قضايا

الجاذبية الفكرية!!

الكون محكوم بالجاذبية، وهي طاقة هائلة ذات قدرات مطلقة وتفاعلات دقيقة متوافقة بإحكام، وقادرة على التنامي الدوّار وعدم الفناء، فلا تعرف العدم ولا السكون، ولهذا فأن كل موجود يتحرك وفقا لإرادة الجاذبية الكونية، التي أوجدت كل شيئ وحققت الخلود والسرمد والأزل والأبد.

ولا يمكن لأي نشاط مهما تنوع وتعدد أن يكون منعزلا عن تأثير الجاذبية وإرادتها السائدة في جميع الموجودات المادية وغير المادية.

فلا يمكن تحرير الكرة الأرضية ومجموعتها الشمسية من حكم الجاذبية لأن في ذلك فناءها ، وكل ما يرتبط بأي جرم سماوي لا يمكنه أن يتحرر من أصفاد الجاذبية، التي تتحكم بمصيره ونشاطاته المرسومة طِبقا لقوانين الجذب الكوني الفعال المنبسط المتسع الوهاج.

والمخلوقات الحية تتحرك وفقا لمؤثرات الجاذبية التي تحقق آثارها فيها، وما ينجم عن سلوكها له علاقة بها، بل ومقدر ومرسوم وفقا لإرادتها المبسوطة المنضبطة الدقة وبإحكام مطلق وثابت حصين.

ولكي تقضي على أي موجود عليك أن تحقق إضطرابا في علاقته بالقوة الجاذبة، فعندها سيفقد توازنه ومؤهلات تواصله فيغيب في بدن كينونة ذات تآلف مع طاقات الجذب القصوى.

وللجاذبية مراكز متعددة متناسقة التفاعل ومتبادلة الطاقات والقدرات، لكنها تعمل كوحدة وجودية وفقا لإمتداداتها وإرتباطاتها الكونية الكبرى.

وفي هذا الخضم المنسجم الإيقاع بأمواجه وتياراته ودفق عطاءاته الحيوية، تتحول الكثير من الأشياء إلى زبَد ملفوظ وبعضها يبدو كطيف ملحوظ، ولا يمكن للمخلوق أن يكون طاقة جذب، وإنما هو عنصر متأثر بها فهي الفاعل وهو المفعول به، إلا فيما يندر من الظواهر والصيرورات الخلقية، التي يتحول فيها المخلوق إلى إرادة متماهية مع قدرات الجذب الكوني، ويبدو وكأنه القوة الفاعلة المدبرة لمؤثرات الجذب الواقع على المكان والزمان الذي هو فيه أو غادره، وهذا يتحقق بالتمكن من تطويع الفكرة وحشدها لتكون ذات قدرات جذب متواصلة مع إرادة الجذب العظمى.

فالأفكار التي تسمى حية ولها القوة التأثيرية في رسم خارطة الوجود النابض في أي مكان وزمان، إنما هي التي إحتشدت فيها قدرات جذب متنامية، ومنتمية لعين الجذب وينابيع الإنجذاب الدفاقة في أعماق كون مرهون بالتجاذب الخارق الإمتدادات والتفاعلات.

والأفكار تتباين في قدرات جذبها ومؤثراتها التجاذبية، وبطاقاتها الخفية القادرة على السيادة والتمكن ، وتحويل العقول إلى حالات تدور في فلكها أو أفلاكها، فالعقول تعمل فيها قوة الجذب وتجعلها تتواصل وفقا لإراداتها وإتجاهات مسيرتها التجاذبية، التي تجذب إليها طاقات إضافية ذات مواصفات جذب متفقة معها، ولهذا يكون من السهل على الفكرة ذات الطاقة الإنجذابية القصوى أن تحقق دورها بوقت قياسي ومدهش، لأنها ستكون مركز جذب لما لا يحصى من الأفكار التي تدور في ذات المدار الإنجذابي ولكن بمستويات مختلفة.

أي أن الفكرة صاحبة القوة الإنجذابية الأكبر تكون مؤهلة لإعادة ترتيب أوضاع الأفكار، التي تمتلك ذات المواصفات الإنجذابية ولكن بدرجة أقل وتتحرك بعشوائية، فحالما تنطلق الفكرة الأقوى تتحقق مدارات دوّارة حولها وفقا لقوانين الجذب، فتراها قد نهضت وكأنها الإعصار العظيم، لأنها أيقظت النائم العشوائي من الأفكار، التي تبحث عن مدارات صيروراتها وآليات قيادتها.

ولذلك فأن لكل فكرة مهما كان نوعها وطبيعتها طاقات إستنهاض وتجاذب وتفاعل، وقدرات بناء الجهاز الدوراني المحكوم بقوة الجاذبية لفكرة جوهرية أو فكرة أمْ.

بمعنى أن أفكار الخير يمكنها أن تكون وكذلك أفكار الشر، بناءً على الظروف الإنجذابية الحاصلة في المكان والزمان، ولهذا فأن الأفكار تتنوع وتتأثر بزمانها ومكانها، لأن آليات التجاذب تتغير ضمن السياق الثابت العام، فقوة الجذب تكرر نفسها (من التكرير) وتعيد ترتيب أوضاعها لكي تحافظ على توازنها ضمن المنظومة الدورانية الكونية، التي لا تسمح لها بالفناء أو التحول إلى عدم.

ولهذا فأن قدراتنا على قمع أية فكرة مهما كانت درجات سوئها مرهونة بقدراتنا على إضعاف طاقات الجذب والإمتداد، وهذا قد يكون محكوما بإرادة جذب أقوى من طاقات البشر، لكن الفكرة الناهضة يمكنها أن تصل إلى مداها الإنجذابي فتنحسر، وتحل محلها فكرة أخرى ذات قدرة أفضل على الحفاظ على آليات التوازن والتفاعل مع قوانين الجذب إلى حين، وعليه فأن كل فكرة مرهونة بزمن ومكان وبآليات التفاعل القائمة في محيطها، وبكيفيات ترابطها مع الكيان الكوني الجاذب الواجد لها.

هذه حقائق خفية فاعلة في مسيرة الموجودات الأرضية والكونية، ونسميها بما يحلو لنا من المسميات ونراها وفقا لما نعتقده ونتصوره، وفي ذلك محاولات إنكار وتبرير وتعليل مخادع لكي نشعر بالأمان والإستقرار ويكون لمسيرتنا الحية معنى وقيمة ومغزى.

فكل ما يجب أن يكون هو القادر على الفوز بالتوافق مع أفلاك الجذب الكوني الدوارة بحلقات مطلقة الحجم بصغرها وكبرها، وبدون هذا التوافق لا يمكن لأية فكرة أن تتحقق وتسود في أية بقعة كونية.

وبناءً على ما تقدم يمكن تفسير الظواهر والحالات والتفاعلات والصراعات، التي تعيشها البشرية في هذه البقعة الكونية المحكومة بقوانين الجذب والدوران الخالد.

كما يمكن إكتشاف القوانين الإنجذابية اللازمة لإزاحتها والإستثمار بطاقتها وتحويلها إلى قدرات إيجابية، فالطاقة ذاتها مهما تنوع كيانها وإتجاهاتها التأثيرية.

فهل نحن بحاجة لهيكلة كوْنيّةِ أفكارنا لكي تتحقق رسالة الجوهر الساطع المبين؟!!

 

د- صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم