قضايا

الشخصية الميكافيلية

qassim salihyالشائع عن الشخصية الميكافيلية انها توجد على صعيد الحكّام، فيما الحقيقة انها توجد بين الناس ايضا، وانها احد الاسباب التي تعمل على تهرؤ القيم واشاعة الشك وخوف الاخر من الاخر التي تفضي الى اضعاف العلاقات الاجتماعية.ومعروف ان فقدان الفرد لعلاقاته الاجتماعية يؤدي به الى انطوائه على نفسه ويدخله في نفق اليأس.

كان ميكافيلي، صاحب كتاب " الأمير" قد شخّص صفات واساليب محددة يجب ان يعتمدها الحاكم الذي يريد البقاء في السلطة الى حيث يشاء..لنلتقط عددا منها ونطبّقها على صعيد الأسرة والمجتمع ومؤسسات العمل.

اوصى ميكافيلي ان بكون الحاكم غدّارا اذا وجد أن محافظته على العهد لا تعود عليه بالفائدة، وأن يكون دعيّا ومرائيا، وأن يجمع بين خداع الثعلب ومكر الذئب وضراوة الأسد، وأن لا يخجل في اختيار أي أسلوب مهما تدّنى لتحقيق أهدافه وطموحاته، وأن لا يتقيد بالمحاذير الأخلاقية التقليدية لتحقيق مبتغاه، وأن يتقن الكذب والمراوغة ليحقق مآربه بأية وسيلة ملتوية، وان يوظّف الدين لخدمة بقائه في السلطة لا لخدمة الفضيلة والاخلاق.

ان متابعتنا لاحوال الناس تفيد بظهور الشخصية الميكافيلية على صعيد المجتمع.فلقد وجدنا بعض الآباء باعوا بناتهم من اجل ان يعيشوا مبررين ذلك بالمبدأ الميكافيلّي (الغاية تبرر الوسيلة)، وبينهم من اعتمد الاسلوب التسلطي في تعامله مع زوجته وبناته، معتمدا المبدأ ذاته، مبررا ان القسوة مطلوبة للمحافظة على شرف العائلة بعد ظهور مهدداته الخطيرة المتمثلة بالموبايل والانترنت والفيسبوك.

وعلى صعيد مؤسسات العمل تجد هنالك من كان املطا فأطال لحيته لأن مدير المؤسسة من اصحاب اللحى.ومن لبست الحجاب لأن مديرتها محجبة، فيما هي تنزع حجابها ان كانت في زفّة عرس..وقس على ذلك الكثير من الذين يستخدمون اساليب ملتوية لتحقيق غاياتهم.

وتجد بين الميسورين من يمتلك المليارت ويتحدث بالدين والاخلاق ولا يتبرع لمستحقين مع انه يعلم ان الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله" فبشرّهم بعذاب أليم"، فكيف بالذي يخزن ملايين الدولارات ولا ينفق منها مليونا واحدا في سبيل مليونين ونصف نازح..بينهم اطفال رضّع ماتوا باحضان امهاتهم وشباب انتحروا وارامل لا يجدن قوتا لاطفالهن ورجال اذلّوا بعد ان كانوا أعزّة..بل يزيدها صلافة بحج بيت الله في كل عام!.

وعلى صعيد العلاقات الاجتماعية تجد شيوع الكذب وغدر الصديق بالصديق وعدم الشعور بالخجل ان نكث عهدا.اذكر هنا حكاية رواها لي والدي أن فلاحا نزل الى المدينة، وكان من عادة الفلاحين ان ينزلوا مرة في الشهر ليشتروا السكّر والشاي والرز، فاشترى من صاحب الدكان ما يحتاج وكان المبلغ الذي معه لا يكفيه..فقال له:ان شاء الله بالمرّة الجاية اوفيك، فاجابه صاحب الدكان: ومن يكفلك؟.مدّ الفلاح يده الى شاربه وسحب شعرة منه وقال:تفضل هذا كفيلي.بعد شهر جاء له الفلاح وسدد ما بذمته وقال له:اعطني كفيلي..يقصد شعرة شاربه!.

السنا أبناء اولئك القوم الذين ما كانت فيهم شائبة ميكافيلية؟

نعم..وبيننا الآن من زادوا عليها وعيا وصلابة وجمالا..أخذت مساحتهم تتسع لتشيع الأمل بين العراقيين الذين ما استكانوا لليأس في حياتهم.

 

 

في المثقف اليوم