قضايا

الأنظمة والفضاءات: تعويم طفرة الغبار الأحمر / بيتر دامغارد

saleh alrazukحتى الآن يمكن بوضوح تمثيل التوتر بين مفهوم ما هو في الداخل وما هو في الخارج حين يكون بينهما مسافة تضمن لهما التقابل – كما هو الحال في كتابات جاو شينغجيان .. الذي يزعجه أن تتعامل معه وسائط الإعلام العامة كصيني له هوية أدبية – فالأدب في نظام الأدب الدولي أكثر تعقيدا من ذلك، ويتطلب أن تستوعبه علاقات غامضة تربطه بفضاء الأدب الصيني (البعد الداخلي للترجمة)، ولكن أيضا يتطلب انتباها حيال المستويات المحلية المتعددة التي نرى من خلالها الأدب العالمي (البعد الخارجي).

ومع أنه بإمكان جاو أن يحتفظ بحساسية ابتعاد مستمرة (بتعابير الحركة الفيزيائية، إنه ابتعاد عن الأشكال الوطنية للسرد، وفي نفس الوقت هو تطور خارج حقل الأدب)، يتركز النقاش على نقطة ارتباطه بفضاء الأدب العالمي ككاتب متحول تؤثر به توجيهات تصدر من جهات رقابية عامة (على سبيل المثال المحررون، لبنقاد، المترجمون، إلخ)، وهي توجيهات قد تتعارض مع حساسية الكاتب الشخصية لمعنى الابتعاد أو تؤكد عليها، وتوفر لها الدعم. وسواء كانت هذه هي الحالة أو لا، إن هذه الجهات الرقابية تتأثر بتبدل الرموز التي تستعملها المعارضة المنظمة ضمن فضاء الأدب الصيني، وانعكاس ذلك على أسلوب تداخل فضاء الأدب في الصين مع الأدب في العالم.

 

الكتابة العابرة للأنظمة

كتب ما جيان في وعن أجواء تيبيت الثمانينات، مع أن إقامته كانت أقصر من أقامة ما يوان.

لقد أقام ما جيان في التيبيت لثلاثة شهور من عام 1985 و خلالها بالإضافة لـ

Liangchu nide Shetai huo Kongkongdangdang (مد لسانك أو الفراغ) ألهمته إقامته فكرة عدة نصوص لها شكل أدب الرحلات، ولا سيما كتاب Wo Kandao de Xizang (التيبيت كما رأيتها – 1987 )، وكتاب Ma Jian zhi Lu (طريق ما جيان – 1987), وفوق ذلك هونغ شين*، وهو الترجمة الإنكليزية لـ (الغبار الأحمر)، الكتاب الذي ربح به جائزة كوك للسياحة عام 2002. وقد حقق من خلاله قدرا محترما من النجاح على الساحة الدولية.

في (التيبيت كما رأيتها) يتحدث ما جيان عن لقاء جمعه مع ما يوان في لاسا، حيث كان مدعوا ليلعب كرة السلة (ما جيان. 1996). هذه حادثة تكلم عنها ما يوان أيضا بشكل مسهب في كتابه Xugou (اختلاقات).

في هونغ شين أعطي ما يوان الاسم ما يوان ولكن الأحداث بقيت على نحو أساسي مشابهة لمجريات ما حصل في عمله السابق.

وفي الواقع إن عددا كبيرا من الفقرات والمقاطع التي وردت في الغبار الأحمر هي إعادة كتابة لمواد منشورة سابقا، وفي النهاية كلها تقوم على عمل استمر ثلاث سنوات (من 1983 – 1986 ) حينما تجول في مساحات واسعة من أراضي الريف الصيني.

لقد استفاد الكاتب من هذه الرحلات في رواياته وصوره، وكذلك من الكتابات المطولة والقصيرة التي نشرتها الصحف عن هذه الرحلات إما في الصين الأم أو هونغ كونغ. وبالرغم من معاداته الواضحة للصين الشعبية، نشر كتاب (هونغ شين) في الصين الأم ولكن طال المنع أعماله منذ كتابه Liangchu nide Shetai ( مد لسانك) المذكور سابقا. مع أن مقطعا هاما من هذا العمل المتأخر قد أعيدت كتابته في هونغ شين.

في مقدمة طبعة هونغ كونغ وفي إضافة لطبعة الصين الأم يشرح الكاتب أهمية المسافات ( الابتعاد – المترجم) التي تفصل الأحداث المذكورة في الكتاب ( بواكير 1980 ) عن وقت الكتابة ( انتهت المسودة في لندن عام 1999 ). والمقطعان تقريبا متماثلان. حيث يقول:

這本書寫的是八十年代,我在中國近三年的非法流浪的經歷)

開始動筆寫這本書時,我已經在德國的大學教書。時代變了,生活環境變了,連記憶也). 在變

(هذا الكتاب عن أعوام 1980 وتجاربي فيه مستمدة من جولة غير شرعية وخطرة في الصين لقرابة ثلاث سنوات.

وحينما بدأت بكتابة هذا الكتاب كنت أدرّس في الجامعة الألمانية. لقد تبدل الزمن، والمناخ تبدل، حتى أن ذاكرتي لحق بها التبدل) ( ما جيان. 2002 ).

ولكن في الحقيقة لقد تم بناء السردية بشكل فقرات مختلفة قصيرة، بعضها نشر على الأقل باكرا منذ 1987 – وهذا التوقيت ليس بعيدا عن " الأزمنة" و"المناخات" التي تطرق إليها النص. ويمكن تجزئة هذه الفقرات على نحو ما إلى عدة " مستويات" مختلفة، تم تأليفها ونشرها في أزمنة وأوقات ذات سياقات اجتماع سياسية مختلفة. الثالثة، "الأخيرة" منها و هي والأحدث من ناحية التوقيت، تدل على ما يمكن لـ "ما جيان" أن يقول عنه في مقدمة النص: المستوى الذي بدأ به حينما " كان يعلّم في الجامعة الألمانية" في أواخر التسعينيات، وانتهى منه في لندن في عام 1999. وهنا يكون " الكتاب" قد اكتمل: والشذرات السابقة (المستويان الأول والثاني) تم ترتيبهما في سردية متماسكة موضوعها أدب الرحلات. إنها رحلة تحمل القارئ إلى الصين " الغامضة والمجهولة"، وكان دليله في رحلته فنان شاب قليل الخبرات. ويمكن أن نقول عن خط السرد الأساسي إنه تقريبا يتطور بالاتجاه المعاكس لتركيبته التاريخية، حيث أن أحدث الفصول تقع في بداية الكتاب بينما الأقدم تكون باتجاه الخاتمة.

والفصل الأول ( وهو الثاني في طبعة هونغ كونغ) يصف الحياة في بكين، ويبني هذا الفضاء الميتروبوليتاني بشكل موقع جغرافي واجتماعي يبدأ منه بالعبور واستهلال الرحلة. وبترداد ما سبق، يمكن رؤية نقطة " الانطلاق" هذه كرؤية مجسمة و مركزية تصور جيل الرفض: حيث أن البنى الاجتماعية والتعاليم الأخلاقية تبدو منبوذة لأنها ذات اتجاه قمعي – و حيث الحرية الفعلية لا تكون إلا على " الطريق"، فأنت ترحل لأجل : أن تتحرك"، إلخ...

وهكذا تم تصوير بكين في بواكير الثمانينات على أنها "مركز" لدكتاتورية الأقلية – وعلى أنها لا تزال تناور في دائرة التقاليد الشمولية للنظام الماوي على الرغم (أو ربما بسبب) الإصلاحات الاقتصادية لدينغ جياو بينغ. وقد استهدفت الحملات السياسية غير المنظمة التي بدأت من عام 1983 و1984، كما ذكرت سابقا، ولا سيما التي هي ضد " التلوث الروحي"، جاو شينغجيان، ويانغ ليان، وغيرهما. وكما تبين في وقت لاحق، إن الراوي نفسه، مثّل وألغى وتقمص عددا من الفنانين والكتاب والمثقفين الذين انتقدوا علانية خط واتجاه الحزب، في حين أن البيروقراطية كانت بشكل دائم تراقب وتكبت الحياة الشخصية لهؤلاء " المعارضين".    

وكما نعلم، لا يقع اللوم فقط على الصين الشعبية، ما دامت القوة السياسية، في التحليل النهائي، تشرعنها موافقة الأغلبية الصامتة – والتي كما يبدو تورطت في توسيع المكاسب الفردية واللامبالاة بالعدالة الاجتماع- سياسية. و بهذا النحو تطور موضوع السردية: فنان مستلب محاصر بنظام سياسي قمعي ويكبته مجتمع يتحرك بلا اتجاه.      

أما المستوى الثاني من السردية فهو الذي يتحكم بمعظم أشواط الرحلة على المناطق الحدودية من الصين. فالراوي يرتحل بعيدا عن الميتروبول المكتظ بالسكان: من صحراء غانزو وكينغاي إلى الغابات المزدحمة في يوانان الجنوبية، وأخيرا إلى هضبة التيبيت- التي تشكل ما يشبه " الهدف" لرحلة الروح والجسم: وهو المكان الذي " يرى المرء فيه بشكل أوضح" بسبب الـ (الفضاء الشفاف) للإيديولوجيات. ونحن نعلم من ما سبق أن بطل النص دائما في حالة فرار من القمع، وهو يطمئن " للتجوال" 流浪 بأساليب وأدوات بسيطة ومن غير أفكار مسبقة ما دام هو خارج عناية وفروض الدولة الشمولية، ولكنه في نفس الوقت هو رحالة غايته أن يكتشف المحيط الثقافي والجغرافي للصين الشعبية.

معظم هذه التفاصيل " التوضيحية" هي في الحقيقة إعادة كتابة نصوص مختصرة من أدب الرحلات كانت منشورة في منتصف الثمانينات في مجلات وصحف تصدر في هونغ كونغ، وقد جمعت عام 1966 تحت عنوان Zhongguo Liulang (التجوال في أرجاء الصين) و أعيد نشرها في كتاب يضم مقالات وقصائد حملت عنوانا أساسيا هو Rensheng Banlü (دليل الحياة). في الشكل السابق لهذه النصوص يمكن القول إنها " تناقش" وضع الكاتب الضائع بين هونغ كونغ والصين؛ وبضوء هذه الحقيقة يمكن أن تقول عنه إنه " كاتب معارض" يبحث عن ملجأ سياسي في هونغ كونغ وعليه، يمكن القول جدلا، إنه مهيأ لـ " إخبارنا بالحكاية" ومن الداخل. و لكن لا يبدو أن هذا هو المصدر الذي ألهمه تلك القصص الأقصر، فالفقرات المنشورة في (التجوال في أرجاء الصين) لها علاقة خفيفة بإدانة الأتوقراطية لو وضعت في حسبانك أسلوبه في تصوير الأقليات الإثنية المختلفة المنتشرة في غرب الصين.    

بعد ذلك نشر ما في هونغ كونغ كتابه المصور (طريق ما جيان)، والذي يوفر في الحقيقة البنية الأساسية لعمله الذي أصبح لاحقا بعنوان الغبار الأحمر: إن عددا لا بأس به من هذه النصوص أعيد النظر فيها هنا، وكأنها استمرارية للرحلة؛ وقد تم إضافة عدد من الصور في كتابه التالي هونغ شين و في كتابه Zhongguo Langji (السفر في الصين). فالراوي كان مهتما بالتصعيد الثقافي الذي ينجم عن شخصيته كصيني من الهان**. وهو يشعر بامتناع التيبتيين، ولا سيما حيال ضرورة الاستسلام لوجهات نظر وخط بكين، في التحديث وفي " الارتباط بالحضارة"؛ ولكنه أيضا لم يكن مرتاحا وعلى نحو واضح للنظام الإمبريالي الذي يتحكم بالمرور عبر " الحدود" الثقافية والسياسية (مروره في مناطق الحدود كان بتسهيلات وفرتها " رسائل " تقدمه إلى البيروقراطيات المحلية لشعب الهان).

وهنا يسقط موقع الراوي وينفصل عن " إستراتيجية الإخبار بالحكاية من الداخل". ويدخل في عمل مزدوج- وكأنه " غريب" يكتشف " الخارج"، إنه يبني محيط الصين من خلال "الرؤيا المفضلة" المرادفة لمركز الخطاب الذي يهرب منه.

وأول شريحة من هونغ شين تتضمن على نحو من الأنحاء ثلث الفصل الأخير -   الفصل الذي يصل فيه السارد أخيرا إلى التيبيت. وهذا الجزء تعرض لرقابة وحذف ثقيل في الطبعة الصينية، وفيه وصف للتفاصيل المسهبة للدفن بالعراء في التيبيت. وأيضا لحالات زواج الأطفال والزواج المتعدد ( التي على ما يبدو أنها تنتشر) في ريف التيبيت.

ومعظم مادة هذه الفقرات، كما ذكر في الجزء الثاني، نشرت في الصين في دار رنمين وينكسو عام 1987 ، على أنها الفصل الأول من (مد لسانك أو الفراغ). في هذا الوقت كان ما قد انتقل إلى هونغ كونغ ولم يعد تحت طائلة العقوبة والمحاكمة. ولكن الذي أزعج الكاتب حقا، حينما تعرض للهجوم السياسي، ليس قمع حرية التعبير الذي مارسته الدولة، كما قد يخطر في الذهن، ولكن حقيقة أنه كان موضع اتهام و" تكذيب" في وسائل الإعلام داخل الصين.

وفي المقابلة المطبوعة في نهاية هونغ شين، يوضح ما جيان أن هذه الإدانة هي السبب المباشر الذي وقف، لاحقا، وراء نشر (طريق ما جيان) في هونغ كونغ في نفس السنة تلك، ففي هذا الكتاب يقدم " إثباتا" بشكل سلسلة من الصور التي تعرض جثامين عارية لنساء حوامل بالإضافة إلى أن عددا منها هي جثامين متفسخة لها علاقة بالدفن بالعراء (وقد شارك ما جيان في الطقوس كما هو واضح).

ومع صور جثث الحوامل تجد النص التالي:" يوجد طفل في بطن هذه المرأة الشابة، ولذلك تبدل شكلها تماما. ويمكن للمرء أن يتصور من الحبل الذي يتدلى من فرجها الألم الذي عانت منه قبل الموت"( ما جيان. 1987). وفي الصفحة التالية، وصف لجثمان متحلل كلية تقريبا يقول فيه:" بعد تقشير وجهها نسيت كيف كانت تبدو"( المرجع السابق).

هذه الصور تحيل إلى مشهد من الفصل السادس، بالرغم من عدم توفر أي قدر من التناص. وكما ذكرت آنفا، إن (مد لسانك) نشرت كرواية و هذا لم يبدل من إيمان ما جيان ولا من قناعات GAPP*** أن العمل هو تصوير لـ " واقع حقيقي ودقيق".

وحينما أعاد كتاب (هونغ شين) إنتاج المشهد بعد خمسة عشر عاما، كتبه بسياقه التخييلي السابق، ولكنه في هذه المرة كان منشورا كرواية في أدب الرحلات. و هذا لم يمنعه من الاستمرار بالإدعاء أن الأحداث حقيقة مؤكدة وواقعية و تجد أدلة عليها في (طريق ما جيان). ولكن لاحقا حين دخل النص في التحولات من الإخبار إلى الفضاء الأدبي لم يكن يبدو كشريحة أدبية ذات معالم مستقرة.

 

التناسب الخارجي والداخلي

في مسار (هونغ شين) يواجه الراوي تحولات من " الذي هو تحت االملاحظة" إلى " الملاحظ" : من رؤية الموضوع التوتاليتاري المفروض عليه الصمت إلى موضوع الذات والآخرين الذين يقومون بدور السارد. والإزاحة الأخيرة تعمل بكل قواها حينما يهرب السارد في الفصول الأخيرة عمليا من الفضاء الميتروبوليتاني وفضاء الرحلة إلى غرب الصين.

هذه المناطق- البعيدة عن المركز السياسي جغرافيا وثقافيا، تلعب دور اختبار" لحدود " الصين" وللسلطة المركزية. ومع أن التيبيت ، كما بينا، تأخذ دور أهم رمز سياسي فعّال يدل على " الآخر الداخلي" في الصين ( منذ ضمها رسميا عام 1950 )، فإن مقاطعة يوانان في الجنوب الغربي توفر حضورا باهتا ولكنه بمثابة " آخر داخلي" أيضا.

يوانان، التي تحد حاليا لاووس وميانمار وفيتنام والتيبيت المستقلة، كانت في هامش الإمبراطورية الصينية ولقرون (منذ 1382 ) ، مهدت لتقاليد هامة في أدب الرحلات في تلك المنطقة، من شيو شيك إلى إي وو. في هذه الأجزاء من النص يوظف السرد كل الصفات التقليدية لجنس أدب الرحلات:  

وإضفاء طابع درامي على الرحلة، والصعاب التي يتحملها خلال الرحلة، والوصف الحي للمشاهد الطبيعية والسهول، وفوق ذلك أيضا، الوصف الإثنوغرافي المكثف، كما ذكرنا أعلاه، ورد سابقا في مقالات قصيرة في مجلات منشورة في هونغ كونغ منذ أواخر الثمانينات (وهي مصنفة في بند " الشريحة الثانية")، وعودة ظهورها في هذا السياق الجديد ليس له بالضرورة نفس الأثر. وبينما بإمكان الأشياء والذكريات أن تتبدل في غضون خمسة عشر عاما، فإن الفرق الأهم موجود في التناص، أو ما يمكن أن تقول عنه استراتيجيات مختلفة ومتشعبة تؤطر أحداثا معينة وتعبئ القيم الدالة التي تنجم عن المحور الثقافي المقابل.

ومثال على ما سبق يمكن أن تجده في الزيارة إلى قوم جينو في منطقة شيشوانغبانا التي تقع في جنوب يوانان، حيث يكون اللقاء مع البنت الصغيرة مينا. هذه التفاصيل كانت قد نشرتها مينغ بو في هونغ كونغ خلال شهر آذار من عام 1987 تحت عنوان Meiyou Ting Ta Jiangguo Hua de Xiao Meina (الصغيرة مينا التي لم أسمعها تتكلم)، ثم أعيد نشرها ضمن Liulang Zhongguo (التجوال في أرجاء الصين) عام 1996 . وإن هذه المقتطفات المعادة تراها كذلك في ( طريق ما جيان). وفي الحالتين السالفتين كان قد سبق الاقتباس وصف مختصر تناول خصوصيات الاختلاف الذي تجده عند الجينو ( باعتبار أنه مجتمع آخر مختلف - وهو وصف تراه بعد صفحتين من بداية طريق ما جيان). وفي الصيغة المبكرة، يبدو المقطع كما يلي:

諾族的一大特點是直系親屬可以相愛為情人,但不能結婚,結婚要重選丈夫,但允許互送禮品懸掛各自家裡,死後再團聚,在陰間成親。還允許男或女方在情人結婚時,出其不意把一竹污水潑在情人身上,以洩嫉火

(والصفة المتميزة الأساسية التي تطبع هوية جينو هي مرتبطة مباشرة بأعضاء من العائلة الذين يمكن أن يقعوا في الحب ويشكلوا زوجا مناسبا. ولكن مع ذلك ليس مسموحا لهم بالزواج. وبالنسبة للزواج ( على المرأة) أن تختار زوجا جديدا، ولكن من المسموح لهما تبادل الهدايا للاحتفاظ بها كل في بيته الشخصي.

و يمكن الاتحاد بصفة عشاق في العالم الآخر. وكذلك يسمح للذكر أو الأنثى الإعراب عن عدم الموافقة في عرس المحبوب بصب محتويات إبريق من البامبو فيه مياه ملوثة على رأس العشيق لإخماد نار الغيرة. ( ما جيان: 1996).

وبالمقارنة، إن طبعتي هونغ كونغ والصين الأم في نص هونغ شين، وكذلك ترجمته الإنكليزية، تسرد نفس التفاصيل:

書記說,同姓的男女可以戀愛同居,但禁忌結婚。當其中一個要結婚時,可互贈誓死成雙的 信物,女送男腰帶,男送女煙包,懸掛在婚房裡。死後携帶信物在九條叉路約會,一起再去陰 間結婚。已經見了幾個掛著生死信物的家庭。這也就是說:情感記憶會真實地呈現在生活之 中,雙方僅僅是期待未來的臨時路友了。為了表示愛情的忠誠,在婚禮上男人必須準備一盆刷 鍋水,潑在情人身上,以洩嫉恨。沒有人潑濁水的新娘會很丟臉

(يقول السكرتير لي إن الذكر والأنثى اللذين يحملان نفس الكنية ( تونغ سينغ) يمكنهما الوقوع في الحب وأن يعيشا معا، ولكن الزواج في عداد التابوات. وفي وقت ما لو رغب أحدهما بالزواج، وتوجب عليه تبادل رموز الإخلاص والطاعة حتى الأبد: تقدم البنت للشاب حزاما والشاب يقدم لها جعبة صغيرة (yanbao ) لتعلقها في بيت الزوجية. وبعد الوفاة، يحمل كل منهما هذا الرمز إلى مكان اللقاء في التقاطع السادس، ويترافقان معا إلى العالم الآخر ليعقدا قرانهما.

وقد رأيت حتى الآن عدة بيوت علقت رمز الحياة والموت. وهذا يدل، أن الذاكرة العاطفية مدفونة في الحياة اليومية، بانتظار المستقبل المشترك المؤقت. وللتأكيد على الإخلاص في الحب، على الشاب أن يجهز طبقا من ماء غسيل الصحون وفي وقت الزفاف يصبه على حبيبته بغاية التنفيس عن مشاعر الحسد والبغضاء.

ولكن يجب على العروس أن لا تتلقى الماء القذر على وجهها الممتقع ( ما جيان: 2002).

(تقاليد وعادات الجينو تسمح لأفراد من نفس القبيلة أن تقع في الحب، ولكن الزواج غير مسموح به. وحينما يحل الوقت لزوج من العشيرة كي ينفصلا، يتبادلان الهدايا بين بعضهما بعضا كعهود ومواثيق تدل على حب لا يموت. البنت تقدم حزاما جلديا والشاب يقدم حقيبة من القماش. وهذه الهدايا تحمل لاحقا إلى بيت الزوجية وتعلق على الجدار. وحين يموت عشاق القبيلة، تحمل الهدايا إلى التقاطع التاسع الأسطوري، وهنا يتم اللقاء والرحيل معا إلى العالم السفلي حيث يصبح بمقدورهما أخيرا الزواج.

وبالنسبة للجينو، الزوجات والأزواج في هذا العالم هم مجرد شركاء على الطريق، وعلى الحب الصادق أن ينتظر حتى يحين وقت ما بعد الممات. وقد رأيت تلك الأحزمة والحقائب معلقة على الجدران في عدة أكواخ وبيوت قروية. وعندما تتزوج البنت، يقوم عشيقها في القبيلة برش الماء من أطباق مياه الغسيل القذرة كإشارة على الحسد والغيرة. ويعتبر ذلك إذلالا لا مزيد عليه بالنسبة لعروس لا يجب أن تبلل في يوم زفافها ( ما جيان:2001).

هذا التميز الرئيسي لهوية الجونو الوطنية " تراه بصورة جزء من مقالة في مجلة، وذلك بثلاثة أساليب يوظفها كتاب هونغ شين، وعليه ضمن بعض الحدود يكون منفصلا عن خط السرد الأساسي. وفي نسخة الصين الأم وهونغ كونغ يقدم " السكرتير لي" المعلومات، بينما في الغبار الأحمر وفي المقطوعات السابقة، التي يعاد إنتاجها في (التجوال في أرجاء الصين)، يكون الراوي هو نفسه. ومن المهم أن تلاحظ أن " أعضاء العائلة المترابطين بشكل مباشر" في نص عام 1987 تم الاستعاضة عنهم في الطبعات اللاحقة بـ " ذكور وأناث لهم نفس الكنية" أو " أعضاء من نفس العشيرة".

يوجد فرق واضح ودال بين " عائلة متكاتفة مباشرة" و " عشيرة". في حين أن الثانية قد تدل على علاقات لا تعتمد بقوة على رابطة الدم ولكن أيضا على التناسل الأسطوري أو الروابط القبلية، فإن الأولى توجه مباشرة السؤال التالي: " ما هي درجة التماسك؟". يمكن للمصطلح بسهولة أن يؤخذ على أنه يدل على القبول بين عشاق الجينو أو على العلاقات الجنسية بين الأقارب أو حتى الآباء والأطفال. بالنسبة لغريب من غير معرفة محددة سوى النص المهذب، فإن المصطلح يشير بقوة إلى موافقة ثقافية على زنى المحارم – وعلاوة على ذلك: إن التطبيق في الحياة العملية هو في الواقع مؤسساتي وتصل المأسسة لدرجة انبناء الأساطير وتبادل الرموز النظامية. الـ " الكنية نفسها "، كما يذكر النص حرفيا في كتاب هونغ شين و(السفر في الصين)، ليس شيئا دراميا ومع ذلك يحمل إمكانية متشابهة، وفوق ذلك توجد تسهيلات بإضافة العبارة الأخيرة: إنه "إذلال ما بعده إذلال" أن لا تكون لديك خبرة بزنى المحارم المؤسساتي الذي تمر به نساء الجينو.

ومن طرف آخر إن الغبار الأحمر يوظف كلمة " العشيرة" التي تلغي بشكل حاسم سلطة هذه الأوهام: فشعب القبيلة الواحدة يمكن حقا ربطهم مباشرة بأعضاء العائلة، ولكنهم بحاجة أن لا يكونوا من العائلة، وبما أن الموضوع ليس مذكورا في النص، هم على الأغلب ليسوا كذلك ( أو على المرء أن يضع هذا الافتراض نصب عينيه). إن أعضاء القبيلة في عقد مواعيدهم الغرامية لا يثيرون الدهشة، بالعكس إن ما يلفت عناية قارئ النص الإنكليزي، أنه على الجونو وبالضرورة اختيار الشريك من خارج الجماعة. وبما أن ( تونغ سينغ) تترجم على نحو شائع على أنها تقابل معنى ( العشيرة = القبيلة) أو بشيء يشبه ذلك وذلك لتحاشي مصطلح " نفس الكنية" الشائع، يبدو في السياق الحاضر كأنه فعل مقصود الغاية منه " تهدئة " هذا الغموض غير المتفق عليه.

وكما هو الحال في بعض موضوعات السرد الكولونيالي لثقافة التيبيت... إن خلافية الجونو تجدها أساسية في موضوعات لها علاقة بالأخلاقيات الجنسية، وهذا يدعو بالضرورة إلى تدبير اللقاء المباشر بين السارد والفتاة الصغيرة مينا في إطار إيروتيكي مزيف ( فالفقرة يعاد إنتاجها تقريبا كلمة بكلمة في طريق ما جيان). يقول نص عام 1987 كما يلي:

⋯⋯這時我才發現美娜的一隻腳包著好多布,腫得可怕。我忙放下相機,問她怎麼了。她也 不吭聲,但不反對我去碰她的腳。我把那些髒布拆掉,發現傷口爛成黑紫色,有兩個破口往外 浸著膿血,原來四個月前她被鐵鈀紮在腳上,一頭進去又穿透腳背紮出來,上面雖然塗了些土 製的紅色粉末,但根本沒有消毒。我把隨身帶的紗布、雲南白藥、止痛片和維生素全給了她,給她重新塗上藥包好才離去

(...) في هذه النقطة فقط اكتشفت أن قدمي مينا مقيدتان بقطعة كبيرة من القماش ولكنهما انتفختا على نحو مرعب. ومباشرة وضعت الكاميرات من يدي وسألتها أين الخطأ. ولكنها لم تنطق بحرف، ولم تعترض حينما بدأت بتلمس قدمها. وحينما أزلت اللفافة البغيضة اكتشفت أن الجرح قد التهب وتحول إلى لون قرمزي قاتم، ومن الفتحتين كانت تسيل الدماء والإلتهابات. وعلى الأغلب كانت قد ثقبت قدمها برف معدني من أربعة شهور سبقت، فعتلة اخترقت مؤخرة القدم، ومع أن بعض المساحيق العلاجية تم رشها على الجرح، لم تتخلص من الالتهاب على الإطلاق. قدمت لها كل العلاج، بايو يوانان**** ومسكنات وفيتامينات، كانت بحوزتي. ولم أغادر حتى عالجتها بدواء جديد وربطت قدمها بحذق وقوة. ( ما جيان، 1996).

في اليوم التالي يكتشف الراوي عيادة محلية ويقنع رئيس الأطباء بإرسال ممرضة إلى الجبال لعلاج الصغيرة مينا. وأول الأمر يرفض الطبيب، بحجة أن هناك عجزا في الكادر، ولكن بعد أن يخبره الراوي أنه نفسه خريج كلية الطب وهو من عرق الجونو يجد لديه أذنا تصغي. كانت مينا تجلس وحدها في العراء حينما عاد الراوي مع الممرضة بسيارة مأجورة. فتنهض فورا، وتعرج نحو البيت لإحضار الموز والماء للضيفين. تعالج الممرضة الطفل، ومجددا لا تفتح فمها بصوت يدل على التذمر. وقبل أن يغادر، يسجل الراوي عنوانه البريدي في شينغدو. ويشرح لمينا، أنه دفع كل التكاليف وعليها أن لا تقلق حيال أي شيء. ولو أن العيادة أرسلت تطالب بتكاليف إضافية، عليها أن لا تتردد بالاتصال به، وهو شخصيا: سوف يفتش عن زعيم فرعك من الجونو ويشكوهم" (المرجع السابق).

ويتبع ذلك حيثيات مختصرة عن مراسلات قليلة بين مينا والراوي بعد فترة من مغادرته شيشوناغبانا. فقد بلغ لعلمه أنها حاليا تحب الرقص، وأنها طالبة مجتهدة، وهكذا. وتوجد في نهاية النص صورة صغيرة لما جيان ومن يفترض أنها مينا. إن الطبعات الثلاثة لهونغ شين تتطابق على نحو واضح مع هذه الفقرة، ولكنها لا تتفرع مباشرة من الصيغة المبكرة. ولا توجد مقتطفات طويلة من نص المجلة، والأحداث تتوالى بصيغة سرد الحاضر. والصورة المستعارة من (التجوال في أرجاء الصين) يعاد نشرها أيضا في ( السفر في الصين):

我記起碰見一個叫美娜的小姑娘坐在門口,腳被鐵鈎扎透了,爛成黑紫色,破口留著膿和血,腫得走不了路。就把隨身帶的藥和紗布拿出來給她重新包紥了。她沒一絲疼或者疼的表情。站 起一隻腳跳著進屋拿了個香蕉給我

(أتذكر أنني رأيت الصغيرة مينا مقرفصة أمام الباب في قرية الجونو تلك. كانت قد وطأت على مسمار صدئ في الأسبوع الماضي وانتفخت قدمها بالصديد والدم. وأصبح المشي صعبا. غسلت لها الجرح، ووضعت عليه كريم المضاد الحيوي وغطيته بضمادة نظيفة، وخلال ذلك لم يطرف لها جفن. وحينما انتهيت، قفزت إلى الداخل وجاءت بالموز من أجلي (ما جيان 2002. ترجمة فلورا درو، ما جيان2001).

بعد هذه الفقرة عوضا عن أن يتابع الراوي مهمته لإنقاذ البنت الصغيرة كما ورد أعلاه، يقوم بزيارة ساحر عجوز أنفق رسميا ثماني عشرة سنة في السجن بسبب فعل إلهي لم يكن الحظ فيه إلى جانبه. ومن الواضح في الحوار أن الرجل المسن قد وقع في فخ الساحر ذي الهوية المجزأة. فللساحرمكانة عالية في مجتمع الجونو التقليدي، ولكنها أيضا لا تتناسب مع الحداثة الاجتماعية – وهذه حقيقة لا بد أنه استوعبها في سجن استمر لعقدين بإدارة الشيوعيين. كان الراوي يستغرب ممارسة الطقوس التقليدية للجونو وكذلك وقع تحت تأثير دور الساحر في التعامل مع الحالات الطبية المستعصية، ولكن لا يقرر خط السرد قبل هذه التفاصيل العودة في النهاية إلى مينا:

說村裡的人病了也都找你問卜求鬼

是嘛,一般小病吃舅舅嚼的飯就能治好。厲害了才拿來病人的上衣,包上米和鹽,還有 雞蛋和薑。找我念咒祈鬼。要是大病還要殺豬送鬼,我一個人做就不行

白天在山上轉著拍照時,還發現路上擺著一對用芭蕉葉子做的送鬼船。船上寫著咒語,船. 病了還是要吃藥,人命關天,送什麼病鬼也沒用。那個叫美娜的孩子腳都腫爛了,再不 治就保不住了。他sic家裡到底給她塗了些什麼?根本不管用。是不是她舅舅嚼的飯

(" يقول القرويون إنهم يأتون هنا حينما يصيبهم المرض وأنت تطرد الشياطين من أبدانهم".

" يمكن لمعظم الأمرض أن تشفى بالتهام بعض الأطعمة من فم عم المريض. لو أن المرض خطير، يحضر لي الأقارب الأرز والملح والبيض والزنجبيل، وأنا أتلو من الكتاب المقدس. وللحالات الخطيرة جدا أذبح خنزيرا ولكنني أحتاج إلى معونة لإنجاز ذلك".

وبينما كنت ألتقط الصور في ذلك الصباح، رأيت قاربين صغيرين من أوراق النباتات فوق ممر جبلي. يعتقد الجونو أن هذه " زوارق خاصة بالأموات" وتطرد الأمراض من القرية. كانت توجد تعازيم مكتوبة على الأطراف وأعواد من البخور تحترق في القارب.

قلت له:" أحيانا من الضروري أن تأخذ الأدوية. فقدم مينا الصغيرة مصابة بالغرغرينا. وسوف تفقدها إن لم تتلقى العلاج. كل المساحيق التي وضعتها عائلتها على الجرح لا تعمل كما يبدو. وأتمنى أن الطعام ليس من فم عمها"( ما جيان، 2002، 2001).

بتفاصيل الرحلة البطولية للراوي التي وردت في نص عام 1987، من أجل إنقاذ صغيرة الجينو – علاجها على يديه وإحضار ممرضة لترعاها بعكس رغبة العيادة – تحولت العقدة إلى شيء مختلف تماما في النص اللاحق. لا شك أن الراوي يتصرف " بطريقة حضارية" في الحالتين، ولكن وفق أجندات بلاغية مختلفة.

ومما يبدو أنه تصرف شخصي مجرد ونقد معتدل لنظام الرعاية الصحية المتخلف في مناطق المحيط، و هكذا ينتقل الموقف لهجوم حاد ضد " ثقافة التخلف والتوجه الرجعي" والخرافي. ويحمل الراوي معه نفس هذا الموقف في نص عام 1987 أيضا – إنه يبدل الضمادة، ويضيف العلاج "المناسب"، ويأتي بالمعونة المدربة لتخفيف الضرر الذي تسبب به الفولكلور المحلي -

ولكن هذا لا يصب في الهدف الأساسي للموضوع. وعلى أية حال، حينما يرتبط هذا الموقف، وفي الواقع هو مجرد مقدمة، بالحدث الأساسي في الفصل الثاني، يتحول إلى مشهد ساخر يدور حول تخلف ورجعية الجونو ( وتقاليد الأقليات بشكل عام) و لكنه لا يقدم دليلا على النظام الإمبريالي الذي ينظم حياة هؤلاء الناس ولا سيما في مواقع مفصلية.

في هذا المشهد، تأخذ "رؤية" الراوي مسافة مختلفة من موضوعها، وهذا يمكن ربطه بحركة " معدلة داخليا" يبررها الكاتب، ولكن أيضا يمكن النظر إليها على أنها كتابة تعبر عن سردية غريبة مؤلفة محليا: مثل الكاتب، يمكن أن ترى سرده وكأنه ارتحال بين أنظمة وفضاءات.

 

ترجمة: صالح الرزوق

......................

هوامش:

* هونغ شين هو ترجمة ( السفر في الصين) و التي نشرت في خارج الصين.

**الهان: السلالة الحاكمة في الصين بين ٢٠٦ ق.م. وحتى ٢٢٠ ب.م.

*** الإدارة العامة للمطبوعات والنشر.

**** مسحوق من أعشاب يصنع في يوانان ( هامش للمؤلف).

الترجمة من (تصورات في المنفى) لبيتر دامغارد. أطروحة دكتوراة في جامعة كوبنهاغن. كلية الآداب و العلوم الإنسانية. قسم اللغة الإنكليزية.2012 ،222 ص.

 

في المثقف اليوم