قضايا

العراقيون وسلطة الرمز الديني

qassim salihyنعني بـ"بالسلطة "هنا قوة في داخل الفرد تؤثر في سلوكه وتوجهه نحو أهداف معينة، ونعني بـ"الرمز " شخصا حقيقيا أو افتراضيا، حيا أو ميتا، له قدرات استثنائية على انجار مهمات وحلّ مشكلات ليس بمستطاع الفرد العادي تحقيقها، ويصبح الفرد والرمز حالة واحدة من خلال آلية نفسية هي التوحّد Identification .

تاريخيا، دخلت عن طريق هذه الآلية النفسية " فكرة " الرمز الى لاوعي الفرد يوم كان أجدادنا القدماء يؤمنون بقوى غيبية وكائنات خرافية لها فعل مؤثر في الكون والإنسان من قبيل: الزلازل، الطوفان، الرعد والبرق. حتى اختلال عقل الإنسان أو إصابته بالجنون كان يخضع للتفسير ذاته. فأسلافنا كانوا يعالجون المجانين بفتح ثقوب في جماجمهم لتخرج الارواح الشريرة من ادمغتهم بالتخويف والتهديد. وما يزال بعض العراقيين يربطون المجنون (اي المصاب بالشيزوفرينيا) بشباك ضريح امام ليخرج الجني من رأسه، وشهدت بنفسي رجلا يضربه (السيد)بالسوط ويزعق بالجني ليخرج متوعدا اياه بقتله في مشهد ميلودرامي.

ما حصل للعراقيين ان آلية التوحّد هذه انتقلت من التوسل بالرمز الديني لحل مشكلة صحية او اجتماعية الى التوسل به ان يخلّصهم من طاغية .. ابرزها ان جموع العراقيين كانوا في زمن النظام الدكتاتوري يقصدون اضرحة الأئمة يدعونهم لأن يخلصونهم من صدّام.

وبالمناسبة، كنّا اجرينا دراسة زمن الحرب العراقية الايرانية لرسائل كانت مرمية في ضريحي الامامين الكاظم في الكاظمية وابي حنيفة في الاعظمية، وجدنا ان مطالبها كانت من اختصاص وزارات الدفاع والداخلية والصحة: عودة اسير من سجون ايران، اطلاق سراح معتقل في بغداد، شفاء مريض، طلب انجاب لزوجات مضى على زواجهن سنوات .. وتليين قلوب الأهل للزواج من المحبوب!

المفارقة، ما حدث للعراقيين في زمن النظام الديمقراطي، فلدى متابعتنا لمقابلات أجرتها قنوات فضائية مع زائرين وزائرات لضريح الامام موسى الكاظم في (9/8/2007) وجدنا أن لديهم حاجات يأملون تحقيقها من هذه الزيارة حددوها في إجاباتهم على ألسنتهم بالأتي :

• (نريد الأمان .. أولادنا تكتلوا " قتلوا " واحنه عايشين بخوف والى متى نظل اليطلع من بيته ما يدري بروحه يرجع لو يموت.

•   ونريد الكهرباء .. الله أكبر طكت أرواحنا.

• ونريد السياسيين يتصالحون ويديرون بالهم على الشعب مو يظلون يتعاركون على الكراسي والشعب حال الضيم حاله .. يزي عاد تره شبعنا تعب.)

ومن ذلك التاريخ (2007)والى الآن(2015) وهم يعرضون مظالمهم على الرموز الدينية دون ان يتحقق منها شيئا، بل ازدادت سوءا.وطبيعي ان لا شأن للامام في ذلك، بل ان أي امام (شيعي او سنّي) لو خرج الآن ودعا المتخاصمين من السياسيين إلى المصالحة لما أطاعوه، ولو أنه حظر اجتماعا" واحدا" للحكومة لراعه أن يجد المسؤولين عن رعيته على هذا المستوى من الفساد والفتنة والظلال المبين.

ان احد اهم اسباب عدم نجاح الديمقراطية في العراق هو أن المؤمن برمز ديني الى حد التوحّد به، يصاب بخلل في السلوك والتفكير لا علاقة له بالرمز الديني، خلاصته ان طبيعة تفكير المتماهي برمز ديني تكون قدرية، بمعنى أنه يؤمن بأن ما يصيب الإنسان من خير أو شر مصدره قوى خارجية ليس له سلطة عليها أو تأثير فيها، وأن سلوكه يكون تعصبيا وعدائيا وغير منطقي في تعامله مع الآخرين لاسيما الذين يختلفون معه في الرأي، لأنه يرى أنه وجماعته على حق والذين يعارضونه على باطل.

والحقيقة السيكولوجية الخفية هي ان اللاشعور الجمعي في العقل الشعبي المعبّأ برموز دينية يميل الى أن يكون استاتيكيا يكره التغيير ولا يكون على توافق مع الديمقراطية، وأنه اذا أعلن عن قبوله بها (بالديمقراطية) فان الرهان عليهم، أعني المتوحّدين برموز دينية، يكون كالرهان على القطط التي تدرّبت على حمل الشموع والتصرف بسلوك مهذّب، غير أنها ما أن رأت الفئران رمت الشموع وركضت نحوها لتأكلها.وهذا ما هو حاصل وسيحصل في العراق الى أن يضعف تأثير الرمز الديني في لاوعي الشخصية العراقية .. ولن يحدث هذا إلا بذهاب السياسيين الخبثاء الذين يعزفون على هذا الوتر، ومجيء حكومة يجد الناس الخلاص عندها في العيش بحياة آمنة هانئة، وحينئذ سوف لن تكون بهم حاجة الى عرض مظالمهم على امام او انتظار رمز مخلّص .. قد يأتي وقد لا يأتي.

 

في المثقف اليوم