قضايا

أسلافُنا وتندُّرهم باللحى العريضة الكثّة

jawadkadom gloomلسنا وحدنا من يتهكّم باللحى الكريهة الشعثاء النابتة في وجوه بعض دعاة وسماسرة الدين وأرباب النوايا السيئة الذين يظهرون غير مايبطنون ويمارسون الخديعة والمكر على عامة الناس من خلال اظهار انفسهم بمظهر الانسان الورع التقيّ الذي يخاف الله ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكرات ظاهرا لكنه يبيّت الدهاء والتدليس وإشباع رغباته الذاتية ونوازعه الشريرة في تعمية الملأ العريض وخداعه بمظهر المؤمن

فقد كان بعض اسلافنا الصالحين هم ايضا من اكتشف سرّ هؤلاء وسخروا من تدليسهم وأضاليلهم بإطالة اللحى والظهور بمظهر المتقين وهم ابعد الناس عن التقوى واقرب الى الملق وابتزاز الناس وتعطيل قدرات العامة العقلية كي يظلّوا في حالة احباط دائم لتمرير اغراضهم ونواياهم السيئة

ولم أهجس شاعرا كره اللحى الطويلة مثلما كرهها شاعرنا العباسيّ البديع الوصف ابن الرومي فهذا الشاعر مع كونه حاذقا صائدا للمعاني غير المتداولة، كان هجّاءً سليط اللسان لكل ماهو شائن قبيح الطلعة والمُحيا والخلْق والخلُق ، وقصته مع اللحية الطويلة الكريهة المنظر ؛ غير المشذّبة والمخضّبة بالصبغة او الحناء تثير السخرية والاستهجان من هؤلاء الذين انشغلوا بلحاهم لغاية في نفس يعقوب ونسوا عقولهم وكأن المعادل الموضوعي عند ابن الرومي انه كلما تم اطلاق اللحية صغر العقل وضحل الى حد اليباس والجفاف مع ان اطلاق شعر اللحية كان عرفا سائدا ووقارا وعلامة من علامات المؤمن الزاهد بالحياة وقتذاك وكل من ينتقص من قيمته وشأنه في المجتمع تكون اهانته الى اقصى مدياتها هو ان تحلق لحيته فيصهب ويكون مثار سخرية الملأ لكن شاعرنا يرى غير مايراه اقرانه ومعاصروه

واذكر ان قسما من مفكرينا السلف الأول قد ضاقوا ذرعا بمن يطيل لحيته الى حدّ السماجة والرياء والتمظهر بمظهر الايمان والورع الزائد ؛ فهذا ابو عمرو بن العلاء يصف عريضي اللحية بالحمق حتى لو كان أميّة بن عبد شمس سيد قريش ومن نخبة المجتمع وعلاة القوم العرب

ونسب الى الامام الفقيه مالك انه قال " لايغرنكم اللحى فان التيس السخل له لحية ايضا "، لكن الاشد قذعا ماقاله الجاحظ عن ذوي اللحى الطويلة بالنصّ " ماطالت لحية رجل إلاّ تكوسج عقله " ايّ خفّ وتبلّد .

الغريب في الامر هذه الايام ان تزداد عندنا ظاهرة ادامة اللحى وتطويلها لغاية في نفس هؤلاء المنتفعين لتمرير مآربهم على السذج من الناس ومن تغريه مظاهر الايمان بسطحيتها فنرى هذا الشيخ او ذاك الداعية يظهر على شاشات التلفزيون بلحيته الكثة غير المشذبة والطليقة حتى انها وصلت الى سُرّته في شكل لايسرّ الناظر اطلاقا ومع هذا تراه يحصد الاعجابات وتمدّ الناس رقابها فضولا وهم صاغرون امام شاشات التلفزيون ومنبهرون في باحة المساجد لكي تستمع الى هذيانه وخزعبلات كلامه رغم انه ضيق العقل ، ناقص المعرفة يظنونه يهدي الى سواء السبيل بينما هو يضلل الناس ويعمل على تعطيل عقولهم وتعمية ابصارهم ، والاكثر غرابة انك تراهم يحصدون الملايين من اعجاب الناس بهم فتلحظ صفحات المواقع الاجتماعية انّ داعيةً ملتحيا ثرثارا يكون معجبوه ومتابعوه وعددهم يقارب الخمسة او الستة ملايين معجب في صفحته

ليس هذا فحسب فهناك من يعمل على تخضيب لحيته بالحنّاء لتبدو حمراء يحسبها جميلة جاذبة تلتصق في وجه بشع حقير المُحيّا وترافق لسانا بذيء النفث في الاقوال ، اما الافعال فحدثْ ولاحرج من الخبائث والمكائد التي تتغلغل في اعماقه والنوايا والمقاصد الشريرة التي تغلي في روحهِ ، ولا اغالي لو قلت ان دماء حيض العاهرات المبتذلات انقى واشرف من صبغة لحيته التي يخالطها المكر والخبث والنوايا غير السليمة تماما كما قال ابن الرومي في احدى قصائده وهو يهجو احد هؤلاء ممن يدّعي الورع والتقوى زيفا وكذبا ظاهر الميْن

أرى بمن عظمت في الناس لحيتهُ -------- من خدعة الدين ان يُدعى أبا الكذب

ترى كم من هؤلاء ذوي اللحى الطويلة من استخدم مظهره في خداع الناس وتضليلهم فمنهم من أسس شركات وهمية فيما يسمى توظيف الاموال ونهبَ الملايين من اتعاب المسحوقين حتى وصل مستوى الدهاء والمكر ان خدع البنوك بأحابيله وفرّ هاربا خارج الحدود محملا بالوفير مما جناه التعبى من قروش بيض ادّخروها وقدّموها لذوي اللحى قربانا يحسبونها تنفعهم ليومهم الاسود وكم من رجل دين زائف امتطى المنابر ليُري الناس لحيته الكثة الفاسقة ويسمعنا من اضغاث احلامه مالا يصدق ولا يهضمه العقل الواعي فانطلتْ ألاعيبه على السذّج من أهلنا وضحكت لحيته الكثة الطليقة الشعثاء على عقولهم الملساء

حقا هناك بعض اللحى المحسوبة على الدين جزافا تبيّت لنا اغراضا اخرى غير الهداية والصراط المستقيم ، هي مجرد عقول اما جاهلة وبليدة لا تحسن النماء والتطوير ومسكت مقاليد الامور في غفلة من الزمن ليظلّ الناس على تخلفهم وإبقائهم مجرد هياكل لا تنحو نحو الارتقاء والتنوير وسعة العقل واما لحى تُحسن التلوّن والمقايضة بالدين والمتاجرة على حساب العامة المتخلفة كي تبقى جاهلة ويسهل استغلالها وخداعها والضحك على ذقونها وهؤلاء هم الزمر الاكثر خطورة ويحضرني بيتان ايضا مما قاله ابن الرومي

أذا عـظمت للـفـتى لحيـةٌ ----- وطالت وجازت الى سُرّتهْ

فنقصان عقل الفتى عندنا ---- بمقـدار ماطـال مـن لحـيتـه

لم يجانب الصواب رجل حكيم من سلفنا الصالح حينما قال هازئا باللحية الطويلة الكريهة المنظر " مازادت لحيةٌ عن قبضةٍ الاّ ونقص بمقدار زيادتها من العقل "

ويبدو ان بطرس الاكبر قيصر روسيا في القرن السابع عشر كان على صواب حينما سنّ قانونا ضريبيا بأن توضع ضريبة مالية على كل من يسعى ويقوم بإطالة لحيته سواء من رجال الدين او عامة الناس وليت المبصرين من رجال السياسة والقضاء عندنا يحذون حذو هذا القيصر الذي عرف نواياهم وأغراضهم الخبيثة الطويّة من اطالتها وبذلك نتخلص من العديد من هذه الشريحة الماكرة من الدعاة والعابثين بالعقول ذوي النوايا الطامعة والشريرة وقد يختفون من حياتنا الى الابد خوفا من دفع تلك الضرائب لسبب بسيط جدا وهو انهم جاؤوا لينهبوا وليس ليهبوا دلالة على انهم ابعد مايكونون عن كرام الناس

 

جواد غلوم

في المثقف اليوم