قضايا

دور المؤسسات الدينية في تعزيز التعايش المجتمعي والتسامح وثقافة اللا عنف

amira-albaldawiمقدمة: ان الهجمة الكبيرة والانماط المختلفة والممارسات متصاعدة الوتيرة التي انتهجتها عصابات داعش التكفيرية بحق الشعب العراقي كافة وخاصة من النساء والاطفال في المحافظات التي تم احتلالها في العاشر من حزيران 2014 ومابعدها، معززة حالات التطرف وضاربة البنية المجتمعية بمعول بياناتها التي تكفر وتهدد وتصنف المجتمعات المتآخية على اساس الدين والطائفة وتعمل على التفريق بينهم في القصاص فمنهم من تقتلهم مباشرة ومنهم من تمهلهم حتى يغادروا بيوتهم ومدنهم ومنهم من تهددهم باعتناق الاسلام او تقتلهم بأنتقائية وتفسير محدود الافق لبعض الآيات القرآنية او بعض الحوادث في السيرة النبوية الشريفة تتطلب مواقف جادة وواضحة من المؤسسات الدينية الرسمية وغيرها، كما ان الفضائع والانتهاكات التي مارستها عصابات داعش الاجرامية والتي قامت بها بأسم الدين مما أثار نقاشا وجدلا حادا في المجتمع العراقي وطرح اسئلة كثيرة على رجال الدين والمرجعيات الدينية والمؤسسات الدينية كافة لم يتم الاجابة عليها، فهل يمكن الحديث عن تعايش مجتمعي وتسامح وسلم اهلي وهناك من يقتل ويذبح ويحرق ويغتصب النساء ويأسرهن ويبيعهن جواري في اسواق النخاسة في الموصل والرقة بأسم الدين وبأسم الاسلام؟ وماهي مواقف المؤسسات الدينية أتجاه تلك العصابات وهي تجبر اصحاب الديانات الاخرى وخاصة النساء على اعتناق الاسلام الذي أقر في كتابه العزيز ان (لا أكراه في الدين) . لقد بذل العراقيون الكثير من الدماء الزكية، وسطروا ملاحم للمقاومة والتصدي والتغييب في غياهب السجون والهجرة في ارض الله الواسعة من اجل الحفاظ على حق أحترام المعتقدات وحرية المعتقدات الدينية وحرية ممارسة شعائرها، وقد جاءت عصابات داعش لتنسف هذا الارث الذي نفتخر به وتحدث شرخا عميقا في مجتمعنا الذي بات قسم كبير من ابنائه يرفضون البوح بمعتقداتهم سواء الدينية او المذهبية خشية تعرضهم للغدر او التهجير او الاختطاف وعلى اقل تقدير تفرض عليهم الأتاوات . فهل قامت المؤسسة الدينية بدورها المأمول اتجاه هذه الحالات لمنع حدوث الصراع والوقوف بوجه ثقافة الكراهية والعنف والارهاب الفكري ؟ وماهي انجازاتها في مجال تحقيق التعايش المجتمعي وتعزيز اللحمة الوطنية واشاعة ثقافة التسامح واللاعنف

 

نبذة تعريفية للمؤسسات الدينية الفاعلة في العراق:-

1- المرجعية الدينية العليا للشيعة :- ممثلة بسماحة آية الله السيد المرجع علي السيستاني والذي يعد خيمة وطنية فأن جملة المواقف التي اتخذت والبيانات التي صدرت واللقاءات التي حصلت مابعد العاشر من حزيران توضح رؤيته الوطنية الشاملة لتعقيدات الوضع في العراق ولقاءاته مع ممثلين من مختلف الديانات والطوائف والتي يستخلص منها العبارات الخالدة التي تعبر عن منهجية وطنية لاتفرق بين ابناء العراق، فقد قال سماحته (ان السنة هم انفسنا وليس اخواننا) في اكثر من مرة وآخرها عند لقائه بالشيخ خالد الملا رئيس جماعة علماء العراق

http://www.sistani.org/arabic/in- news/24914

كما قال سماحته عند استقباله رئيس طائفة الكلدان في العراق والعالم البطريرك مار لويس روفائيل ساكو الاول (أنتم جزء منا ونحن جزء منكم وأنتم في قلبنا ونتألم لما يجري لمكونات العراق)

http://www.sistani.org/arabic/in- news/24944 /

وقال سماحته عند استقباله وفد الطائفة اليزيدية الذي جاء معبرا عن مدى احترامه وتقديره لمواقف المرجع السيستاني تجاه مأساة اليزيديين (الآيزيديين أمانة في اعناقنا)

http://www.sistani.org/arabic/in- news/24958/

ولايمكن أحصاء المواقف والتوجيهات التي قدمها سماحته عبر خطب الجمعة لوكلائه للحكومة ولمجلس النواب والتعليمات التي اصدرها للقوات الامنية المقاتلة وضرورة مراعاتها الجانب الانساني، وخطابه لعامة الناس والمواطنين في التصرف المسؤول والتعامل الذي يليق بالمسلم . وقد أظهر الاهالي في محافظات العراق التي نزح اليها التركمان والمسيحييون واليزيديون والشبك وغيرهم تعاطفا كاملا معهم التزاما بوصايا المرجع . كما كان لسماحته لقاءات عدة مع ممثل الامم المتحدة في العراق فضلا عن الامين العام السيد بان كي مون الذي قال في مؤتمر صحفي عن زيارته لسماحته (اعربت عن عرفان الامم المتحدة لدعم سماحة السيد لكل الجهود الرامية لحماية المدنيين في الصراع الحالي، كما اعربت عن تقديرنا لدعوة سماحة السيد الداعية الى الامتناع عن الخطاب الطائفي، و ارحب بشدة بمناشدته للجميع بضبط النفس و تعزيز الروابط بين ابناء جميع مكونات الشعب العراقي، و تجنب الخلاف)

http://www.sistani.org/arabic/in- news/24930/

2- دواوين الاوقاف :- من اجل توفير مساحة مشاركة اكبر في اتخاذ القرارات النوعية والتخصصية بالديانات المتعددة في العراق فقد انشأت بعد عام 2003 دواوين اوقاف متخصصة هي ديوان الوقف الشيعي وديوان الوقف السني وديوان اوقاف الديانات المسيحية واليزيدية والصابئة المندائية وهي وان كانت تعنى بالاوقاف الخاصة بتلك الديانات الا انها تعد احد المراجع الرسمية لتلك الديانات والطوائف، فقد نشر ديوان اوقاف الديانات المسيحية واليزيدية والصابئة في مو قعه الرسمي بأن من مهامه دعم ورعاية متولي اوقاف الديانات المنظوية تحت الديوان وعادة مايكون متولي تلك الطوائف او الديانات هو رئيس الطائفة، في حين بين الوقف السني بأن من اهدافه توثيق الروابط الدينية مع العالم الإسلامي بوجه خاص والعالم بوجه عام والعمل على التقريب بين الطوائف والمذاهب. كما يؤكد الوقف الشيعي على انه يسعى الى توثيق الروابط الدينية بين الطوائف الاسلامية وتعزيز التقريب بين المذاهب الاسلامية. ولكنها لكونها مؤسسات تابعة الى الدولة ومرتبطة برئاسة الوزراء فأنها تتبع سياسة الدولة ولاتحيد بخطابها العام عن نهجها، وقد شارك رؤساء الدواوين في مؤتمرات التقريب كما أقاموا العديد من تلك المؤتمرات خاصة بعد العاشر من حزيران والاحداث الجسام التي تلت تمكن عصابات داعش من بعض المحافظات فضلا عن البيانات الاستنكارية في اعقاب الافعال المشينة التي اقدم عليها داعش

3- خطباء المساجد والجوامع والحسينيات:- تعد من اهم المنابر التي تبعث بالرسائل وتنشر الالفة والمحبة او رسائل الكراهية والعنف، وقد كان لخطب الجمعة من كربلاء الأثر الكبير في نشر التوجيهات الوطنية والنابعة عن نهج ورؤية سماحة السيد السيستاني التي اشير اليها آنفا، في حين ساهم بعض الخطباء في اذكاء نار الفتنة عبر الخطاب الطائفي فضلا عن عدم استنكارهم العلني لممارسات وافعال داعش مما يشي بترويجهم لها وتبنيها، للخطباء في المدن او المحافظات التي التجأ اليها النازحون أهمية كبيرة في تعزيز التعايش السلمي والتكافل الاجتماعي وعدم تبني المعلومات واسلوب الخطاب الذي يصدر عن السياسيين والذي يحمل الاتهامات والتحريض مما يسبب الشحن الطائفي وهذا غير متوقع من خطيب او رجل دين، هناك امثلة على خطباء ومنتسبين الى الوقف السني في محافظات الاقليم تاثروا بداعش وتبنوا افكارهم وانظموا لهم في حين نتوقع من الخطباء ان يجدوا الوسائل لأستنقاذ الشباب من براثن الهجمة الفكرية لداعش فضلا عن اغرائهم بالوعود والمال وسلطة السلاح

4- رؤساء الكنائس وبيوت العبادة في الاديان والطوائف الأخرى :- ان الاديان والطوائف الاخرى (غير الاسلام) من الاقليات في العراق هم اكثر من عانوا من الاعتداءات والعنف والقتل والتشريد وغيرها من الممارسات، وقد كان حقا على رجال الدين المسلمين ان يؤازروهم في محنتهم ويقدموا لهم كل العون لأحتواء المحنة والازمة وعبورها، وقد كانت الهجمة كبيرة بحيث ادت الى نزوح جماعي للمسيحيين الى خارج الوطن ولم يكن من الممكن استخدام اي خطاب يلطف من التهديد الذي تعرضت له تلك العوائل بمغادرة المنازل خلال وقت محدد، كما ان لرؤساء بيوت العبادة كافة دور مهم في التواصل مع رجال الدين المسلمين واقتراح المبادرات المشتركة لحوار الاديان والطوائف وتعزيز المواطنة لدى رعاياهم

النتائج المأمولة لجهود المؤسسات الدينية في ترسيخ التعايش السلمي ونبذ العنف :- لقد أشرنا اعلاه جملة المهام والممارسات والادوار التي تلعبها الجهات الدينية في العراق وقد بينا انه ليس كلها كان ايجابيا كما ان الأيجابي منها قد أقتصر في بعض الحالات على البيانات والخطب ولم يمس حجم المشكلة وآثارها العميقة في المجتمع والذي يتطلب تظافر الجهود والقفز على النمطية في اداء رجل الدين واستنفاذ كافة الوسائل لمنع تداعي الروابط المجتمعية بعد الهزة العنيفة التي تعرضت لها . نلخص أدناه أهم النتائج المتوقعة لجهود المؤسسات الدينية :-

1- فرز داعش وتوضيح منهجهم التكفيري البعيد كل البعد عن الدين الاسلامي لا بل اي دين آخر من خلال قيادة حملات التوعية التي تتضمن التصدي للحوارات الفكرية ونشرها اعلاميا وابراز الوجه المشرق للأديان السماوية عامة وللدين الاسلامي خاصة ومافيه من عناصر التسامح والانفتاح وتقبل الآخر

2- تحجيم تأثيرهم الفكري على الشباب خاصة ومنع توسيع انتشار رسائل الكراهية والعنف من خلال فتح الحوار معهم على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الاليكترونية لعلماء الدين وممثلي المراجع، وطرح مواضيع النقاش للأجابة على كافة الاستفسارات والتحديات المتعلقة بأفعال عصابات داعش واشباع حاجاتهم من الفهم الصحيح

3- تطويق تأثير عصابات داعش على العوائل النازحة والناجين من هجمات داعش من خلال توفير الملاذات الآمنة والدعم الاجتماعي والمالي، وقد وفرت المؤسسات الدينية والمرجعيات من مختلف الطوائف يد العون للعوائل وقد استطاعوا ان يسدوا الثغرات التي لم تتمكن الدولة من تفاديها خاصة في موجات النزوح الكبيرة، ومازالت هناك آثار التخويف والابتزاز والانتهاكات التي تتطلب الدعم والاهتمام

4- أشاعة التنوير الديني والاجتماعي عن طريق الاعلام والبرامج التلفزيونية والوسائل الاخرى سريعة الوصول الى الناس والاسهام في عملية التوعية القكرية والدينية والاجتماعية خاصة فيما يتعلق بالأبعاد الاجتماعية لثقافة التسامح وكون التسامح الديني يُعدّ أرضية أساسية لبناء المجتمع المدني وإرساء قواعده

5- تتخذ دواوين الاوقاف كل التدابير لأعادة النظر بالخطاب الديني الذي أدى على مدى مراحل طويلة الى تأجيج الصراع الطائفي وكان سببا لديمومة آلة العنف بوضع الضوابط لمنع الخطباء الذين يثيرون النعرات الطائفية من اعتلاء المنبر والحد من تسييس الخطاب الديني، وتوجيه الخطباء الى انتهاج الخطاب الذي يعزز الشعور بالمواطنة و يوفر الاجابة عن علامات الاستفهام التي اثارتها عصابات داعش من خلال ممارساتها الانتقائية في تفسير آيات القرآن الكريم والاحاديث النبوية الشريفة فيما يخص تكفير الآخر، والأسر، والسبي، والأجبار على اعتناق الاسلام، وغيرها

6- ان يكون للمؤسسة الدينية بكل رموزها ومن كافة الاديان والطوائف حلولا ومواقف لحماية النساء العائدات من الاسر واللواتي تعرضن لأنتهاكات متعددة، وذلك بأصدار مايضمن الحفاظ على حياتهن من جرائم غسل العار التي تمارسها العشيرة او الاهل بمثل هذه الحالات، وان يهتموا بمصير الابناء مجهولي الآباء وكيفية التعامل مع قضيتهم وبعكسه فأن جيلا داعشيا جديدا سيكون قنابل موقوتة في المجتمع

 

الدكتورة عامرة البلداوي

 

في المثقف اليوم