاربة قوانين مالك المختلفة ولم يعملوا بها حتى زمن أوج الحكومات التي تبنت المالكية بقوة. فلا تجد لا عامة الناس اليوم ولا رأس هرم السلطة يطبق القوانين المالكية.

في التصوف المنتشر في المغرب و الذي يعتبر من مميزاته، ذكر القرطبي إستفتاءه المشهور للإمام أبي بكر الطرطوشي المالكي حول قول مالك في الصوفية حيث أجابه بأن مالكاً يرى في الصوفية بطالة وجهالة وضلالة، و أن الرقص و الأحوال الصوفية هي من سنن أصحاب السامري، و أن دينهم ( أي الصوفية) دين الكفار و عباد العجل. وهذا ما يجعل المطلع يرى في الجمع بين المالكية والتصوف خدعة وتشويه لحقائق الأشياء.

لقد كان مالك يكره قراءة القرآن بالألحان كما في المدونة، ووصف المتموسقين بالفساق الذين لا تُقبَل شهادتهم ولا يصلي عليهم الأخيار إن ماتوا. والمجتمع المغربي لم يخل من الغناء على عدد من المستويات، منها ما تدعمه الدولة وتنظمه عبر المهرجانات وعبر البث بمختلف أنواعه، ومنها ما يدخل في الفولكلور الشعبي الموسمي، ومنها ما يدخل في الأفراح والمناسبات الخاصة. وهناك شواهد على اقامة الملك الراحل الحسن الثاني حفلات غناء حضرها عمالقة الموسيقى مثل العندليب الأسمر. كما توجد شواهد صور مشهورة للراحل يشارك مجموعة من المغنين في الغناء بنفسه مخالفاً الإمام مالك جملةً وتفصيلاً.  

ويرى الإمام مالك حرمة مصافحة الرجل للمرأة. ويخالفه في هذا جهاز الحقل الديني في المغرب من أصغر موظف إلى قمة الهرم، كما يخالفه في هذا عامة المغاربة إلا القليل. ولا يقبل المغاربة لا حكاماً ولا محكومين تزويج بناتهم في سن التاسعة إذا كن يطقن النكاح كما إستقر عليه رأي مالك؛ كما لا يقبلون بجمع الطلاق بالثلاث في كلمة واحدة الملزم على كراهيته عند الإمام مالك.

ومن المعلوم الشائع قول الإمام مالك بوجوب ترك اللحية. وجوب رأى في مخالفته شيخ المالكية محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي في حاشيته إستوجاباً للتأديب. ولا يشكل ترك اللحية وقص الشارب في المغرب إمتثالاً لمذهب الإمام مالك ظاهرة في حد ذاتها. بل إنه من المستحيل إيجاد أصحاب اللحى الطويلة في الوظائف العليا والدنيا للحقل الديني، كما إنه من الناذر إيجاد أصحاب لحى التدين في عامة الناس ممن يرجعون في اطلاقهم لها إلى المذهب المالكي. ومن الواضح- لمن لاحظ- أن غالبية الملتحين الدينيين يعتنقون المذهب الوهابي الوافد حديثاً.

ومما جاء في حاشية الدسوقي ومواهب الجليل إباحة أكل لحم الكلاب وإباحة بيع الكلاب لمن يأكلها لا لغيره. كما أن المالكية انفردوا من بين باقي المذاهب بجواز أكل الحية شريطة أن يؤمن سمها، إلا أن يكون بالآكل مرض ينفعه ذلك فيجوز له أكلها بسمها. والمغاربة أبعد ما يمكن أن يتخيل من هذه الثقافة الدينية لدرجة أن أكل الكلاب والأفاعي ليس أمراً لا يحدث فقط، وانما الإباحة في حد ذاتها هي من غريب ما يمكن أن تطرحه على المغربي كظاهرة.

ويعتبر الإمام مالك أن ثوب تارك الصلاة يعتبر من النجاسات كما في المدونة. ونقل الحافظ أبو جعفر الطحاوي في " مختصر اختلاف العلماء" قَول مَالك أَن من ترك صَلَاة مُتَعَمدا لغير عذر حَتَّى خرج وَقتهَا فَهُوَ مُرْتَد وَيقتل. وترك الصلاة إلى أن يخرج وقتها دون عذر هي المظهر السائد عند المغاربة حكاماً ومحكومين. وتكفي مواقيت العمل في القطاع العام والخاص وحركة المواطنين دليلاً على التقليل من أهمية قضية الصلاة في وقتها والتي وضع مالك الموت حداً لمخالفتها.

كان الإمام مالك يستحب أن يحرق بيت الخمار الذي يبيع الخمر وكان شديد الإنكار على الخمر حتى أصبح يضرب به المثل. والمغرب معروف بكونه من بين البلدان التي تنتج وتستهلك المشروبات الكحولية. هذا ناهيك عن أقواله في الشطرنج والنرد وسائر الألعاب الشعبية المنتشرة في المغرب.

ويرى المالكية أن مدة الحمل قد تصل إلى خمس سنوات فيما يعرف دارجياً ب "الرقاد". ونقل ابن نافع الصائغ والواقدي ومعن ومحمد بن الضحاك أن الإمام مالك نفسه حملت به أمه ثلاث سنين بعد غياب والده. وهذه إيضاً من المسائل التي لا يتم العمل بها في القوانين المغربية ولا إعتبار لها من الناحية الشعبية. وهناك جبل من خصوصيات التمذهب على الطريقة المالكية مما لا تجد له أثراً عند المغاربة ليبقى السؤال قائماً حول حقيقة مالكية الإسلام الشعبي في المغرب. مقاربة هذا الموضوع من جانب الأثر والتجلي تثبت أن الإسلام الشعبي في المغرب لا يجمعه بالإمام مالك سوى الشهادتين وبعض المسائل الهامشية التي تتبناها سلطات الحقل الديني ولا ترقى إلى تمثيل الإنتماء المالكي بما كلمة الإنتماء من معنى.

إن المزايدة بالمذهب المالكي يطل بها علينا المسؤولون في الحقل الديني وبعض علماء الولائم والإتاوات وتستعمل لعرقلة الإنتقال الديموقراطي في المغرب. والرهان على المذهب المالكي ليس رهاناً خاسراً، بل هو في أصله رهان بما هو وهمي. وتبقى خطورة هذا الرهان في كونه يفتح الباب على مصراعيه أمام الحركات الدينية المتطرفة في المغرب لإستعمال نفس الورقة. فإذا أراد المتطرفون بناء شرعيتهم على المالكية كان رهانهم اربح إذا امتثلوا بمذهب مالك وأظهروا تطبيقهم لتعاليمه خلافاً للسلطة. إن إستقرار المغرب وتطوره يحتاج إلى فصل الدين عن الدولة وحيادية المؤسسات العامة وجعل التدين والتمذهب أو عدمهما من الخصوصيات التي تعود إلى الفرد.

في المثقف اليوم