قضايا

أَمّْنُنَا الوَطَنِيّ والحَرّْبُ النَّفْسِيَّةِ

mohamadjawad sonbaمنذُ أَنّْ أَوجد الله تعالى الخليقة، ولِدَ الصِّراع بيّْن البشر. إِنَّه صراع المصالح، سواء كانت هذه المصالح، سياسيّة او اقتصاديَّة او آيديولوجيَّة. واصبح محور الأمن الشخصي والمجتمعي، الصورة التي تعكس حجم أنشطة تلك الصراعات. واعلان الحرب هي المرحلة الاخيرة لفض الصراعات، بعد أَنّْ تعجز السياسة، من التَّوصل الى حلٍّ يرضي اطراف النزاع. يقول (كلاوزفيتز) وىهو أَحد المُنظّرين في الاستراتيجيّة: (إِنَّ الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل مختلفة)(قصف العقول/د. ديفيد تايلور).

و تًسبق وتَعقب العمليات العسكريَّة، حرب من نوع آخر، إِنَّها الحرب الباردة، او الحرب الناعمة، أو الحرب السياسيَّة، أو الحرب النَّفسية، فكل هذه التسميات تحمل معنىً واحداً، هدفها تدمير أو اضعاف الروح المعنويَّة للخصم. ومثلما تمتلك الحرب العسكريَّة الأَدوات والتقنيّات الخاصَّة بها، كذلك فإِنَّ الحرب النَّفسية، لها أَدواتها وتقنيَّاتها. ولغرض فهم الحرب النفسيَّة، بصورة دقيقة لا بدَّ من معرفة أَدواتها وأَهدافها. وأدواتها هي:

1. الاشاعات بأَنواعها: (الظاهرة والمخفيَّة والقامسة(تظهر وتختفي وهكذا)، واشاعة الصَّدمة واشاعة الأَمل واشاعة الخوّف).

2. الإِعلام بكلّ وسائله، المقروءة والمسموعة والمرئيَّة.

3. الدِّعاية بأَنواعها الصفراء والرماديَّة.

4. نشر عقائد دينيَّة، في ظاهرها الدعوة الى الحداثة والاصلاح، بينما هي تستبطن الحثّ على الانحراف عن الدّين القويم.

5. تسّقيط الرموز الوطنيَّة والدينيَّة عن طريق تزوير الحقائق عنهم.

6. صناعة رموز وطنيَّة او دينيَّة مزيَّفة، تُؤَهَّل لخداع المجتمع ومن ثمَّ القيام بتنفيذ، مخططات تدميريَّة في المجتمع.

7. نشر ثقافات خاطئة تخالف الثَّقافات الصحيحة في المجتمع.

8. غسيل الادمغة او ابدال القناعات الشخصية، بقناعات أخرى تخدم أهداف العدو.

9. فرض الحصار الاقتصادي على شعب معيّن لكسر روحه المعنوية.

10. تزييف العملة، لزعزعة ثقة المواطن بالجهاز الرقابي.

11. النكات الفكاهية، التي تستهدف تسقيط الآخر والتقليل من شأنه ومكانته.

12. حرب المعلومات، هدفها سرقة المعلومات المهمة، عن طريق الوسائل الالكترونية، والتصرف بها حسب الحاجة، وتختصّ بها وسائل الاتصال الحديثة.

 ان كل ما يندرج تحت هذه العناوين، هو نوع من الأنشطة الاتصاليَّة، هدفها التَّأثير على الرُّوح المعنويَّة للخصم، واجباره على اتِّباع سلوك، ما كان ينبغي أَنّْ يَتَّبعه، لو تُركت له الحرية باستخدام تفكيره المنطقي، بدون تأثيرات خارجيَّة. وهذا السلوك الذي بُنيَ على تفكير او اعتقاد غير صحيح، من قبل الفرد، او شريحة اجتماعية معيّنة من المجتمع، او عموم المجتمع، له تأثيرات سلوكيَّة، ليّْست في صالح الطَّرف المتأثر بالتفكير الخاطئ. الأَمر الذي سيترك آثاراً سلبية على الحالة النَّفسيَّة، للطرف المستهدَف.

(من الأفضل مهاجمة تفكير العدوّ، بدلاً من البدء بشنِّ الهجوم على مُدُنه المُحَصَّنة)(فن الحرب/صِنّْ تزو)

لقدّْ دُرست الحرب النَّفسيَّة، ووسائلها وأدواتها وتأثيراتها وآثارها، وطرق مكافحتها، بصورة منهجيَّة علميَّة، بعد الحرب العالميَّة الثانيَّة. وقدّْ ركَّزتُ في هذا المقال، على بحث موضوع الاشاعة، لأَنَّها الوسيلة الأَكثر سرعة في التأثير والانتشار بيّن الناس، والأَرخص من حيث الكلفة الماليَّة.

إِنَّ الاشاعة او الشائعة (بمعنى واحد)، قدّ عرّفها الباحثون بصور متعدّدة، لكنّْ كلَّ التعاريف تُجتمع على مبدأ واحد، هو التأثير على الرُّوح المعنوية للجمهور المُستهدف. جاء في كتاب (جان نويل) (الشائعات الوسيلة الاقدم في العالم)، عدة تعاريف للاشاعة منها:

1. عرَّفها الباحثان (الپورت وپوستمان)، بأَنَّها:

 (افتراض يرتبط بالاحداث القائمة يراد منه أن يصبح موضع تصديق العامّة، بحيث يتمّ ترويجه من شخص الى آخر مشافهة في العادة، ومن دون أن تتوافر أي ملموسة تسمح باثبات صحته).

2. عرفها الباحث (كناپ Knapp) بأنها:

(تصريح يطلق لتصدقه العامَّة، ويرتبط باحداث الساعة، وينتشر من دون التَّحقق رسمياً من صحته).

3. عرفها عالم الاجتماع الامريكي (تي شيبوتاني) بأنها:

(اخبار ملفَّقة تتولد من نقاش جماعي). (تتشارك المجموعة في مواردها الفكرية، من أَجل إِيجاد تفسير مُرضٍ للحدث). واستطاع (شيبوتاني) أَنّْ يضعَ قانوناً للاشاعة هو :

قوّة الاشاعة = الأَهمَّية(أَهميَّة موضوع الاشاعة) X الالتباس(الغموض في موضوعها).

و حسّْب هذا القانون، تكون الاشاعة قويَّة، كلَّما كان موضوعها مهمَّاً. كما تكون الاشاعة قويَّة، كلَّما كانت المعلومات عن موضوعها غامضةً. وهذه العلاقة الطَّرديَّة بيّْن هذين العاملين، وعامل قوَّة الاشاعة، يُفسِّر لنا تأثير سبب ترويج الاشاعات، بالوقت الّذي تتصدى فيها قواتنا المسلحة الباسلة، والتي تساندها قوات الحشّْد الشعبي المغوارة، لمحاربة عصابات داعش في محافظتي تكريت والانبار.

فمن حيّْث الأَهمية فالموضوع متعلق بمصير وطن. ومن حيث الالتباس أو الغموض، فان الموقف في جبهات القتال، تنقله القنوات التلفزيونيَّة بشكل متضارب، مما يزيد الأَمر تعقيداً وغموضاً، وتبعاً لذلك تزداد وتتعاظم قوّة الاشاعة بين أَفراد المجتمع، ونتيجة لذلك، تتعرَّض الرُّوح المعنويَّة للفرد والمجموع، للضَّغط النَّفسي السلبي. هذا الضَّغط النَّفسي يضرُّ كثيراً بأَمننا الوطني، خصوصاً الأَخبار، التي تُوحي او تُصرّح بوجود هزيمة، بين صفوف قطعاتنا العسكريَّة.

إِنَّ الاعلام الوطني الموجَّه بشكل علمي ومهني، يُشكلّ أَحدّْ أَمضى الأَسلحة، التي تَقضي على الاشاعات، بشكل سريع وفاعل. ومن خلال التَّجربة العمليَّة، فقدّْ أَثبت الإِعلام الوطني، فاعليَّة منقطعة النَّظير، في التواصل مع الجماهير، إِبَّانَ تحرير مناطق من محافظة ديالى،و منطقة جرف الصخر، ومناطق حزام بغداد والدّجيل، ومحيط سامراء، وأَخيراً تحرير محافظة صلاح الدّْين.

(إنه مبدأ التزام الإِعلام الوطني بوعي وصرامة، بمصالح الدَّولة وقوَّاتها المسلحة، على أَساس عدم القيام بنشر أَيّ معلومات، أَو آراء تضرُّ بالأَمن القومي للدَّولة وللمجتمع، وعلى أَساس أَلّا تَمنع الأَجهزة الرقابيَّة الإِعلام الوطني، من حقوق المتابعة ونقل الحقائق الى الرأي العام، الّذي يتحمل في النهاية، أَعباء وتبعات الحرب، ويتمتع بمكاسبها الماديَّة أو المعنوية.)(انتهى)(قصف العقول/د. فيليب تايلور).

 

أَخطاء يجب عدم تكرارها بالمرّة.

قبل كل عملية عسكرية، تبدأْ موّْجة من بثّ التَّصريحات لبعض المسؤولين، هذه التَّصريحات غيّر المنضَّبطة، وغيّر المسؤولة أَيضاً، تظهر على العديد من القنوات الفضائيَّة، حتّى المشبوهة منها. وهذه التصريحات غير الواعية، يقوم أَعداء العراق وشعبه، بتسجيلها واخضاعها لعمليَّة تحليل ومُقارنة، ومن ثمَ يستنتجون منها الكثير من المعلومات، التي يُمكن توظيفها لصالحهم. كما أَنَّ هناك نقاط أُخرى، يجب على المسؤولين في الحكومة العراقيَّة، الالتفات اليها بجَدٍّ؛ هي:

1. منع التِّقاء مراسلي القنوات الفضائيَّة، مع أَيّ شخص في ساحة العمليَّات، وأَخذ التصريحات منه، والتقاط صور وتسجيلات فلميَّة، في مواقع العمليَّات العسكريَّة.

2. أَنّْ تُحصر لقاءآت القنوات الفضائية، بممثل المكتب الاعلامي للعمليّات، حيث يكون هذا المكتب، هو الجهة المركزيّة المخوَّلة الوحيّدة، لاعطاء التَّصريحات حول نتائج العمليَّات العسكريَّة.

3. الغاء وظيفة (الناطق الرسمي)، هذه الوظيفة التي تعدَّدت شخصياتها، مثلما تعدَّدت الجهات الرسميَّة المسؤولة عنها. وحصّْر الموضوع كما جاء بالفقرة أعلاه. والله تعالى من وراء القصّد.

 

مُحَمَّد جَواد سُنبَه

كاتِبٌ وبَاحِثٌ عِرَاقي

 

في المثقف اليوم